لا يستطيع أحد أن ينكر أن مصر حققت نجاحات وضربات قاسمة في حربها الضروس علي الفساد, ولا يخفي علي أحد النجاح الذي أحرزته الرقابة الإدارية في مواجهتها لمافيا الفساد الذي باتت كالسرطان المزمن في أروقة ودهاليز مؤسسات الدولة, ويرجع لها الفضل في تقدم ترتيب مصر طبقا لتقارير منظمة الشفافية الدولية في مكافحة الفساد من118 من بين175 دولة إلي97, أي قفزت بمقدار21 نقطة إلي الأمام. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن.. هو هل الرقابة الإدارية وحدها قادرة علي مواجهة الفساد؟ والإجابة بالطبع لا, لأنه يجب أن تتكاتف وتتعاون أجهزة الدولة كلها لمواجهة غول الفساد التي يفترس أي محاولة صادقة للتنمية والتقدم, بالإضافة إلي ضرورة تعاون كافة أفراد الشعب وقيامهم بالإبلاغ فورا عن أي واقعة رشوة أو فساد. وبرغم أن الدستور المصري الجديد ينص صراحة علي أن تلتزم الدولة بمكافحة الفساد وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختلفة بالتنسيق فيما بينها لتحقيق هذا الهدف, إلا أنه حتي الآن لم يتم التنسيق بين الأجهزة الكبري المنوط بها مكافحة الفساد, خاصة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة والجهاز المركزي للمحاسبات بالشكل المطلوب, حيث لا يزال كل جهاز يعمل بمفرده في جزيرة منعزلة عن الآخر؟ وأري أنه يجب أن تكون هناك آلية فعالة للتنسيق بين هذه الأجهزة الرقابية حتي تؤتي ثمارها, وحتي لا يكون مصير تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات وملاحظاته حول الفساد مجرد ملفات ورقية باهتة مهملة في مكاتب كبار المسئولين. كما يجب غلق كافة النوافذ والأبواب المفتوحة علي مصراعيها لهروب عتاة الفساد بجرائمهم النكراء في حق مصر والمصريين, وأولاها: التصالح مع من سرقوا وتربحوا ونهبوا المال العام مقابل رد الأموال التي استولوا عليها بدون وجه حق, وأيضا سد الثغرات والثقوب الموجودة في القوانين التي يتجاوز عددها1400 قانون من خلال تعديل أو حذف المواد التي تقنن الفساد وتحمي الفاسدين, علما بأن الكارثة لا تكمن في تطبيق القوانين, ولكن في ثغراتها تارة وفي تضاربها وتناقضها تارة أخري, مما يعطي فرصة ذهبية لهروب الفاسدين من يد العدالة, فهل يبادر مجلس النواب بحذف أو تعديل هذه المواد بدلا من شراء سيارات جديدة لرئيسه والبحث عن مزايا لأعضائه؟ قبل ثورة25 يناير, كان الفساد متفشيا بين كبار المسئولين بسبب بقائهم في مناصبهم لسنوات طويلة, وبعد الثورة تبخرت هذه الظاهرة, بسبب التغييرات المتلاحقة في رؤساء الحكومة والوزراء مما قضي علي هذه الظاهرة علي مستوي كبار رجال الدولة, ولكن توحشت هذه الظاهرة بين صغار الموظفين وخاصة العاملين في العقود والمشتريات والماليات بكافة أنواعها, وحقق هؤلاء مكاسب لا حصر لها, لذا يجب أن تضع الرقابة الإدارية عيونها علي هؤلاء, وأن يتم نقلهم وتغييرهم بشكل مستمر, بحيث لا يقبع أحدهم في مكانه أكثر من سنة, فمن غير المعقول أن يمكث مسئول عن العقود والمشتريات في شركة أو مؤسسة لعشرات السنين, ونتشدق ساعتها بمكافحة الفساد ونحن نتركه يفقس فاسدين صغارا تحت أعيننا وبرعايتنا. وأقول للواء محمد عرفان رئيس هيئة الرقابة الإدارية إن المواطن المصري سيشعر بجهودكم في مكافحة الفساد في حالة واحدة فقط, وهي حصوله علي الخدمة التي يريدها في أي مصلحة أو مؤسسة في الدولة دون أن يكون مضطرا لدفع المعلوم.