اللي بني مصر كان في الأصل حلواني..وعشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات بهذه الكلمات غني المطرب علي الحجار تتر مسلسل بوابة الحلواني للكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن, والذي وافته المنية أمس عن عمر يناهز83 عاما بإحدي المستشفيات الخاصة إثر تعرضه لجلطة بالمخ استمر في علاجها علي مدار أسبوعين, ومن المقرر أن تقام صلاة الجنازة ظهر اليوم بمسجد الشرطة بالشيخ زايد. لم يكن عبد الرحمن مجرد كاتب أو مؤلف أعمال فنية فحسب, ولكنه واحد من قلائل استطاعوا بحرفية شديدة أن يقدموا أعمالا فنية تعيد تقييم أحداث أو شخصيات لتكون بمثابة وثيقة فنية تاريخية يحتذي بها, ولعل أبرز مثال علي ذلك هو مسلسل أم كلثوم للفنانة صابرين, وإخراج إنعام محمد علي الذي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا وكشف جوانب لم يتم تناولها من قبل عن شخصية أم كلثوم, الأمر الذي دفع الفنانة صابرين وقتها إلي التأكيد أنه من الصعوبة تقديم سيرة ذاتية لأي شخص آخر, وكذلك مسلسل بوابة الحلواني بأجزائه الأربعة حيث يبدأ العمل بحكم الخديوي إسماعيل, وينتهي بعزله, مستعرضا من خلاله جزءا مهما من تاريخ مصر محاولا تسليط الضوء علي نواح من الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للحقبة الزمنية, وذلك من خلال مسار أسرة الحلواني بقرية الفرما, التي صارت مدينة بور سعيد فيما بعد. كما قدم عبد الرحمن ليلة سقوط غرناطة بطولة أحمد مرعي, وأمينة رزق, والفرسان يغمدون سيوفهم, ليلة مصرع المتنبي, السندباد, الكتابة علي لحم يحترق, ساعة ولد الهدي, قابيل وهابيل, وغيرها من الأعمال الدرامية المهمة والتي لم يكن هدفها الأول الترفيه بقدر التثقيف. الأمر لم يختلف كثيرا علي المستوي السينمائي فبرغم قلة إنتاجه السينمائي إلا أنه قدم أفلاما تركت أثرا كبيرا لدي المشاهد, ومن بينها فيلم القادسية في أوائل الثمانينات والذي لعبت بطولته سعاد حسني, وعزت العلايلي, وهو إنتاج مصري عراقي تدور أحداثه حول معركة القادسية(636 م), بين الجيش الإسلامي بقيادة سعد بن أبي وقاص( بعد وفاة المثني بن حارثة الشيباني قبل المعركة), والجيش الفارسي بقيادة رستم, وفيلم ناصر56 بطولة أحمد زكي, قرر فيه محفوظ تناول حقبة تاريخية محددة من فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر قبل وبعد تأميم قناة السويس بدءا من تأميمها مما أدي لحدوث العدوان الثلاثي علي مصر. ثم قدم محفوظ عبد الرحمن فيلم حليم آخر أعمال أحمد زكي السينمائية, إنتاج عام2006, وإخراج شريف عرفة, ويتناول العمل مشاهد من حياة عبد الحليم حافظ وما عاناه حتي وصل إلي ما يريد وأصبح جزءا لا يتجزأ من وجدان الناس. وقبل كل ذلك كانت مسرحياته بمثابة أيقونة المسرح العربي حيث عرضت في جميع الدول العربية, ومن بينها حفلة علي الخازوق, وهي مسرحية كويتية تاريخية, قدمت عام1975, وهي مأخوذة من حكايات ألف ليلة وليلة, وعريس لبنت السلطان وعرضت بالكويت عام1978, الحامي والحرامي إخراج خالد الطويلة, كوكب الفئران, محاكمة السيد, الفخ, وغيرها من الأعمال المسرحية المهمة. رحل عبد الرحمن وترك لنا موروثا ضخما من الأعمال الدرامية والسينمائية والمسرحية والأدبية, كفيلة بأن تجعله باق في قلوبنا ليرحل الجسد ويبقي الفكر. حلواني مصر.. المحبوب محمد زيادة يكتسب المبدعون سمة وحالة خاصة من أسمائهم قبل أن تنقش أعمالهم وجدان وأذهان المتلقين خاصة أهلنا وناسنا من المصريين.. من هؤلاء محفوظ عبد الرحمن.. وإذا راقبت نطق الاسم سيمر علي لسانك السكون خمس مرات بداية من حرف الحاء في محفوظ وحتي ختام الاسم بحرف النون في الرحمن.. هذا السجع اللحني في اسمه.. إذا جاز التعبير أكسب الكاتب شهرة زادت مع تصديه لكتابة الأعمال الدرامية ل فئات بالمجتمع يحبها.. كما كان يقول.. ربما يكون هذا الاستهلال السمعي لا يضيف إلي قيمة وقامة ثقافية وفنية بقدر المبدع المحفوظ عبارات من نجوم أعماله علي ألسن متابعيه.. ولكنه يستحقها وأكثر.. بدأ إبداع عملاق الدراما إشراقاته من حالة مزاجية.. يكتب بمزاج حالة ثقافية متوالية لإشباع ذاته..- ولكن مهلا- من أين أتت هذه الخواطر والأمزجة المميزة وحالة التدفق وانتصار القلم علي الورق ورضوخه لما يمور في الرأس الشابة آنذاك.. يعرف الكثيرون أن محفوظ محمد عبد الرحمن عرفات ولد في11 يونيو1941 لوالد يعمل ضابط شرطة وبحكم تغير أماكن خدمته كان التنقل بين المحافظات وعاش في الفيوم خلال دراسته بالصفوف الأولي بالابتدائي, وبعدها المنيا, وهكذا.. كان خيال الطفل كلما بدأت أحلامه تزوره بمكان تعود عليه..هجرته إلي آخر جديد وراء رب الأسرة حسب حاجة العمل..هنا الخيال الأخضر يشتاق إلي مشبع وبدأت النسائم تهل علي لسان أحد الجيران المخلصين بالفيوم.. الجار يجمع الأطفال في حوش البيت الكبير ويسرد عليهم في صوت عال أخاذ ما جادت به مجلات الأطفال من قصص وتحركت عقل محفوظ الصغير مغادرة للمكان والزمان ترسم دنياها وحياتها بأنامله الصغيرة بعيدا وكانت القصص هي التسلية والمتعة..وتعلم القراءة وحده سريعا ولايعرف أحد من اصطاد من بائع الكتب أم محفوظ الصغير وتمت الصفقة سريعا.. مقابل قرشين صاغ.. وبدأت مرحلة تأجير الكتب أو التهام الروايات.. واحترم ذكائه أحد المزارعين فقاده إلي مكتبة جده وفرح محفوظ بإزالة التراب ومكث يشرب من عيون الثقافة وصقل عقله الفتي وأتم الثانوية واتجهت البوصلة من رأسه إلي كلية الآداب بالقاهرة.. وبمرور الوقت عرف الجمعية الأدبية التي يديرها العظيم يوسف السباعي ودخل معه في نقاشات ثقافية ومجتمعية..وأثني علي ميوله ورجاحة عقله.. تخرج محفوظ في عام1960 وتمكن من نشر أول مجموعة قصصية له, حتي عرف اسمه أنه قاصا وكاتبا, قبل أن يعمل في وزارة الثقافة, وعرفت صحف عديدة كتابات محفوظ منها الأهراموالآداب والمساء والجمهورية.. ومن هنا فكر في احتراف الكتابة مع عدم التخلي عن المزاج وكانت المعادلة الصعبة والرهان الكبير إبداع وكتابة واقعية تلمس الجراح للعلاج لا للحديث عنها فقط..وربما هو سر شعبيته وحب الناس لمتابعة أعماله.. فهو يخاطبهم بطبيعته المصقولة بحب الأفضل لهم.. وبمصرية خالصة. وشم التليفزيون شذي لمحاته فكانت سهرة تليفزيونية باكورة الأعمال وكان يقول عن هذه المرحلة.. أحب قول الشيء في بلاغة بسيطة تصل لكل أطياف المجتمع وتسلل عبيره إلي المسرح وقبل محفوظ التحدي الجديد والعنفوان الأخاذ والإبهار القوي فكانت مسرحيات حفلة علي الخازوق وليلة من ألف ليلة وليلة وعريس لبنت السلطان.. في منتصف سبعينيات القرن الماضي ألف مسلسل عنترة الذي أخرجه الأردني عباس أرناؤوط.. وأطل وجه الهادئة الجميلة..سميرة عبد العزيز فاستقرت العواطف الصادقة بينهما, ووافقت علي الزواج منه بعد أن عرض عليها الأمر, وأنجب منها ولدا وبنتا.. في بداية التسعينيات سيطرت عليه ليال طويلة حالة من الكتابة والتدوين عن حفر قناة السويس, عقب إهدائه مرجع نادر, وقفزت فكرة مسلسل بوابة الحلواني وبدأت سلسلة من إبداعاته التي لا تنسي..وعرف العالم العربي والمثقفون في العالم أعمال أثرت الحياة الفنية بتجارب لنماذج يعرفها هو شخصيا ونقل أسرارها بحرفية وتنوع لن تتكرر..وكتب أكثر من عشرين مسلسلا للتليفزيون منها: سليمان الحلبي- عنترة- محمد الفاتح- ليلة سقوط غرناطة- الفرسان يغمدون سيوفهم- ليلة مصرع المتنبي- السندباد- الكتابة علي لحم يحترق- ساعة ولد الهدي- قابيل وهابيل- الدعوة خاصة جدا- المرشدي عنبر-أم كلثوم. دفتر عزاء نعي العديد من الشخصيات العامة والمؤسسات الثقافية رحيل الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن حيث قدم وزير الثقافة حلمي النمنم تعازيه إلي زوجته الفنانة سميرة عبد العزيز وإلي أسرته وأصدقائه ومحبيه, والي الشعب المصري في وفاة احد أهم المؤلفين الذين برعوا في تصوير الواقع المصري من خلال أعماله الأدبية,والإبداعية, وقال إن الفقيد رحل بجثمانه, لكنه لا يزال بيننا بأعماله وإبداعه. بينما قال حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام, إننا فقدنا قيمة أدبية كبيرة قدمت دراما لشاشه التليفزيون تعد علامات بارزة وأثري بها مجال الدراما الاجتماعية والتاريخية. كما نعي د.خالد عبد الجليل مستشار وزير الثقافة لشئون السينما ورئيس المركز القومي للسينما, الأديب والسيناريست الكبير محفوظ عبد الرحمن, حيث قال فقد الوسط الثقافي قامة لا يشق لها غبار, وواحدا من أهم كتاب المسرح والدراما في التاريخ الحديث, حيث كان يتمتع ببصيرة نافذة مكنته من امتلاك ناصية الكلمة, وقوة الحجة, وعمق التجربة, واتخاذ مواقف تليق به. ونعي الشاعر أشرف عامر رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة السيناريست الراحل حيث قال فقدنا قيمة وقامة مصرية قلما وجدت في هذا الزمن وخاصة بما قدمه من إبداعات فنية ودرامية أمتعتنا من خلال أفلامه ومسرحياته ومسلسلاته التي جسدت الكثير من الواقع المصري والشخصية المصرية. كما قدم المجلس اعلي للثقافة بأمانة الدكتور حاتم ربيع, نعي للكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن, حيث قال ربيع إن أعمال الراحل ستظل باقية, لتنتقل عبر اجيال, وسيظل الراحل علامة بارزة في تاريخ ابداع. وقدمت الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية برئاسة الدكتور أحمد الشوكي, نعي الكاتب الكبير حيث قال الشوكي, إن الراحل أسهم في تكوين وجدان أجيال متعاقبة من خلال إبداعه في السينما والدراما التليفزيونية, كما اهتم بالهوية المصرية وتاريخ النضال الوطني ضد الإمبريالية فأرخت أعماله للحظات انتصار الوطن وانكساره. ونعت الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما برئاسة الناقد الأمير أباظة الأمة العربية والإسلامية رحيل محفوظ عبد الرحمن الذي أثري الثقافة العربية والإنسانية بإبداعاته المسرحية والسينمائية والتليفزيونية, والأدبية علي مدار ما يقرب من60 عاما. وأضافت الجمعية في بيانها أن الراحل رئيس شرف الجمعية وأحد أهم أعضائها حيث تشرف مجلس إدارة الجمعية بعضويته لسنوات طويلة قبل أن يؤسس جمعية مؤلفي الدراما.