لقد أخبرنا الله تعالي بطبيعة الحياة الدنيا, وأنها خلقت ممزوجة بالبلاء والفتن فقال:(( لقد خلقنا الإنسان في كبد)) أي مشقة وعناء, وأقسم علي ذلك بقوله:( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات , وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون, أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) وإذا أطلق الصبر فلا يكاد ينصرف إلي غيره عند كثير من الناس. الصبر علي مشتهيات النفس: وهو ما يسمي بالسراء فإن الصبر عليها أشد من الصبر علي الضراء, قال بعضهم: البلاء يصبر عليه المؤمن والعافية لا يصبر عليها إلا صديق, وقال عبد الرحمن بن عوف: ابتلينا بالضراء فصبرنا, وابتلينا بالسراء فلم نصبر. إن المؤمن مطالب بألا يطلق لنفسه العنان في الجري وراء شهواتها لئلا يخرجه ذلك إلي البطر والطغيان وإهمال حق الله تعالي فيما أتاه وبسط له, قال تعالي:( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون), ويمكن أن نجمل حاجة الإنسان إلي الصبر في هذا النوع بأربعة أمور: ألا يركن إليها, ولا يغتر بها, ولا تحمله علي البطر والأشر والفرح المذموم لا يحب الله أهله. ألا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها, فإنها تنقلب إلي أضدادها, فمن بالغ في الأكل والشرب والجماع انقلب ذلك إلي ضده, وحرم الأكل والشرب والجماع. أن يصبر علي أداء حق الله تعالي فيها, ولا يضيعه فيسلبها. أن يصبر عن صرفها في الحرام, فلا يمكن نفسه من كل ما تريده منها, فإنها توقعه في الحرام, فإن احترز كل الاحتراز أوقعته في المكروه, ولا يصبر علي السراء إلا الصديقون وإنما كان الصبر علي السراء شديدا لأنه مقرون بالقدرة, والجائع عند غيبة الطعام أقدر منه علي الصبر عند حضوره. ومما يدخل في هذا النوع من الصبر, الصبر عن التطلع إلي ما بيد الآخرين من الدنيا, والصبر عن الاغترار بما ينعمون به من مال وبنين قال تعالي:( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين, نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) وقد نهي الله ورسوله صلي الله عليه وسلم عن ذلك بقوله:( ولا تمدن عينيك إلي ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه, ورزق ربك خير وأبقي), فالمؤمن من يعتز بنعمة الهداية ويعلم أنما هم فيه من الدنيا ظل زائل وعارية مستردة ولا يبالي بمظاهر الفخامة التي يتبجح بها الطغاة, لقد قال الذين يريدون الحياة الدنيا لما رأوا قارون في زينته( يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون, إنه لذو حظ عظيم), أما أهل العلم والإيمان فقالوا:( ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون). والحديث موصول.