النزاهة أولًا.. الرئيس يرسخ الثقة فى البرلمان الجديد    بعد انسحاب الدالي، شرط وحيد يمنح هشام بدوي أول مقعد في جولة الإعادة بانتخابات النواب بالجيزة    جبران: مصر تؤكد التزامها بتعزيز بيئة العمل وتبادل الخبرات مع دول الخليج    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    6 مليارات دولار استثمارات في مصر أبرزها، 10 معلومات عن العلاقات الاقتصادية المصرية الكورية    أسعار الخضروات اليوم الخميس 20 نوفمبر في سوق العبور    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب إنهاء مهلة أمريكية التعامل مع شركتين روسيتين    لمدة 5 ساعات.. فصل التيار الكهربائي عن 17 قرية وتوابعها بكفر الشيخ اليوم    مسئول أمني: المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط تكثف نقل مقاتليها إلى أفغانستان    استشهاد 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلى على منزل جنوبى قطاع غزة    موعد انضمام كريستيانو رونالدو لتدريبات النصر السعودي    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    الاستعلام عن الحالة الصحية لعامل سقط من علو بموقع تحت الإنشاء بالتجمع    تجديد حبس عاطل بتهمة الشروع في قتل زوجته بالقطامية    موظفة تتهم زميلتها باختطافها فى الجيزة والتحريات تفجر مفاجأة    شبورة كثيفة وانعدام الرؤية أمام حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    عرض 6 أفلام قصيرة ضمن "البانوراما المصرية" بالقاهرة السينمائي اليوم    هولندا: ندعم محاسبة مرتكبى الانتهاكات في السودان وإدراجهم بلائحة العقوبات    الصحة بقنا تشدد الرقابة.. جولة ليلية تُفاجئ وحدة مدينة العمال    وزير الصحة يتابع توافر الأدوية والمستلزمات الطبية في جميع التخصصات    مستشفى 15 مايو التخصصي ينظم ورشة تدريبية فى جراحة الأوعية الدموية    اليوم.. محاكمة المتهمة بتشويه وجه عروس طليقها فى مصر القديمة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    براتب 9000 جنيه.. العمل تعلن عن 300 وظيفة مراقب أمن    شوقي حامد يكتب: الزمالك يعاني    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أضرار التدخين على الأطفال وتأثيره الخطير على صحتهم ونموهم    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    محمد أبو الغار: عرض «آخر المعجزات» في مهرجان القاهرة معجزة بعد منعه العام الماضي    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    هند الضاوي: إسرائيل تكثف تدريباتها العسكرية خوفًا من هجمات «داعش»    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    المطربة بوسي أمام المحكمة 3 ديسمبر في قضية الشيكات    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمركة وليست العولمة
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 07 - 2016

كان مؤتمر الحزب الجمهورى فى الفترة من 19 إلى 21 يوليو الماضى فى مدينة كليفلاند بولاية أوهايو ناجحا بكل المقاييس، حيث احتشد أكثر من ثلاثين ألف شخص، وهم المندوبون الذين ينتخبهم الشعب لتمثيله وكذا ممثلى الحزب فى الولايات المختلفة وآخرين. وقام جميعهم بمبايعة ترامب مرشحا للرئاسة عن الحزب دون شروط. وتسابق المتحدثون خلال المؤتمر، بدءا من زوجة ترامب وأبنائه الخمسة إلى بعض كبار الشخصيات أمثلة جوليانى عمدة مدينة نيويورك السابق، ونيوت جينجريتش، الذى كان رئيس مجلس النواب الأمريكى ومرشح للرئاسة فى الانتخابات السابقة، وبول راين متحدث الحزب الجمهورى فى الكونجرس وغيرهم، تسابقوا فى التسبيح باسم ترامب.
وفى ظل هذا النجاح الظاهرى، تغاضى الكثيرون عن ما تخلل هذا المؤتمر من نقاط ضعف سوف تظهر آثارها لاحقا. فلم يأبه الكثيرون لقيام زوجة ترامب بانتحال فقرات كاملة من كلمة زوجة الرئيس أوباما أمام مؤتمر الحزب الديمقراطى منذ أربع سنوات، وهو ما اعتبره ترامب خطأ عابرا وغير مقصود. أضف إلى هذا فضيحة المرشح الجمهورى السابق والسيناتور عن ولاية تكساس تيد كروز فى كلمته أمام المؤتمر وعدم مبايعته لترامب، مكتفيا بمطالبة الجمهوريين بالتصويت، وفقا لما تمليه عليه ضمائرهم وقناعتهم بأن الرئيس القادم سيعمل على الحفاظ على حرياتهم ومبادئهم، بما فسره الكثيرون على أن كروز يتوقع خسارة ترامب فى الانتخابات، وأن كلمته جاءت تحذيرا للحزب والإبقاء على القنوات مفتوحة لنفسه عند خوضه الانتخابات القادمة. كما لم يتطرق أحد إلى غياب كبار شخصيات الحزب الجمهورى أمثال أفراد عائلة بوش أو جون كاسيك حاكم ولاية أوهايو التى استضافت المؤتمر، وهو ما لن يتركه الحزب الديمقراطى يمر مرور الكرام أثناء مؤتمر الحزب فى الأسبوع التالى.
***
أما عن فعاليات مؤتمر الحزب الجمهورى، فقد خصص الحزب موضوعا لكل من أيام المؤتمر انصبَت جميعها على إعادة أمريكا إلى مجدها وعظمتها بعد ثمانى سنوات عجاف من حكم أوباما، ارتفعت فيها معدلات البطالة والفقر وتزايدت الجرائم والعنصرية مع تصاعد الهجرة غير الشرعية فى ضوء اللانظام واللاقانون السائدين، واللتين جعلتا الأراضى الأمريكية سداحا مداحا للجميع دون ضابط أو رقيب. وهكذا قام ترامب بتصوير أمريكا فى كلمته أمام المؤتمر، وأعطى الناخب الأمريكى حرية الاختيار بين التصويت لهيلارى، وهو التصويت لبقاء الوضع المتدهور على ما هو عليه، مقابل التصويت له، وهو بمثابة التصويت من أجل التغيير والخروج من عنق الزجاجة.
واعتبر ترامب نفسه مجسدا للقانون والنظام، ومن ثم فهو الذى يقدم الحل. وانصبت كلمات أبناء ترامب إلى إظهار نجاحات ترامب كرب أسرة وكرجل أعمال وقيامه بتشغيل الآلاف من العاملين والمهاجرين الشرعيين والأقليات الأمريكية دون التفرقة بين أبيض وأسود أو لاتينى وآسيوى، وقدرة ترامب على نقل هذا النجاح إلى مستوى الدولة ككل، فيما سيتعامل مع الشعب الأمريكى كأسرته الكبيرة ونجاح الإدارة الأمريكية بمثابة نجاح فى إدارته لأعماله والاهتمام بالعمالة الأمريكية وإيجاد الوظائف للأمريكيين بدلا من تصدير الوظائف للمكسيك والصين وغيرها من الدول التى تقوم باستغلال الولايات المتحدة دون مقابل.
وكانت إحدى الرسائل الأساسية للناخب الأمريكى هى أن الحزب الجمهورى برئاسة ترامب، رئيسا قادما للولايات المتحدة، سيعمل على أن تكون «أمريكا أولا» وليست العولمة، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ. وهى فى الواقع الكلمة التى ابتدعتها أمريكا فى المقام الأول لتسخير العالم تحت إمرة الشركات الأمريكية الكبرى، وجعلت منظمة التجارة العالمية، بما ترسيه من قواعد نظامية لفتح الأسواق أمام السلع والخدمات وانتقال رءوس الأموال وحماية أوجه حقوق الملكية الفكرية لصالح احتكارات شركات الدواء والتكنولوجيا المتقدمة وغيرها، جعلت هذه المنظمة حاميا وحارسا للعولمة. وشاءت عجائب هذه الانتخابات أن يمحو البليونير الأمريكى ترامب بجرة قلم جميع هذه القناعات ويقلل من قيمة المبادئ والقواعد التى سعت الإدارات الأمريكية المتلاحقة فى فرضها على العالم. وشاء الزمن أن يأتى ترامب، لينتقد استغلال الشركات الكبرى التى ترعرع فى كنفها، دافعا بأنه يتعين على حرية التجارة أن تعمل لصالح العامل الأمريكى دون مساومات أو تنازلات، فى محاولة ذكية منه لاستقطاب ناخبى ساندرز منافس هيلارى كلينتون السابق فى الحزب الديمقراطى. وأكد ترامب أنه يؤيد ساندرز فى معارضته لاتفاقيات التجارة الحرة التى أبرمتها الولايات المتحدة وعلى رأسها اتفاقية النافتا فى عهد بيل كلينتون بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والتى تنازلت فيها إدارة كلينتون عن مصالح العامل الأمريكى لصالح العامل المكسيكى، وهو ما سيتصدى له – أى ترامب – بكل قوة وسيكون الصوت الذى سيدافع عن حقوق العمالة الأمريكية والضعفاء عامة.
وبذلك أصبح البليونير الأمريكى يمثل الحركة الشعبية فى الولايات المتحدة ضد العولمة وكل ما يمثله هذا المفهوم فى الاقتصاد العالمى. وتمثل هذه الحركة الطبقة المتوسطة العاملة التى ثارت على الأوضاع القائمة ورفضت استمرار معاملتها كمواطنين من الدرجة الثانية. فهل ترامب هو الرجل الأصلح لتحقيق طموحات المواطن الأمريكى العادى ويصبح ممثلا للطبقة المتوسطة وصوت الضعفاء والفقراء؟
وفى رأيى، أن هجوم ترامب على حرية التجارة والذى يلقى استحسانا من عامة الشعب الأمريكى يقوم على أسس مغلوطة، فإن ما تعانى منه أكبر دولة فى العالم اليوم ليس بسبب غزو الدول الأخرى للسوق الأمريكية أو سرقة الوظائف الأمريكية، ولكن ما تعانى منه أمريكا هو من صُنعها كدولة أرادت العيش فى رفاهية مفرطة وفى بذخ يفوق قدراتها منذ أن أصبحت دولة عظمى ومنذ أن أصبح الدولار يمثل عملة الاحتياطى العالمى. ومن الطبيعى أن يرفض مرشح الرئاسة الاعتراف بأن الضعف الذى يشهده الاقتصاد الأمريكى يكمن فى داخل الولايات المتحدة ولا يأتى من الصين أو المكسيك أو غيرها من الدول الذى تربص لها ترامب بالمرصاد وتعهد بتوقيع العقاب عليها.
كما أنه للمرة الأولى فى تاريخ الحزب الجمهورى، يقف مرشحه أمام مثل هذا الحشد، والمعروف بميوله الدينية، ليدافع عن عشرات الضحايا من المثليين الذين قتلوا على يد متطرف إسلامى يتبع الدولة الإسلامية المزعومة «داعش»، التى وعد ترامب بالقضاء عليها تماما فى غضون أسابيع قليلة من توليه الحكم، وإن تطلب ذلك إيفاد قوات أمريكية على الأرض.
***
وفى محاولة لاستبعاد الانتقادات اللاذعة الموجهة إلى ترامب، باعتبار أنه ليبرالى أكثر منه محافظ ولا يعتنق مبادئ الحزب، قام ترامب باختيار مايك بنس حاكم ولاية أنديانا من المحافظين المتشددين فى الحزب، ليكون شريكا له ونائبه فى الانتخابات، وهو ما ارتآه الكثيرون بأنه تحرك ثاقب، أضفى من خلاله ترامب توازنا ودبلوماسية على التذكرة الانتخابية. واختار ترامب مايك بنس أيضا ليقطع الشك باليقين، على أنه يرمى إلى توحيد الحزب الجمهورى، على عكس ما يعاب عليه أنه قام بتفكيك الحزب. كما أراد ترامب اثبات أنه ينتمى قلبا وقالبا للحزب الجمهورى، باختيار من بين أكثرهم تطرفا فى الحزب.
وكان مايك بنس دائما صريحا فى انتقاده الرئيس الأمريكى منذ البداية وساهم فى إنشاء المجموعة اليمينية المتطرفة داخل الحزب الجمهورى والمعروفة «بمجموعة الشاى» إيماء إلى المتطرفين الذين قاموا بإغراق شحنة الشاى القادمة من بريطانيا عام 1773 وأشعلوا فتيل حرب الاستقلال فى أعقاب ذلك الحدث بعامين. ومايك بنس كان من مؤيدى الغزو على العراق، وهو ما وجه ترامب على أساسه انتقادات لاذعة لهيلارى كلينتون وأعاب على سوء قرارها السياسى مما لا يؤهلها للرئاسة، فى حين أنه اعتبر هذا التصويت بالنسبة لمايك بنس بمثابة خطأ، وجلَ من لا يخطئ. ومن المتوقع أن يتغاضى ترامب مستقبلا عن انتقاد كلينتون لتأييدها حرب العراق، مركزا بدلا من ذلك على سوء سياساتها فى ليبيا.
وحيث إنه بات واضحا أن ترامب يكتسب يوما بعد يوم أرضا أكثر صلابة فى الانتخابات، فإنه يمكن لنا متابعة نواياه تجاه منطقتنا. وإن لم يصرح كثيرا عن مواقفه اللهم إلا أنه سوف يحارب الدولة الإسلامية المزعومة بكل قوة، فإنه من المعروف عنه اقتناعه بالموقف المصرى الثابت وباعتبار مصر الدولة الإقليمية القوية التى يمكن أن تتصدى للتطرف الدينى ومحاربة المتطرفين ودعاة الإسلام السياسى. ويقف ترامب فى هذا على النقيض من مواقف الإدارة الحالية التى يصفها بأنها مواقف مائعة ضد الإسلاميين.
ويرفض ترامب فكرة بناء الدولة وفقا للمقاييس الأمريكية ونقل المشروع الأمريكى للديمقراطية إلى المنطقة لما ساهم به من ظهور أنظمة أكثر عدائية واستبدادية، ويقصد بها الأنظمة الإسلامية المتطرفة. فإن ترامب على غير استعداد للمغامرة على غرار ما قام به بوش فى العراق أو أسوة بفشل إدارة أوباما أمام الربيع العربى. فإن كلا المسلكين لم يخدما السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بل أساءا لها وساهما فى إضعاف صورة الولايات المتحدة فى المنطقة وفى العالم. واتساقا مع هذا، فإن قرار ترامب هو مساندة النظم القوية التى تقوم بمحاربة الإرهاب والتعاون معها فى المنطقة وعلى رأسها مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.