أنا سيدة في الثلاثينيات من عمري, تزوجت من زميل لي في العمل بعد أن جمعتنا مشاعر طيبة وأنجبت منه طفلين, بعد زواجنا بفترة قصيرة بدأت أكتشف في زوجي عيوبا كبيرة لم تسنح لي الفرصة لاكتشافها قبل الزواج, كانت أقل هذه العيوب هي عصبيته التي كنت أتفاداها بعدم إثارة غضبه قدر الإمكان لكن ما لم أستطع تحمله كان هو عينه الزايغة التي لم تكن تترك زميلة ولا قريبة ولا غريبة دون أن تتلصص عليها! والأسوأ من ذلك هو أنه لم يكن ينكر ما ألحظه عليه من تجاوزات بل كان يبررها بأنها سلوكيات عادية لدي الرجال جميعا, وكنت أصمت يا سيدتي رغم ما أحسه من إهانة وجرح كبرياء إلي أن حدث ذات مرة أن اشتكت لي جارتي من سخافات زوجي معها بل وهددت بفضحه إن لم يتوقف عن إزعاجها, وهنا لم تتحمل كرامتي أن أعيش وسط جيراني امرأة لا تملأ عين زوجها, وأصبحت لا أنام خوفا من فضائح لا أحد يعلم مداها نتيجة فراغة عين زوجي فشعرت بكراهية شديدة نحوه واستجمعت شجاعتي وطلبت الطلاق وحصلت عليه بعد حرب نفسية شرسة والتقطت أنفاسي بعدها وعشت أربي أطفالي في هدوء. ومن اللحظة الأولي للطلاق أفهمت طفلي أن والدهما شخص رائع لكننا لم نتفاهم, وذلك مراعاة لعمرهما الصغير; حيث كانا في التاسعة والسابعة آنذاك وحتي لا يتشوها نفسيا بسبب أفعال والدهما الذي حرصت علي الحفاظ علي علاقة جيدة بينهما وبينه, والآن وقد أصبح ابناي علي مقربة من مراهقتهما وبدأت اسئلتهما حول الأسباب الحقيقية لإصراري علي الطلاق نصحتني صديقة بإخبارهما بالحقيقة حتي لا يكرهانني أو يحملاني مسئولية حرمانهما من حياة سوية مع أبيهما, وأنا فعلا أخشي من حدوث هذا خاصة أنني بدأت ألمح نظرات اللوم والعتاب لي في عيونهما, لكنني في الوقت نفسه أخشي من مصارحتهما بالحقيقة حتي لا تتشوه صورة الأب لديهما وهما في تلك المرحلة الحساسة من حياتهما, فما هو الصحيح في هذه الحالة؟ عزيزتي الأم الصبورة لمستني قصتك بما تحمل من معاناة لا يفهمها أو يتفهمها المجتمع في كثير من الأحيان تحت نفس ادعاءات طليقك بأن ذلك طبيعي لكل رجل وأنه لا يخطئ بل يمارس فحولته ومن ثم لا يتفهم اعتراضك وإصرارك علي الطلاق, أثمن وأقدر ما فعلتيه مع أبنائك من تربيتهما علي احترام والدهما والتواصل معه بشكل لائق وأتساءل عن أسباب تساؤلاتهم في هذه اللحظة عن الأسباب الحقيقية لطلاقك من أبيهم, فهل هناك احتمال أن الأب يرغب في الرجوع إليك؟ وماذا لو فعل؟ هل تغيرت أحواله وسلوكياته؟( مع العلم أن هذا النوع من الانحراف لا يتغير في العادة إلا مع حدوث صدمة للشخص تغيره). علي صعيد آخر لاحظت أنك أسهبتي في تأكيد حسن علاقتك بابنيك وعلي حسن علاقتهما بوالدهما لكن لم تذكري كيف تدور العلاقة بينك وبين طليقك بعد الانفصال, إذ ربما يكون أحد الاحتمالات التي تدفعهما للتساؤلات الآن هو أنك في أوج نضوجك وعندك فرص كبيرة في الارتباط بآخر( غير والدهم) مما يمكن أن يقلقهم وفي نفس الوقت لا أشك في أنهم يتمنون لك السعادة وعدم الحرمان من وجود شريك في حياتك, تسألينني كيف تتصرفين معهم حتي لا تؤثرين علي نفسيتهم وأظن أن أهم زاوية هي أن تعلمينهما الجمع بين حقهما في الاختيار وبين حقك الشخصي الأصيل في السعادة, وذلك بترسيخ أنك إنسانة قبل أن تكوني أما, وبتثقيفهم وتعليمهم احترام حدود الآخر بما في ذلك حدودهم معك فيما يمكنهما أن يطلباه أو يطالباك به, أخشي أن مربط الصراع هنا ليس أبناؤك بل ربما إحساسك الشخصي بأنك حرمتيهما من وجود الأب في حياتهما اليومية وهواجسك بأن ذلك ممكن أن يؤثر عليهما بطريقة أو بأخري. سيدتي الأم العزباء إن لم تكوني مقتنعة بقرارك وموقفك لحفظ نفسك من انتهاكات طليقك في عصبيته وانفلات سلوكه المجتمعي والحسي, ومحترمة لكامل حقك في الاختيار مما دفعك للحصول علي الطلاق فلن تجدي معك نصيحة أو إرشاد لتوصيل اقتناعك بموقفك لأبنائك, وأتمني أن لا تسيئي فهم سابق كلماتي فتقومين بالتأكيد لأبنائك بأنك لن ترتبطي بآخر فهذا حقك إذا سنحت لك فرصة مناسبة لكن اعلمي أن الاستقرار النفسي نستقيه من المقربين منا( الأب والأم في المقام الأول) اللذين يتمتعان بالبنية النفسية السليمة ويمارسان السعادة ويمثلان نموذجا سويا في حسن الاختيارات فلا تسمحي لأبنائك بمحاسبتك علي حصولك علي حقك في الاختيار والاستقرار النفسي وقت أن تشاءي, أما في المستقبل فأظن أن هناك فرصا أكثر نضجا لمشاركتهما في الأسباب الحقيقة وراء انفصالك عن والدهما حتي لا يتأثرا به ويتخذاه مثلا لهما وهو احتمال وارد; حيث إن كل سلوكياتنا تعتمد علي ما ورثناه من أبوينا وما اكتسبناه من المجتمع والمحيط وما تعلمنا أن نعدله من خبراتنا في الحياة. فلا تحرمي أبناءك من فرصة اتقاء سلوكيات والدهما غير المحمودة بإخفائها عنهما إلي أن تصبح هناك ضرورة للمواجهة.