كشفت الأسابيع القليلة الماضية جانبا كبيرا من جبال الفساد القائمة في محيط المجتمع المصري والتي لم يكن ظاهرا فيها إلا النذراليسير جدا, فيما كان القسم الأكبر منها مخفيا عن الأنظار. وبدأ المضارون منه يتشجعون علي كشفه وتعريته امام الرأي العام لإيقاف عجلته التي اطاحت بأحلامهم وطموحاتهم. واقعة الفساد التي نطرحها في هذا التحقيق فريدة في نوعها, فهي مثال صارخ لإهدار المال العام, ونموذج للعبث والفوضي, وحالة مزمنة من التخبط وانعدام الرؤية وغياب الأهداف, او هي في كلمة واحدة مهزلة شاركته فيها هيئات ومؤسسات وشركات عامة وخاصة وكيانات قانونية. وهي قصة تعد مسرحية هزلية من عدة فصول هي: الفصل الأول في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي تشكلت جمعية إسكان تحت اسم جمعية العاشر من رمضان للإسكان التعاوني انبثق عنها اتحاد ملاك ما يسمي بمدينة الاحلام التي تحول اسمها إلي مدينة الإسكندريةالجديدة, والتي قامت بشراء أرض من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي في المنطقة الواقعة من الكيلو23,5 إلي الكيلو26 من طريق( الإسكندرية الساحل الشمالي) بموجب عقد البيع المسجل برقم1308 لسنة1976. قامت الجمعية بالاتفاق مع شركة الإسكندرية للمشروعات والتجارة العالمية( شركة خاصة) علي بناء المدينة وقوامها284 عمارة(8520 شقة) التي قامت بدورها بالاتفاق مع( شركة الجمهورية العامة للإسكان والمقاولات) علي تنفيذ البناء علي ثلاث مراحل طبقا لما هو مبين بالعقد كالتالي: ** توقيع عقد مقاولة بتاريخ2000/3/28 مع شركة القنال العامة للإسكان والمقاولات علي بناء(80 عمارة سكنية بالمشروع). ** توقيع عقد مقاولة آخر مع شركة الدلتا العامة للإسكان والمقاولات بتاريخ2000/4/16 لبناء80 عمارة سكنية. ** وفي تاريخ2000/5/8 تم دمج شركة القنال في الدلتا وتم تحرير عقد جديد بتاريخ2000/6/3 بين اتحاد ملاك عمارات المدينة ويمثلها قانونا اللواء محمد أحمد أبوالمجد بصفته مأمور الاتحاد( طرف اول) مع شركة الاسكندرية للمشروعات والتجارة العالمية شركة مساهمة مصرية( طرف ثاني) مع شركة الدلتا العامة للاسكان والمقاولات( طرف ثالث) علي دمج عقدي المقاولة واعتبارهما عقدا واحدا. ونتج عن هذا العقد البدء في البناء واستحقاق شركة الدلتا لتحصيل مستخلصات الأعمال المحررة والمعتمدة لحساب الشركات لدي شركة الاسكندرية وهو مالم يتم تعثر الشركة( الاسكندرية للمشروعات) عن تسديد هذه المستحقات المالية. ولحل هذه الإشكالية اتفقت شركة( الإسكندرية) مع شركة( الجمهورية) علي تسوية الموقف المالي عن الأعمال التي تم تنفيذها بتمليك الأخيرة( الجمهورية)13 عمارة سكنية بالمشروع بالأرض المقام عليها( حوالي390 وحدة سكنية) فيما عدا(96 وحدة) تقوم الشركة باستكمالها( نصف تشطيب) وتسليمها لاتحاد الملاك موزعة في12 عمارة وذلك مقابل سعر الأرض وذلك بموجب عقد اتفاق وقعت عليه الشركتان بتاريخ2001/3/22 كماو قع علي العقد اعضاء جمعية العاشر من رمضان المشكلون لاتحاد ملاك المدينة. ايضا تم الاتفاق علي تسوية وسداد مستحقات شركة الدلتا بموجب عقد اتفاق بتاريخ2001/10/28 مع شركة الإسكندرية واعضاء الجمعية ينص علي تملك شركة( الدلتا) التي أدمجت فيها شركة القنال لعدد21 عمارة(630 شقة) بالأرض المقام عليها فيما عدا26 شقة تقوم الشركة باستكمالها نصف تشطيب وتسليمها لاتحاد الملاك و12 شقة لشركة الإسكندرية مقابل ثمن الأرض. الفصل الثاني تم دمج شركة الدلتا وبذلك آلت( قانونيا) ملكية العمارات المتفق عليها بموجب العقود السابقة وعددها(13+21)=34 عمارة فيما عداد(96+48)=144 وحدة سكنية يتم استكمال تشطيبها وتسليمها لاتحاد ملاك المدينة وشركة الاسكندرية. وبتاريخ2006/10/31 تم دمج شركة الجمهورية في شركة النصر للإسكان والتعمير. وبذلك آلت ملكية شركات الدلتا والقنال والجمهورية لشركة النصر وأصبحت( قانونا) هي المتصرف والمسئول عن تحصيل مستحقات الشركات المندمجة فيها لدي شركة الإسكندرية للمشروعات والتجارة العالمية. الفصل الثالث بدأت شركات( القنال) و(الدلتا) و(الجمهورية) في تنفيذ عقودها مع شركة الإسكندرية وشرعت في البناء, واستمرت في التنفيذ رغم عدم صرف مستحقاتها المالية اولا بأول وفق المستخلصات التي لم تكن شركة الاسكندرية تسددها حتي وصل إجمالي المبالغ المنصرفة علي البناء حوالي23 مليون جنيه, ذهبت كلها بلا عائد. وبعد التوصل لتسويات مبادلة المستخلصات المالية بعمارات لشركتي الدلتا والقنال وبعدها الجمهورية. وبعد دمج كل الشركات في شركة واحدة هي شركة النصر للإسكان والتعمير التي أصبحت مسئولة عن استخلاص حقوق الشركات الثلاث المندمجة فيها ظهرت المفاجأة حيث تبين ما يلي: أن الأرض التي أقيمت عليها عمارات مدينة الإسكندريةالجديدة ليست ملكا لجمعية العاشر من رمضان للإسكان التعاوني لأنها لم تسدد الا قسطا واحدا من ثمن الأرض وقيمته(607828,3) ستمائة وسبعة الآف وثمانمائة وثمانية وعشرون جنيها من إجمالي الثمن البالغ حوالي(6078283) ستة ملايين وثمانية وسبعون ألف جنيه, والذي تم توقيعة بموجب عقد بيع ابتدائي بين الهيئة العامة للإصلاح الزراعي وينوب عنها المهندس محمد رضا إسماعيل( طرف أول بائع) وبين اتحاد ملاك الإسكندريةالجديدة وينوب عنها اللواء محمد أحمد أبو المجد وقد تم التوقيع علي العقد طبقا لقرارات مجلس ادارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي رقم(4) بجلسة(154) بتاريخ1988/11/25, وقرار رقم(25 بجلسة(172) في1992/5/26 وذلك طبقا لتقديرات اللجنة العليا لتثمين أراضي الدولة وقتها والتي تقدر مساحتها ب110514( مائة وعشرة آلاف وخمسمائة واربعة عشر مترا) تحت العجز والزيادة لما يسفر عنه كشف التحديد المساحي الذي يستخرج بمعرفة المساحة بمأمورية الشهر العقاري, وتبين ان الأرض مازالت مملوكة للإصلاح الزراعي. وطبقا لما ورد في المذكرة القانونية التي تم عرضها علي رئيس مجلس إدارة شركة النصر للإسكان والتعمير. فقد قام اتحاد ملاك المدينة بتقنين وضع الأرض وشرائها من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بموجب عقدين محررين بتاريخ2002/3/25 بين الهيئة العامة للإصلاح الزراعي( طرف أول بائع) واتحاد ملاك الاسكندريةالجديدة( طرف ثاني مشتري) عن مساحة110514 مترا للعقد الأول, ومساحة31229,90 مترا للعقد الثاني بثمن إجمالي العقدين مبلغ(7795927,70) يتم سداده للهيئة العامة للإصلاح الزراعي علي اقساط تنتهي في حالة الانتظام في السداد في2016. الفصل الرابع عند هذه المرحلة بدأ نزاع بشأن ملكية الأرض المقام عليها المدينة بين الجمعية واتحاد الملاك. ففي البداية طالب أعضاء الجمعية باستلام حصتهم من العمارات التي تم بناؤها علي أرض الجمعية والتي آلت ملكيتها لشركة النصر للإسكان والتعمير باعتبار ان الأرض خاصة بهم. ** اتحاد الملاك أقام دعوي ضد الجمعية برقم5424 سنة2002 يطالب بمنعهم من التعرض للاتحاد في ملكيته للأرض والتي اشتراها من الإصلاح الزراعي وهي قضية مازالت منظورة امام القضاء. ** الجمعية كانت قد اقامت دعوي قضائية ضد هيئة الإصلاح الزراعي برقم3998 سنة1993 تطالبها بعدم التعرض للجمعية في أرض العقد المسجل برقم1308 لسنة1976 شهر عقاري الاسكندرية وهي ايضا قضية مازالت منظورة امام القضاء. ** الجمعية اقامت دعوي رقم11293 لسنة2005 ضد كل من( اتحاد الملاك وشركة الإسكندرية) وشركة الجمهورية, والإصلاح الزراعي, طالبت فيها المحكمة بتسليمها الأرض وطردالمدعي عليهم جميعا, وبجلسة2007/3/15 حكمت المحكمة باعتبار الدعوي كأن لم تكن كما اقامت الجمعية دعوي طرد أخري برقم9635 سنة2007 مدني كلي الإسكندرية ضد اتحاد الملاك وشركة الاسكندرية وشركةالنصر والإصلاح الزراعي وطلب استلام الأرض والمباني بتكلفة الإزالة. وفي جلسة2008/4/30 صدر حكم برفض الدعوي لعجز الجمعية عن اثبات دعواها وهو الحكم الذي استأنفته الجمعية وتم عرضه علي خبراء وزارةالعدل وتم تأجيل نظره لجلسة2010/10/24 لاستكمال المناقشة والمستندات. ** كما طالبت الجمعية نفسها في دعوي أخري برقم10333 لسنة2003 بفرض الحراسة القضائية علي الأرض المملوكة لها والتي اختصمت فيها الاصلاح الزراعي, وفي جلسة2007/1/28 حكمت المحكمة برفض الدعوي. في الوقت نفسه قام عدد من اعضاء الجمعية( منفردين) برفع دعاوي قضائية أخري أختصموا فيها الجمعية والاتحاد وشركة الاسكندرية وشركة النصر مطالبين بحصتهم من الوحدات السكنية. الخلاصة من واقع تسلسل أحداث هذه المسرحية الهزلية يتبين الآتي: عدم جدية كل أطراف النزاع منذ بدأت فكرة انشاء المدينة. ** فهيئة الإصلاح الزراعي باعت الأرض مرتين الأولي بعقد رقم1308 لسنة1976 للجمعية ثم باعتها مرة أخري لاتحاد الملاك بقرار رقم25 بجلسة172 في1992/5/26. ** والجمعية اشترت الأرض ولم تسدد الا10% من ثمنها. ** اما شركة الإسكندرية( قطاع خاص) فلم تقم بأكثر من التعاقد علي البناء مع الجمعية ثم اسندت البناء لشركات الدلتا والقنال والجمهورية ولم تلتزم من جانبها بدفع التزاماتها المالية. ** وفيما يتعلق بشركات المقاولات العامة فلم تكن بها ادارة حريصة علي مصالحها حيث تسابقت لبناء العمارات دون التأكد من مستندات ملكية الأرض ولا تراخيص البناء ولا ما يضمن حصولهم علي مستحقاتها المالية في حالة الإخلال ببنود الاتفاق. ** هي حالة من الإهدار المتعمد للمال العام الجماعي ايضا من جانب جميع الاطراف. ** فهيئة الإصلاح الزراعي لم تطالب بباقي مستحقاتها لدي الجمعية ولم تحاول الحصول علي باقي الاقساط ولا قامت بنزع ملكية الأرض لعدم جديتها. ** والجمعية اكتفت بدفع ال600 الف جنيه فقط دون الالتزام بباقي الاقساط. شركة الإسكندرية اقتصر دورها علي توريط شركات أخري في البناء ولم تتكبد اي مصروفات واختفت تماما من الكادر. ** شركات المقاولات العامة تعاقدت تعاقدا معيبا تغاضت فيه عن وجود أي ضمانات لحقوقها, هو ما يفسر تعرضها جميعا لخسائر كبيرة جراء التخبط في الإدارة وعدم الحرص علي مصلحة تلك الشركات. وهو الأمر الذي يوضح الأسباب التي دفعت المسئولين في الشركة القابضة لدمج هذه الشركات واحدة في الأخري ثم دمجهم في شركة ثالثة في محاولة فاشلة لإيقاف تدهورها واخفاء خسائرها, وربما لإنقاذ المسئولين عنها من المحاسبة علي اهمالهم الجسيم واهدارهم لملايين الجنيهات بلا مبرر. ثم وهذا هو الأخطر قامت الشركة القابضة للتشييد والتعمير بضم هذه الشركات الثلاث وجميعها خاسرة إلي شركة النصر وهي شركة ناجحة وكأنها بذلك تدفع بالمزيد من الشركات إلي أتون الخسارة. وبدلا من محاسبة المسئولين عن الشركات الخاسرة, إذ بها فئهم بضمهم لشركة ناجحة ثم يأتي تعيين رئيس مجلس إدارة شركة الجمهورية( الخاسرة) رئيسا لمجلس إدارة شركة النصر( الناجحة), وكأن ذلك يتم بغرض افشالها. فإذا لم تكن هذه الإجراءات( مؤامرة) علي المال العام فبماذا يمكن ان تسمي؟ وهل المقصود من تعيين المهندس محمد الجندي محمد فؤاد رئيس مجلس إدارة شركة الجمهورية( الخاسرة) رئيسا لمجلس ادارة شركة النصر( الناجحة) نقل عدوي الفشل والخسارة لشركة النصر, أم مكافأة الرجل علي فشله في إدارة شركة الجمهورية وملحقاتها,( القنال والدلتا)؟ الإدارة الجديدة لشركة النصر لم تتابع مصالح الشركات المندمجة معا ولم تسع للحصول علي ما تم انفاقه في بناء المدينة الذي وصل إلي(23 مليون جنيه) او علي ال34 عمارة تعويضا عن المبالغ المنصرفة ولم تقم بصيانة تلك العمارات التي تعرضت لتخريب شامل بفعل الرطوبة الشديدة والأمطار. وبقيت عمارات المدينة والتي تقدر بحوالي200 عمارة( اما اكتمل بناؤها او مازالت قيد البناء) قد تعرضت كلها للتآكل بفعل الظروف الجوية الصعبة ورغم النزاعات القضائية التي تشتهدها ساحات المحاكم بين الأطراف المتنازعة, إلا أن أحدا منهم لم يحاول توفير اي صيانة لتلك العمارات من منطلق الحرص علي المال العام. والمسرحية الهزلية لم تنته بعد, فمازالت النزاعات القضائية لم تحسم حتي الآن, والمؤسف ان النزاع وحتي قبل ان ينتهي هو نزاع علي مدينة اشباح. كل الأطراف خاسرة.. والستارة لم تسدل بعد