شهر رمضان شهر الإكثار من الجود والنفقات والصدقات, اقتداء بالنبي الكريم أفضل المنفقين والمتصدقين.. قال ابن عباس:( كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلي الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة).. متفق عليه, فينبغي الإكثار من الجود اقتداء بالرسول صلي الله عليه وسلم في سائر الأحوال عامة, وفي رمضان خاصة.. ويقول الدكتور حمادة القناوي من علماء الأوقاف إن من أسباب البركة والزيادة والنماء في حياة الإنسان, بل وبعد مماته, الصدقة ولو بالقليل, فالله سبحانه وتعالي, يربيها وينميها حتي تأتي مثل جبل أحد يوم القيامة, قال عز وجل:, يمحق الله الربا ويربي الصدقات]( البقرة:276) وعن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يصعد إلي الله إلا الطيب, فإن الله يتقبلها بيمينه, ثم يربيها لصاحبه, كما يربي( أحدكم فلوه, حتي تكون مثل الجبل). وهذا عكس ما هو مشاهد الآن في الميزان الاقتصادي المادي, أن الربا زيادة والصدقة نقص, لكن عند الله الربا نقص والصدقة زيادة, وهي بركة في الأموال والأولاد وفي حياة الإنسان عموما, فعن أبي كبشة الأنماري, أنه سمع رسول الله يقول: ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه قال: ما نقص مال عبد من صدقة, ولا أظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا, ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها فالله يخلف علي المتصدق ويعوضه أضعاف ما يتصدق به قال تعالي:, وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ما من يوم يصبح العباد فيه, إلا ملكان ينزلان, فيقول أحدهما: اللهم اعط منفقا خلفا, ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا قال الله تعالي:, ما عندكم ينفد وما عند الله باق]( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم, وكذلك الصدقة سبب لرضا الله- تعالي- وتقي مصارع السوء وتنفي الفقر, عن بهر بن حكيم, عن أبيه, عن جده, عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب, وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء, وإن صلة الرحم تزيد في العمر, وتقي الفقر. وأكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا الله, فإنها كنز من كنوز الجنة, وإن فيها شفاء من تسعة وتسعين داء, أدناها الهم فمعلوم أن العبد سوف يستظل بصدقته, فمنهم من تكون صدقته كالجبل, ومنهم من تكون كالرابية أو كالنخلة أو كالكف, ومنهم من لا ظل له, مصداقا لقوله صلي الله عليه وسلم كل امرئ في ظل صدقته حتي يفصل بين الناس- أو قال: يحكم بين الناس- قال يزيد بن أبي حبيب- أحد رواة الحديث-: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا فمن ارتكب خطايا أو مخالفات فليطفئها بالصدقة. ويشير الدكتور حمادة إلي أن الصدقات أفضل علاج للهموم وهي بمثابة الترياق للغموم لقوله عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا, نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن يسر علي معسر, يسر الله عليه في الدنيا والآخرة, ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة, والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه فإنك إن تفرج عن مكروب, أو تقف مع يتيم, أو تكفله, أو تنظر إلي معاق فترفع حاجته, أو تقضي الدين عن مدين, أو تساعد من يريد الزواج أو تجمع له المال, أو تنشئ صندوقا في قريتك أو في حيك, وتساعد هؤلاء جميعا خير لك من كثير من النوافل. فأحب الناس إلي الله- عز وجل- الذي يسعي في نفع الناس. يروي أن ابن المبارك- رحمه الله- أمير المؤمنين في الحديث- كان إذا اشتري فاكهة بدأ بأبناء جاره اليهودي فيوزع الفاكهة عليهم, وإذا اشتري لحما بدأ بأبناء اليهودي فوزع عليهم اللحم, وبعدها أسلم اليهودي وينبغي للمتصدقين أن يكون في حالة رضاء وبشاشة وطلاقة للوجه, وأن يخفي صدقته ما أمكن إلا إذا قصد أن يقتدي به, متمثلا قول- زهير بن أبي سلمي. تراه إذا ما جئته متهللا كأنك معطيه الذي أنت سائله. قال تعالي( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي والله غني حليم) كذلك ينبغي أن يخفي صدقته ليكون أبعد عن الرياء فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله, يوم لا ظل إلا ظله..( ورجل تصدق, أخفي حتي لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.. عن ابن مسعود قال: ما تصدق رجل بصدقة, حتي وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل ثم قرأ, ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات]. ويقول الدكتور نبيل عجيب من علماء الأوقاف وما منع النبي صلي الله عليه وسلم سائلا سأله أبدا, بل لقد ورد في صحيح مسلم أن رجلا جاء إلي المصطفي فسأله, فنظر النبي صلي الله عليه وسلم إلي غنم بين جبلين, فقال:( انظر إلي هذه الغنم, سقها فهي لك! فساق الرجل الغنم كلها بين يديه, وذهب إلي قومه قائلا: يا قوم! أسلموا, فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشي الفقر). وإنما كان الإكثار من الصدقات في رمضان خاصة أكثر لأربعة أسباب: الأول: لمناسبة رمضان.. فإن رمضان شهر تضاعف فيه الحسنات.. وترفع فيه الدرجات.. فيتقرب فيه العبيد إلي مولاهم بكثرة الصدقات والأعمال الصالحات. والثاني: كثرة قراءة القرآن في رمضان.. والقرآن فيه آيات كثيرة في الحث علي الإنفاق في سبيل الله.. والتقلل من الدنيا والزهد فيها والإقبال علي الآخرة.. فيكون في ذلك تحريك لقلب الإنسان لأن ينفق في سبيل الله. والثالث: أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يلقي جبريل في كل ليلة, ولقاؤه لجبريل من باب مجالسة الصالحين.. ومجالسة الصالحين تزيد في الإيمان وتحث علي الطاعة.. فلذلك كان صلي الله عليه وسلم يكثر من الصدقة في رمضان.. والرابع: تصفيد مردة الشياطين.. فمردة الشياطين الذين يوسوسون لابن آدم ويحرضونهم علي عدم الإنفاق مسلسلة ومقيدة.. فلا يستلطون علي بني آدم.. وبذلك تتيسر وتكثر الصدقات في هذا الشهر.. عن أبي هريرة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( ما نقصت صدقة من مال, وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله).. صحيح مسلم.. فأثبت عليه الصلاة والسلام أن الصدقة لا تنقص المال بل تزيده.. وهذه الصدقة التي لا تنقص مالك هي تزيد في أعمالك وقربك من الله عز وجل.. وصاحب صدقة السر يستظل بظل الرحمن يوم القيامة.. قال صلي الله عليه وسلم:( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وذكر منهم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتي لا تعلم شماله ما تنفقة يمينه).. وحيث أن أفضل الأعمال التي يجدر علي الإنسان المسلم القيام بها في شهر رمضان المبارك الصدقة. ويشير الدكتور نبيل عجيب إلي أن أبرز أبواب إخراج الصدقة في هذا الشهر هي الصدقات المادية المباشرة وهي من أفضل أنواع الصدقات التي تقضي حاجات الفقراء والمعوزين في كل أوقات العام عامة وفي شهر رمضان خاصة في ظل الظروف المادية الصعبة التي يمرون بها, حيث تقضي عنهم حوائجهم وتفرج عنهم كرباتهم وتعينهم علي أداء عبادة الصوم العظيمة, حتي يشعروا بالأمن والسكينة في أداء الفرائض والنوافل. وتقديم وجبات الإفطار للصائمين: حيث يوجد العديد من الفقراء الذين لا تتوفر لديهم المؤنة الكافية في تحضير طعام الإفطار لغلاء الأسعار أو عدم توافر مأوي يسكنون فيه, وأيضا هناك من لا يستطيعون الوصول إلي منازلهم في وقت الإفطار, فيلزم لهؤلاء جميعا تقديم وجبات الإفطار وتعتبر من ضروب الصدقات العظيمة. ويعتبر شراء الملابس الجديدة وتقديمها للفقراء خاصة أطفالهم من ضروب الصدقات التي تزيد التواصل والتعاضد بين أبناء المجتمع والتكافل مع بعضهم البعض وحماية الأغنياء وأموالهم من الحسد والسلب بإعطاء هؤلاء الفقراء حقوقهم التي فرضها الله عز وجل لهم. والتصدق بالوقت فتخصيص جزء من الوقت في شهر رمضان المباركة لصلة الآخرين وتفقد أحوال المحتاجين والتقريب بين الناس عامة والأقارب خاصة لتكون صدقة وصلة رحم ويعود المجتمع إلي سابق عهده من الترابط والتراحم وعلي المتصدق أن يراعي الإخلاص لله عز وجل في صدقته: فأي عبادة من العبادات يجب فيها أن تكون خالصة لله يبتغي فيها الأجر من الله, وكذلك يجب أن يكون فيها متبعا لسنة النبي صلي الله عليه وسلم. والحذر من اتباع صدقته بالمن والأذي. فهذا يبطل ثواب الصدقة وهو من كبائر الذنوب.. وهو كالذي ينفق رياء.. قال تعالي:, يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذي كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر)..