«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



5 رسائل إلي الحكومة والمعارضة والحزب الوطني
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 01 - 01 - 2011

لا أذكر تحديداً من هو صاحب الاستخلاص السياسي الذي يقول إن مصر «لا يجب أن تترك حتي تغرق.. ولا يجب أن يسمح لها بالعوم».. ولكنه ظل أحد التوصيفات التي تحمل بالنسبة لي منطقا يستحق التفكير.
وبصرف النظر عن أن هذا الاستخلاص كان يفسر الموقف الدائم للقوي الكبري في العالم تجاه مصر.. وبصرف النظر عن أنه - في تقديري - موقف مازال قائما ومستخدما، وإن كانت أساليب الإعاقة وفرض الإرادات والعبث الإقليمي اختلفت وتطورت.. بصرف النظر عن هذا، فإننا لو اختبرنا نفس الاستخلاص داخلياً علي مستوي الدولة، وفي جميع العهود، ومع تباين طبيعة علاقاتها بالمحيط الإقليمي والدولي وشكل النظام العالمي الذي يسود ويؤثر، قد نجده صحيحا بل إن الدولة والمجتمع يتعاملان معه كحقيقة حتمية، وربما كقدر لا فرار منه مثل مريض يتعايش مع داء مزمن عصي علي العلاج.
وواقعيا فإن مصر في أسوأ مراحلها سياسيا وعسكريا واقتصاديا لم تصل إلي مرحلة الانهيار أو «الغرق».. وفي أفضل مراحلها وأقصي حالات طموحها لم تتمكن من الوصول إلي أهدافها النهائية، ولا إلي استكمال مشروعها السياسي أو الاقتصادي أيا كان نوعه، أي أنها لا تتمكن أبداً من مواصلة «السباحة» إلي حيث تريد أن تصل.
وبعيداً عن الاستدلالات التاريخية العديدة التي تؤكد ذلك فإن النظر إلي الواقع الحالي قد يثبت صحة نفس الاستخلاص: «مصر ليست غارقة.. وليست قادرة علي السباحة إلي أهدافها كما ينبغي».
المرحلة الحالية والتي يمكن تحديد بدايتها بعام 2005 يمكن تلخيصها كالآتي:
نظام سياسي أدرك أن تطوير نفسه ضرورة حتمية.. أعلن رغبته في ذلك.. يسعي إلي مزيد من الديمقراطية، ودفع تيارات سياسية متنوعة للمشاركة الفعلية.. بدءا من التغيير الأكبر الذي جعل اختيار رئيس الدولة تنافسيا (بعد 53 سنة من حصره في شكل استفتاء علي اسم شخص وحيد).. ووصولاً إلي استيعاب حركات وتيارات سياسية، وثقافة مختلفة في التعبير عن المواقف والآراء تمثلت في اعتصامات ووقفات احتجاجية ومظاهرات أصبحت معتادة بعد أن كانت حالات استثنائية نادرة يؤرخ بها لأزمات كبري مر بها النظام السياسي المصري (مظاهرات الطلبة 1968 ومظاهرات 18 و 19 يناير 1977 علي سبيل المثال).
استراتيجية اقتصادية تسعي لتحرير ذلك النشاط من سيطرة الدولة وخلق مبادرات وثقافة وفرص العمل الحر، وفتح آفاق استثمار في مجالات غير مسبوقة.. وهي استراتيجية مدعومة سياسيا بإدخال عناصر من المجال الاقتصادي إلي منظومة الحكم وإلي حزب الأغلبية، وفتح مواقع مؤثرة في السوق أمام آخرين منهم، ومساحات للوصول إلي البرلمان .
مجتمع مرتبك.. تتواري أفضل مقوماته الأصلية خلف أستار رديئة، وافدة أو مكتسبة، خلال ال 35 عاماً الماضية (منذ منتصف السبعينيات) بدءاً من التدين الشكلي المرتبط بتعصب جاهل، وصولا إلي الفساد الشعبوي، مرورا باهتزاز الانتماء إلي أي قيمة إيجابية بما فيها قيمة الوطن ذاته وسقوط شعور «الثقة» بالنفس، وبالمستقبل وبمن يتولون مواقع قيادية مهما صغرت.. وذلك في غياب مشروع أو هدف ملهم يحقق مصلحة شخصية ويدفع لعطاء عام.
--
حيثيات هذا التشخيص وتفاصيله، أهم منها استخدامه للوصول إلي أفكار ربما تصلح لأن تكون بداية طريق للدولة والنخبة في سبيل الخروج من الاستخلاص الواقعي المزعج الذي يؤكد أن مصر وإن كانت «لا تغرق» فهي لن تتمكن من مواصلة «السباحة».. وفي هذا الإطار يمكن أن نطرح الآتي:
(1) مجلس وزراء المعارضة
«حكومة الظل» أداة سياسية عريقة ديمقراطياً اشتهرت بها بريطانيا.. ويجب أن تدرك أحزاب المعارضة الشرعية التي تحتل مقاعد في البرلمان المصري (مهما كان عددها قليلا) أن عليها استخدام هذه الأداة فورا بتشكيل مجلس وزراء يماثل تماما مجلس الوزراء الحاكم.. يعمل علي نفس القضايا والأزمات والمتغيرات المطروحة في الدولة.. يدرسها ويقدم مشروعاته لإدارتها.
و«حكومة الظل» هنا تحقق عدة أهداف: أولها تجاوز حالة التيبس القائمة في هذه الأحزاب سواء كانت مجبرة عليها أو متسببة فيها.. وثانيها: وجود حالة عمل سياسي منظم يخرج بنتائج تتفق مع برامج هذه الأحزاب وتعرض علي المجتمع رؤي أخري مدروسة بخلاف رؤية الحكومة.. وثالثها: إعطاء مصداقية أعلي لأحزاب المعارضة في الشارع وإظهار إمكانيات كوادرها الفكرية والسياسية والمتخصصة، فضلا عن اكتشاف كوادر جديدة داخلها.. ورابعها: أن حكومة الظل ستمنح الأحزاب وجودا إعلاميا متوهجا ومتجاوزا لحدود الاجتهادات الشخصية والعشوائية.. وخامسها: أن المجتمع سيتخلق لديه شعور إيجابي بوجود بدائل حقيقية، بحيث لا تظل فكرة تداول السلطة التي هي أساس العملية الديمقراطية مجرد «وهم» أو فرضية مستحيلة، فبالتدريج ستتحول إلي احتمالات واقعية مع تنشيط وتطوير أحزاب المعارضة لأدائها السياسي.. وسادسها: أن طرح الرؤي علي الحكومة لن يكون من خلال زعماء أو هيئات عليا لتلك الأحزاب بل من خلال مجلس وزراء الظل الذي يملك رؤية واضحة لجميع القضايا، وبالتالي ستكون أوراق ضغط المعارضة علي الحكومة أقوي.
(2) حزب الطبقة الوسطي
«الوطني» هو حزب الأغلبية بحكم نتائج الانتخابات المتتالية، وهو الحزب الأكبر بعدد أعضائه وقيمة كوادره القيادية وإمكاناته التنظيمية. ولا توجد فعليا أي منافسة حقيقية حتي الآن بينه وبين أي من الأحزاب الأخري.. وليس صحيحا أن احتكاره للحكم هو السبب الوحيد لقوته السياسية.
الشرعية السياسية ل «الوطني» ثابتة، ولكن «شرعيته الجماهيرية». بحاجة إلي إعادة النظر وإلي شديد الاهتمام من قياداته العليا.. ولكي نقرب المقصود إلي الأذهان، فإن حزب «الوفد» القديم كانت «شرعيته الجماهيرية» تقوم علي جناحين: الأول هو أنه يحتل موقع الصدارة في الكفاح ضد المحتل الإنجليزي.. والثاني هو أنه «حزب الشارع» وليس «الحزب الحاكم».. ورغم أن هذا وضع شاذ (ناتج عن تدخلات سلطة الاحتلال ومؤسسة «الملك» التي كان الحزب أيضا يتصدي لخروقاتها للدستور) إلا أنه في النهاية أكسب «الوفد» تعاطفا شعبيا مستمراً وولاء له غير منكور منذ قيامه وحتي قيام ثورة يوليو .1952
وفقا لهذا التصور: علي أي عناصر تقوم «الشرعية الجماهيرية» للحزب الوطني؟ في تقديري فإن شرعية «الوطني» الجماهيرية قائمة علي الثقة الشعبية في اسم «الرئيس مبارك» القائد العسكري ورئيس الدولة.. ابن الطبقة المتوسطة وزعيم هذا الحزب..وعمليات الإصلاح الواسعة التي تمت في الحزب كانت تحت مظلة هذه الشرعية.
ولكن «الشرعية الجماهيرية» النابعة من الدور الذي يؤديه الحزب أو المعني الذي يمثله في الوجدان الشعبي العام ملتبسة.
الحزب الوطني يقدم نفسه باعتباره الممثل لمصالح أغلبية شرائح المجتمع والمستوعب لشرائح سياسية ودينية واقتصادية عديدة وهي مسألة وإن كانت من سمات الأحزاب الكبري وأحد أهم عناصر قوتها، إلا أنها تصبح «عامل سيولة» في المراحل التي لا تواجه فيها الدول خطراً خارجياً مباشراً أو تخوض حرباً أو محتشدة خلف مشروع حضاري له مقومات شعبية.
«الحزب الوطني»يقدم نفسه علي أنه المتحدث باسم الفقراء وفي تصوري فإن «الحزب الوطني» الآن عليه تقديم نفسه بوضوح كممثل لمصالح «الطبقة الوسطي» بالتحديد، وهو أمر لن يتناقض مع مساره السياسي المعتمد علي تحفيز الرأسمالية لدفع المجتمع إلي أعلي والساعي لتحقيق عدالة اجتماعية للفئات الأولي بالرعاية والأكثر فقراً.
علي العكس فإن الضابط الوحيد لإيقاع هذا الحزب هو «الطبقة الوسطي» التي إذا وجدت هذا الحزب ممثلا لمصالحها وطموحاتها ستصبح الظهير الشعبي الأقوي له بحكم كونها الأغلبية الحقيقية والأغلبية الفاعلة في نفس الوقت فهي التي تملك مقومات تعليمية وثقافية وهي التي تتخذ المواقف وتؤثر في محيطها وهي المؤهلة لإفراز كوادر قيادية في كل المجالات وهي التي تسعي لطموحات تتجاوز حدود الحاجات الأساسية وهي صاحبة الأفق الأوسع والمؤهلات التي تمكنها من استيعاب البرامج السياسية للحزب ونقدها وضبطها ومن ثم تكون - حال اقتناعها بها - صوت هذا الحزب وذراعه الشعبية.. فضلا عن كونها بحكم موقعها الطبيعي وسيطاً آمناً وموثوقاً بين النخبة السياسية والاقتصادية التي تقود وبين الفئات الشعبية الأدني.
والمؤكد أن اقتناع الطبقة الوسطي بأن «الحزب الوطني» هو الذي يمكن أن يكون ممثلا لمصالحها أمر ليس سهلاً، فهو ليس مجرد أرقام تؤكد أن ملايين من أبناء هذه الطبقة هم أعضاء بالحزب، وليس مجرد برامج لتوفير فرص عمل بل هو اقتناع عقلي في المقام الأول بأن هذا الحزب يعبر عن مصالحي وطموحاتي الأوسع ويمنحني الدور والمكانة التي أستحقها في المجتمع ويعتمد علي في القيادة والتأثير.. وأعتقد أن برامج الحزب الوطني بشعاراتها وأفكارها المعلنة وأوجه تمويلها عن طريق الحكومة تستدعي إعادة الفرز والتوجيه بحيث تحقق مصالح وتعطي دورا أكبر كثيرا للطبقة الوسطي.. وهو اتجاه يجب ألا تخضع فيه الدولة للابتزاز لأنه يستدعي إجراءات قد يراها البعض تصيب الشرائح الأكثر فقرا والأقل قدرة.. لكنها في الحقيقة ليست كذلك.
(3) قل لي من أنت؟
وهذا عنصر يرتبط بما سبق من حديث عن «الطبقة الوسطي».. فتحت وطأة الحاجات الأساسية والأزمات اليومية المزمنة والتي لا يمكن أن تنتهي لانكاد لانري أي ناتج معنوي أو فكري للحزب الوطني يوازي وجود قيادات ملهمة سياسيا به.. ورغم أن بين قياداته الوسيطة والعليا مفكرين ومثقفين وقادة رأي في مجالات تخصص متنوعة إلا أن أغلبهم لا يصل منهم إلي الرأي العام إلا الجانب المتعلق بالبرامج السياسية والأمور الحزبية أو الدفاع عن الحزب في مواجهة خصومه.. ومن الأخطاء الفادحة أن نعتبر الناتج الفكري رفاهية في مجتمع يئن تحت وطأة غياب حاجاته الأساسية أو نظن أن الناس ليسوا بحاجة أيضا إلي رموز فكرية.. فهذه نظرة قاصرة لأن الروح المعنوية العامة وإتساع الأفق الجمعي والقدرة علي تجاوز مراحل الإحباط والأزمات وحشد عناصر الثقة.. كلها لا تأتي إلا عبر قادة رأي وأصحاب فكر.. والثابت أن الشعوب التي اعتادت تحكيم انفعالاتها والتي تملك تراثا حضاريا كبيرا تحتاج دائما إلي آباء أو ملهمين روحيين وإلي رموز لامعة تعطيها الثقة في قيمة الوطن الذي تنتمي إليه.
لقد كان لافتا في كلمة «جمال مبارك» أمام المؤتمر الأخير للحزب الوطني أنه تحدث عن رموز فكرية مثل طه حسين ورفاعة الطهطاوي وأعتقد أنها المرة الأولي التي يحدث فيها ذلك.. وقد تأخرت.. ولكن علي أية حال أعتقد أن الحزب الوطني يجب أن يعبر الآن عن وجهه الفكري من خلال عشرات من كوادره عليها دور كبير في ذلك.
(4) حكومة ضبط وربط
قبل 5 سنوات كان أشرس اتهام يوجه للحكومة أنها حكومة «رجال أعمال»، وكان هذا الاتهام يحمل شقين: الأول التلويح بأنها منحازة لمصالح الأغنياء، والثاني هو أن النسبة الأكبر من وزرائها ليست كوادر سياسية محترفة ومتمرسة، لكنني أتصور أن شقي الاتهام سقطا الآن بدرجة واضحة، خاصة الشق الثاني، فقد تمرست تلك الكوادر سياسيا علي مدي السنوات الخمس الماضية سواء بحكم أن هذه السنوات هي التي شهدت تغيرات سياسية كبري أو شهدت فتح أعقد ملفات الأزمات التي يمر بها المجتمع.
لكن ما أريد قوله هنا هو أن العنصر الغائب الذي يجب - في تصوري - أن يكون العمود الفقري لأي حكومة قادمة هو عنصر «الضبط»، فالمتغيرات المتوالية بما أسفرت عنه من أشكال تفاعل اجتماعي وسياسي مختلفة أدت إلي انفلاتات عنيفة في المجتمع وتقاطعات مزعجة ودرجة غير خافية من درجات الفوضي ونقص المعايير أو غيابها أحيانا.
وأعتقد أن حكومة حاسمة إحدي مهامها الرئيسية ضبط إيقاع المجتمع دون الاعتداء علي الحرية أو الحقوق الشخصية.. هي الحكومة التي تحتاجها المرحلة الحالية.. ولا أظن أن تلك فرضية نظرية، فهناك نماذج حققت ذلك داخل السلطة التنفيذية القائمة، لكنها تظل استثناءات يجب تحويلها إلي قاعدة.. وقد يكون من المفيد أن نذكر هنا دون حساسيات أداء محافظ مثل «د. سمير فرج» في الأقصر فهو أداء بقدر ما كان منضبطا وحاسما كان منجزا، بل أتصور أن ما كان يبدو مستحيلا بدأ يتحول إلي واقع في هذه المنطقة من جنوب مصر.. والشيء نفسه ينطبق علي أداء محافظ مثل «عادل لبيب» سواء في قنا أو في الإسكندرية التي يحاول فيها الآن بجدية..وأعتقد أن هذه النوعية من القيادات تملك الرؤية وتملك صرامة تنفيذها.
(5) القانون والذين يطبقونه
بشكل مباشر يرتبط هذا العنصر بما سبقه، فجزء رئيسي من حالة الانفلات والفوضي التي تضرب المجتمع ناتجة عن غياب قوانين أو عدم تنفيذ قوانين قائمة.
وعلي سبيل المثال لا يمكن تصور دولة كان لها منذ سنوات طموح في استضافة وتنظيم حدث دولي كبير مثل «كأس العالم» في كرة القدم وهي عاجزة عن حل مشكلة المرور في عاصمتها التي تحولت من أزمة إلي شلل مزمن.. ورغم أن الحكومة شغلت الرأي العام منذ أكثر من سنة بقانون المرور الجديد علي اعتبار أنه سيحل الأزمة ويعيد الانضباط إلا أن تطبيقه غير ملموس علي الإطلاق، ولا أريد أن أقول أنه لا يطبق.. ولا أعرف تحديدا ما السبب وإن كنت أعلم أن تداخل الواجبات والمهام والاختصاصات بين المحليات والإسكان والداخلية هو أحد الأسباب وأن كلا منها يتحاشي الصدام مع الجهة الأخري.
وقد يكون المثال السافر علي الخضوع لابتزاز الفوضي هو عدم القدرة علي إصدار قرار بغلق المحال التجارية في العاصمة في الثامنة مساء.. وهو قرار علي ما أعلم تم التفكير فيه أكثر من مرة عبر سنوات طويلة ماضية، وتمت محاولات لتطبيقه لكنها أجهضت.
وبصرف النظر عن أن تلك أمثلة قد تبدو بسيطة، إلا أن المعني هو أن غياب القانون أو غياب تطبيقه هو الباب العريض للفساد والجريمة والفوضي.. والأخطر من ذلك أن يكون هناك قانون، لكنه يطبق علي فئات دون أخري أو أشخاص دون أشخاص، فالنتيجة المفزعة هنا هي سقوط الشعور الشعبي بالثقة وبالعدل و«قضية العدل وحدها تحتاج إلي مناقشة مستفيضة».. لذلك أتصور أن سيادة القانون وتطوير واستكمال منظومته خيار حتمي.. غيابه يؤدي إلي نتائج مفزعة لن يمكن السيطرة عليها.
--
هذه مجرد نقاط في بحر.. لكنها بدايات مسار أو مرتكزات تفكير.. التوصل إلي نتائج إيجابية فيها يساعد مبدئيا علي تشكيل مشروع حضاري مصري له مقومات ستفرض نفسها علينا جميعا، إذا خرجنا من «الصندوق الأسود» الذي تحاصرنا فيه الأزمات اليومية وبلادة الصراعات السياسية ونظريات الوقوف عند حد إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. فمصر التي لن «تغرق» عليها الآن أن تتمكن من «السباحة» «لإنجاز ما يجب إنجازه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.