كانت نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة صادمة ومزلزلة للحزب الديمقراطي وللعالم كله وكأنها مأساة شيكسبيرية..وكأنها هزيمة من كتاب فن الحرب لصن إتسو الخالد. لقد تبين للجميع الآن أن البيت الديمقراطي مؤسس علي قواعد ليبرالية واهية لا يؤمن بها الأمريكي الأبيض.. لا يريدها وخصوصا غير المتعلم. هذا الأمريكي لا يريدها أقليات وشواذا ومرأة وحقوقا تعطي لفقراء ومهاجرين لا يعملون في نظره.. وإن عملوا يسلبوه وظيفة هو أحق بها. لم تقتصر الخسارة علي منصب الرئاسة فقط متمثلة في هزيمة هيلاري أمام ترامب..ولكن كانت هناك خسارة الأغلبية في الكونجرس, والتي لم تكن متوقعة علي الإطلاق.. وكذلك خسارة مجلس النواب وحكام الولايات والمحليات, مثلما كان غير متوقع ومنتظر. كانت هناك أيضا خسارة الرئيس أوباما الفادحة, والذي أسهم بكل ثقله في الحملة الانتخابية وخصوصا في نهايتها حيث كان يخاطب الجماهير يوميا وكأنه هو المرشح لمنصب الرئاسة.. كان حريصا علي أن تستمر أسطورته وإنجازاته بعد انتهاء رئاسته. كان الجمهوريون يخشون تأثيره ومكانته, ويقولون إن نجاح هيلاري سيكون بمثابة مدة حكم ثالثة له. اكتشف عقب الانتخابات أنه خسر رهانه علي شعبيته الطاغية والتي لم يحققها الكثيرون من الرؤساء الأمريكيين السابقين, والتي ظنها فاعلة. قبل الانتخابات كان الجميع يتوقعون انهيار الحزب الجمهوري بالكامل وخسارة ترامب, وتوقعوا تكوين حزب جديد وبديل علي أنقاضه, وأنه يتعين علي الحزب مستقبلا تغيير مساره وسياسته بالنسبة لقضايا المرأة والأقليات إن كان يريد الرئاسة والأغلبية النيابية, وكان الجميع يردد مقولة جورج بوش والتي قالها منذ ما يقرب من ستة أشهر خلال الانتخابات المبدئية للحزب الجمهوري, والتي كانت تعاني من تخبط وفوضي. قال بوش حينها:إنه آخر رئيس من الحزب الجمهوري. كان الجميع في الحزب الديمقراطي يستمتعون بذلك ويظنونها تصب في مصلحة حزبهم وازدهاره ونموه..كانوا في غفلة يعمهون. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن..الحزب الجمهوري هو الذي خرج منتصرا ومتحدا وفائزا في كل شيء..والحزب الديمقراطي الذي ظنها فسحة, وجد نفسه في غابة مفترسة وأنه خسر كل شيء, وأصبح يعاني من فوضي عارمة وأخطار داهمة. السؤال الملح:لماذا حدث هذا غير المتوقع؟..الإجابة ببساطة تكمن في أن الناخبين الديمقراطيين لم يذهبوا للإدلاء بأصواتهم رغم توسل أوباما وزوجته مرارا وتكرارا لهم بأن يذهبوا للصناديق..وألا يتكاسلوا لأن فوز ترامب سيكون كارثيا بالنسبة لهم..لم يسمعوا ولم يعوا نداءته المتكررة ولم يفهموا مآربه والتي تتلخص في حماية المكاسب التي حققها لهم إبان حكمه لأمريكا مدتين وخصوصا ما يسميه أوباما كير أو خطة أوباما للرعاية والتأمين الصحي لغير القادرين والذين يبلغ عددهم أكثر من22 مليون أمريكي..لم يخرجوا حتي لأجل أنفسهم ومصالحهم(46.9% لم يدلوا بأصواتهم)..في نفس الوقت خرجت أمريكا البيضاء في الريف والحضر والتي شحنها ترامب عبر شهور الحملة الانتخابية..خرجوا ليعيدوا أمريكا الي ما قبل الستينات..سمعوا ترامب بأنه ضد المؤسسات في واشنطن وغيرها وأنه سيعمل علي التخلص منها, وأنه مختلف بالكامل عن هيلاري ربيبة المؤسسات عبر عمرها كله, وأنه سيحدث تغيرا كبيرا, وأنه سيرجع الوظائف إليهم. كانت حيلة ماهرة انطلت علي الناخبين..في كل تجمع كان يخاطب الحشود التي يخطب ودها:المنظومة فاسدة ولا بد من إصلاحها..أنا أعمل من أجلكم..وهذا هدفي الأوحد. كانت الحشود تزأر كلما كرر ذلك..تلك الحشود تريد عكس ما أراد الزمن. منذ الستينات كان الرجل الأبيض الأمريكي يحس أن ما تحققه حركات الحقوق المدنية للأقليات والسود, يحدث علي حسابه. لم تمض ساعات وتبين أنه سيعين وزراءه ومستشاريه من نفس النوعية التي كان يهاجمها..أما الحزب الديمقراطي فقد انهار وكأنه مؤسس علي باطل.