أنا سيدة في أواخر الثلاثينات نشأت في أسرة بسيطة لأب وأم يغرقان أبنائهما بالاهتمام والحنان, توافد الخطاب إلي بابي منذ صبايا المبكر لما أتمتع به من جمال ملحوظ وخفة روح تجذب الجميع, وفي عامي الجامعي الأخير تقدم لخطبتي شاب رآني في إحدي المناسبات ولفت انتباهه, وعندما جاء لزيارتنا وجدته عاديا جدا ولم يكن أفضل خطابي فهممت برفضه لكني فوجئت بحماس أسرتي له لأنه كان يعمل بوظيفة مرموقة في إحدي الدول العربية, وكان مناسبا من النواحي الأخري فوافقت علي لقاءه عدة مرات لكنني أعترف بأنه لم يجذبني أبدا ومع ذلك رضخت لإرادة أهلي وأعلنا الخطبة علي أمل مني بمحاولة إنهاءها, لكن سريعا ماتطورت الأمور إلي عقد قران لاضطراره للسفر لعمله, ووجدتني ألحق به عروس بثوب الزفاف لأواجهه وحيدة في الغربة آملة هذه المرة أن يولد حبه في قلبي بالعشرة, لكن لا الغربة ولا أولادي الثلاثة الذين أنجبتهم تباعا استطاعوا تحويل مشاعري, بل العكس من ذلك بدأت أشعر بكرهه تدريجيا حتي أصبحت لا أطيقه ثم انتهي عمل زوجي في الدولة العربية وعدنا إلي مصر لتزداد حدة الخلافات بيننا علي أي شئ وأتفه شئ حتي طلبت الطلاق وأصررت عليه وكان والداي قد توفاهما الله أثناء غربتي, ولم يرحب أخواي بطلاقي فتصديت له وحيدة حتي حدث لي ما أردت بعد سنوات من العناء سيدتي: لن أشكو لك معاناتي مع طليقي ولا امتناعه عن الإنفاق علي أساسيات حياة أبناءه, ولا عن الصراعات معه حول كل شئ لدرجة أنه حاول طردنا من الشقة الأنيقة التي نعيش فيها ليستبدلها بأخري في حي عشوائي, ولا عن عذابي للعمل في أي شئ لتوفير قوت أولادي, لكنني سأشكو لك إحساسي العنيف بالوحدة ومن رغبتي في وجود كتف حنون ألتقط عليه أنفاسي بعد سنوات من العذاب, أرجوك لا تستهيني برسالتي خاصة أنني أصبحت أنظر لأزواج صديقاتي وأتخيل أن ينقذني أحدهم من وحدتي! فهل أنا مريضة ؟ وماذا أفعل لو لم يتقدم لي زوج آخر وأنا أعول ثلاثة أبناء ؟ هل أدفع ثمن سوء اختياري حتي نهاية العمر ؟ أم ترين أملا في حياة جديدة ؟ جميلتي كيف لي أن استهين برسالتك واختياراتك الصعبة التي تلمس واقع أزواج آخرين لم يمتلكوا شجاعة قرارك بالانفصال عن واقع لم تتحمليه, أود أن أثمن رغبتك في اختيار شريك حياة ترضاه نفسك ويتفتح له جسدك وتسعدي معه بالرفقة لكن.. يبدو لي أنك تعتزين بنفسك لجمالك ولسمات أخري في شخصيتك مما يدعوني لأن أتساءل عن احتمالات عزلتك لنفسك وتعززك عن الانخراط مع طليقك في علاقة تكفل الحد الأدني من المشاعر, أعتقد أنه بأفعاله كطردك من الشقة والضغط عليك ماديا بالامتناع عن الإنفاق علي أولادكم إنما يسعي لرد جرحك له بإصرارك علي الانفصال, وبعد رحيل والديك هو يدرك موقفك الضعيف, فموقفك حرج حيث أن لا سند لك بعد تخلي إخوتك عنك إلا نفسك وعملك, وقد قررتي خوض معترك الحياة وعلي أكتافك ثلاثة أبناء وقبلهم رغباتك واحتياجاتك العاطفية والحسية, فدعيني أسألك بحب, ماذا تبقي لك من جمالك شكلا وروحا لتخوضي هذه المعركة بنجاح وبلا مزيد من خسائر الوقت( عمرك اللي بيمر) وروحك( التي تتوق لمرفأ) وجسدك( الذي يبحث عن حضن ولو لم يكن من حقك كزوج صديقة) ؟. تسألينني إذا كان هذا مرض! إن شدة الضغط العصبي الذي تمرين به والعوز الذي تعانينه كفيلان أن يسببا المرض علي الصعيد النفسي والجسدي والأخطر أن يدفعانك لاتخاذ قرار ربما قصم همتك للمضي في حياتك بشكل سوي ترضينه لنفسك وأولادك, فماذا سيكون رد فعلك لو راودك أحد أزواج صديقاتك عن نفسك؟ هل أنت واعية لنظرة كثير من المتزوجين لامرأة مطلقة وأم لثلاثة أطفال؟ هل تظنين أن أيا منهم مستعد لهدم أسرته لمجرد تجديد نشاطه العاطفي والحسي؟ أنا لا ألومك لكن أحاول أن أري معك حجم اللبن المسكوب من كوب راحتك النفسية واستقرارك إذ يبدو لي أن صديقاتك لم يبخلوا عليك بالتواجد في حياتك لدرجة معايشتك لهم ولأسرهم ولأزواجهم حتي صرت تشتهينهم من شدة الضغط والحرمان, فهل أنت علي استعداد لخسارة آخر سند مجتمعي متبقي بعد رحيل الأهل وخصام الأخوة والحرب مع أبو العيال؟ أظن أن معركتك القادمة هي أشبه بالجهاد مع النفس والامتناع عن ما ليس لك حق فيه لتحققي الحد الأدني من التوافق النفسي والمجتمعي الذي أنت في أمس الحاجة له, وأفضل فرصك تبدأ بمحاولة الوصول لصيغة توافقية مع طليقك إذا أمكن من خلال أقرب إخوانك إليك فأغلب الظن أنهم مازالوا علي وفاق معه بعد أن وقفوا ضدك لصالحه, فلتحاولي رأب صدع العلاقة مع استمرارك في الانفصال بعدما استحالت الحياة بينكما, أما عن فرصك في الارتباط بآخر, أظن أن النية مهمة لكن المجتمع المحيط من صديقات لا يقل أهمية, فشاركيهم رغبتك في التعرف علي شخص ظروفه مناسبة لظروفك لأن هذا من حقك ولا غضاضة فيه, وربما تغيرت مشاعرك مع الوقت تجاه طليقك أو تغيرت أحواله معك فافتحي الأبواب باحترام لنفسك وبجلد علي تحمل مسؤولية اختياراتك لتظل محترمة ومقبولة لك ولغيرك..