موعد امتحان 964 متقدمًا لشغل معلم حاسب آلي بالأزهر (رابط للاستعلام)    رئيس جامعة قناة السويس يُكرم الفائزين بجائزة الأداء المتميز لشهر نوفمبر 2025    محافظ الغربية توفير 32 فرصة تمكين جديدة لدعم ذوي الهمم    ما فوائد تأجيل صندوق النقد الدولي المراجعتين الخامسة والسادسة لمصر؟    رئيس البورصة يوقّع بروتوكول تعاون مع جمعية مستثمري السادس من أكتوبر    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    وزير البترول والثروة المعدنية يشهد توقيع اتفاق مع آتون مايننج الكندية    مراوغات نتنياهو في أعياد الميلاد    زيلينسكي: مسودة اتفاقية إنهاء الحرب توفر لأوكرانيا ضمانات أمنية مماثلة للمادة الخامسة من اتفاقية "الناتو"    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    مفاجآت في قضية الخانكة.. تأجيل محاكمة المتهم بقتل والده وإشعال النيران في جثته    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    الزراعة تحذر المواطنين من شراء اللحوم مجهولة المصدر والأسعار غير المنطقية    وزيرا الثقافة والخارجية يبحثان تعزيز الحضور الثقافي في معرض القاهرة للكتاب    محافظ البحيرة تتفقد القافلة الطبية المجانية بقرية الجنبيهي بحوش عيسى    تشكيل أمم إفريقيا - بلاتي توري يقود وسط بوركينا.. ومهاجم ريال مدريد أساسي مع غينيا الاستوائية    إنفوجراف| العلاقات المصرية السودانية عقود من الشراكة في وجه الأزمات    خالد عبدالعزيز يترأس الاجتماع الختامي للجنة الرئيسية لتطوير الإعلام الإثنين المقبل    هيثم عثمان حكمًا لمباراة الزمالك وسموحة بكأس عاصمة مصر    كوت ديفوار تواجه موزمبيق في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025.. التوقيت والتشكيل والقنوات الناقلة    تليجراف: عمر مرموش يقترب من مغادرة مانشستر سيتي في يناير    فوز 3 طلاب بجامعة أسيوط بمنحة للدراسة بجامعة كاستامونو بتركيا    بث مباشر.. الجزائر تبدأ مشوارها في كأس أمم إفريقيا 2025 بمواجهة نارية أمام السودان في افتتاح المجموعة الخامسة    وزير التعليم العالي يعلن أسماء (50) فائزًا بقرعة الحج    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    جامعة أسوان تشارك في احتفالية عالمية لعرض أكبر لوحة أطفال مرسومة في العالم    انفجار عبوة ناسفة بناقلة جند إسرائيلية في رفح الفلسطينية    تشييع جثمان طارق الأمير من مسجد الرحمن الرحيم بحضور أحمد سعيد عبد الغنى    أصداء أبرز الأحداث العالمية 2025: افتتاح مهيب للمتحف الكبير يتصدر المشهد    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    تواصل الاشتباكات الحدودية بين تايلاند وكمبوديا    «أبناؤنا في أمان».. كيف نبني جسور التواصل بين المدرسة والأهل؟    الدكتور/ عمرو طلعت: تم إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3000 ماكينة صراف آلى فى مكاتب البريد منذ عام 2018    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    وفاة أصغر أبناء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب    السكة الحديد: تطبيق التمييز السعري على تذاكر الطوارئ لقطارات الدرجة الثالثة المكيفة.. ومصدر: زيادة 25%    حسام بدراوي يهاجم إماما في المسجد بسبب معلومات مغلوطة عن الحمل    سبق تداوله عام 2023.. كشفت ملابسات تداول فيديو تضمن ارتكاب شخص فعل فاضح أمام مدرسة ببولاق أبو العلا    بالأعشاب والزيوت الطبيعية، علاج التهاب الحلق وتقوية مناعتك    رفع 46 سيارة ودراجة نارية متهالكة خلال حملات مكثفة بالمحافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    إيمان العاصي تجمع بين الدراما الاجتماعية والأزمات القانونية في «قسمة العدل»    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    محمد بن راشد يعلن فوز الطبيب المصري نبيل صيدح بجائزة نوابغ العرب    هاني رمزي: أتمنى أن يبقى صلاح في ليفربول.. ويرحل من الباب الكبير    بولندا: تفكيك شبكة إجرامية أصدرت تأشيرات دخول غير قانونية لأكثر من 7 آلاف مهاجر    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    كيف واجهت المدارس تحديات كثافات الفصول؟.. وزير التعليم يجيب    بعد تعرضه لموقف خطر أثناء تصوير مسلسل الكينج.. محمد إمام: ربنا ستر    ميدو عادل يعود ب«نور في عالم البحور» على خشبة المسرح القومي للأطفال.. الخميس    وزير الصحة: قوة الأمم تقاس اليوم بعقولها المبدعة وقدراتها العلمية    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    القومي للطفولة والأمومة يناقش تعزيز حماية الأطفال من العنف والتحرش    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    بوتين يرفض أى خطط لتقسيم سوريا والانتهاكات الإسرائيلية    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



5 رسائل إلي الحكومة والمعارضة والحزب الوطني
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 01 - 01 - 2011

لا أذكر تحديداً من هو صاحب الاستخلاص السياسي الذي يقول إن مصر «لا يجب أن تترك حتي تغرق.. ولا يجب أن يسمح لها بالعوم».. ولكنه ظل أحد التوصيفات التي تحمل بالنسبة لي منطقا يستحق التفكير.
وبصرف النظر عن أن هذا الاستخلاص كان يفسر الموقف الدائم للقوي الكبري في العالم تجاه مصر.. وبصرف النظر عن أنه - في تقديري - موقف مازال قائما ومستخدما، وإن كانت أساليب الإعاقة وفرض الإرادات والعبث الإقليمي اختلفت وتطورت.. بصرف النظر عن هذا، فإننا لو اختبرنا نفس الاستخلاص داخلياً علي مستوي الدولة، وفي جميع العهود، ومع تباين طبيعة علاقاتها بالمحيط الإقليمي والدولي وشكل النظام العالمي الذي يسود ويؤثر، قد نجده صحيحا بل إن الدولة والمجتمع يتعاملان معه كحقيقة حتمية، وربما كقدر لا فرار منه مثل مريض يتعايش مع داء مزمن عصي علي العلاج.
وواقعيا فإن مصر في أسوأ مراحلها سياسيا وعسكريا واقتصاديا لم تصل إلي مرحلة الانهيار أو «الغرق».. وفي أفضل مراحلها وأقصي حالات طموحها لم تتمكن من الوصول إلي أهدافها النهائية، ولا إلي استكمال مشروعها السياسي أو الاقتصادي أيا كان نوعه، أي أنها لا تتمكن أبداً من مواصلة «السباحة» إلي حيث تريد أن تصل.
وبعيداً عن الاستدلالات التاريخية العديدة التي تؤكد ذلك فإن النظر إلي الواقع الحالي قد يثبت صحة نفس الاستخلاص: «مصر ليست غارقة.. وليست قادرة علي السباحة إلي أهدافها كما ينبغي».
المرحلة الحالية والتي يمكن تحديد بدايتها بعام 2005 يمكن تلخيصها كالآتي:
نظام سياسي أدرك أن تطوير نفسه ضرورة حتمية.. أعلن رغبته في ذلك.. يسعي إلي مزيد من الديمقراطية، ودفع تيارات سياسية متنوعة للمشاركة الفعلية.. بدءا من التغيير الأكبر الذي جعل اختيار رئيس الدولة تنافسيا (بعد 53 سنة من حصره في شكل استفتاء علي اسم شخص وحيد).. ووصولاً إلي استيعاب حركات وتيارات سياسية، وثقافة مختلفة في التعبير عن المواقف والآراء تمثلت في اعتصامات ووقفات احتجاجية ومظاهرات أصبحت معتادة بعد أن كانت حالات استثنائية نادرة يؤرخ بها لأزمات كبري مر بها النظام السياسي المصري (مظاهرات الطلبة 1968 ومظاهرات 18 و 19 يناير 1977 علي سبيل المثال).
استراتيجية اقتصادية تسعي لتحرير ذلك النشاط من سيطرة الدولة وخلق مبادرات وثقافة وفرص العمل الحر، وفتح آفاق استثمار في مجالات غير مسبوقة.. وهي استراتيجية مدعومة سياسيا بإدخال عناصر من المجال الاقتصادي إلي منظومة الحكم وإلي حزب الأغلبية، وفتح مواقع مؤثرة في السوق أمام آخرين منهم، ومساحات للوصول إلي البرلمان .
مجتمع مرتبك.. تتواري أفضل مقوماته الأصلية خلف أستار رديئة، وافدة أو مكتسبة، خلال ال 35 عاماً الماضية (منذ منتصف السبعينيات) بدءاً من التدين الشكلي المرتبط بتعصب جاهل، وصولا إلي الفساد الشعبوي، مرورا باهتزاز الانتماء إلي أي قيمة إيجابية بما فيها قيمة الوطن ذاته وسقوط شعور «الثقة» بالنفس، وبالمستقبل وبمن يتولون مواقع قيادية مهما صغرت.. وذلك في غياب مشروع أو هدف ملهم يحقق مصلحة شخصية ويدفع لعطاء عام.
--
حيثيات هذا التشخيص وتفاصيله، أهم منها استخدامه للوصول إلي أفكار ربما تصلح لأن تكون بداية طريق للدولة والنخبة في سبيل الخروج من الاستخلاص الواقعي المزعج الذي يؤكد أن مصر وإن كانت «لا تغرق» فهي لن تتمكن من مواصلة «السباحة».. وفي هذا الإطار يمكن أن نطرح الآتي:
(1) مجلس وزراء المعارضة
«حكومة الظل» أداة سياسية عريقة ديمقراطياً اشتهرت بها بريطانيا.. ويجب أن تدرك أحزاب المعارضة الشرعية التي تحتل مقاعد في البرلمان المصري (مهما كان عددها قليلا) أن عليها استخدام هذه الأداة فورا بتشكيل مجلس وزراء يماثل تماما مجلس الوزراء الحاكم.. يعمل علي نفس القضايا والأزمات والمتغيرات المطروحة في الدولة.. يدرسها ويقدم مشروعاته لإدارتها.
و«حكومة الظل» هنا تحقق عدة أهداف: أولها تجاوز حالة التيبس القائمة في هذه الأحزاب سواء كانت مجبرة عليها أو متسببة فيها.. وثانيها: وجود حالة عمل سياسي منظم يخرج بنتائج تتفق مع برامج هذه الأحزاب وتعرض علي المجتمع رؤي أخري مدروسة بخلاف رؤية الحكومة.. وثالثها: إعطاء مصداقية أعلي لأحزاب المعارضة في الشارع وإظهار إمكانيات كوادرها الفكرية والسياسية والمتخصصة، فضلا عن اكتشاف كوادر جديدة داخلها.. ورابعها: أن حكومة الظل ستمنح الأحزاب وجودا إعلاميا متوهجا ومتجاوزا لحدود الاجتهادات الشخصية والعشوائية.. وخامسها: أن المجتمع سيتخلق لديه شعور إيجابي بوجود بدائل حقيقية، بحيث لا تظل فكرة تداول السلطة التي هي أساس العملية الديمقراطية مجرد «وهم» أو فرضية مستحيلة، فبالتدريج ستتحول إلي احتمالات واقعية مع تنشيط وتطوير أحزاب المعارضة لأدائها السياسي.. وسادسها: أن طرح الرؤي علي الحكومة لن يكون من خلال زعماء أو هيئات عليا لتلك الأحزاب بل من خلال مجلس وزراء الظل الذي يملك رؤية واضحة لجميع القضايا، وبالتالي ستكون أوراق ضغط المعارضة علي الحكومة أقوي.
(2) حزب الطبقة الوسطي
«الوطني» هو حزب الأغلبية بحكم نتائج الانتخابات المتتالية، وهو الحزب الأكبر بعدد أعضائه وقيمة كوادره القيادية وإمكاناته التنظيمية. ولا توجد فعليا أي منافسة حقيقية حتي الآن بينه وبين أي من الأحزاب الأخري.. وليس صحيحا أن احتكاره للحكم هو السبب الوحيد لقوته السياسية.
الشرعية السياسية ل «الوطني» ثابتة، ولكن «شرعيته الجماهيرية». بحاجة إلي إعادة النظر وإلي شديد الاهتمام من قياداته العليا.. ولكي نقرب المقصود إلي الأذهان، فإن حزب «الوفد» القديم كانت «شرعيته الجماهيرية» تقوم علي جناحين: الأول هو أنه يحتل موقع الصدارة في الكفاح ضد المحتل الإنجليزي.. والثاني هو أنه «حزب الشارع» وليس «الحزب الحاكم».. ورغم أن هذا وضع شاذ (ناتج عن تدخلات سلطة الاحتلال ومؤسسة «الملك» التي كان الحزب أيضا يتصدي لخروقاتها للدستور) إلا أنه في النهاية أكسب «الوفد» تعاطفا شعبيا مستمراً وولاء له غير منكور منذ قيامه وحتي قيام ثورة يوليو .1952
وفقا لهذا التصور: علي أي عناصر تقوم «الشرعية الجماهيرية» للحزب الوطني؟ في تقديري فإن شرعية «الوطني» الجماهيرية قائمة علي الثقة الشعبية في اسم «الرئيس مبارك» القائد العسكري ورئيس الدولة.. ابن الطبقة المتوسطة وزعيم هذا الحزب..وعمليات الإصلاح الواسعة التي تمت في الحزب كانت تحت مظلة هذه الشرعية.
ولكن «الشرعية الجماهيرية» النابعة من الدور الذي يؤديه الحزب أو المعني الذي يمثله في الوجدان الشعبي العام ملتبسة.
الحزب الوطني يقدم نفسه باعتباره الممثل لمصالح أغلبية شرائح المجتمع والمستوعب لشرائح سياسية ودينية واقتصادية عديدة وهي مسألة وإن كانت من سمات الأحزاب الكبري وأحد أهم عناصر قوتها، إلا أنها تصبح «عامل سيولة» في المراحل التي لا تواجه فيها الدول خطراً خارجياً مباشراً أو تخوض حرباً أو محتشدة خلف مشروع حضاري له مقومات شعبية.
«الحزب الوطني»يقدم نفسه علي أنه المتحدث باسم الفقراء وفي تصوري فإن «الحزب الوطني» الآن عليه تقديم نفسه بوضوح كممثل لمصالح «الطبقة الوسطي» بالتحديد، وهو أمر لن يتناقض مع مساره السياسي المعتمد علي تحفيز الرأسمالية لدفع المجتمع إلي أعلي والساعي لتحقيق عدالة اجتماعية للفئات الأولي بالرعاية والأكثر فقراً.
علي العكس فإن الضابط الوحيد لإيقاع هذا الحزب هو «الطبقة الوسطي» التي إذا وجدت هذا الحزب ممثلا لمصالحها وطموحاتها ستصبح الظهير الشعبي الأقوي له بحكم كونها الأغلبية الحقيقية والأغلبية الفاعلة في نفس الوقت فهي التي تملك مقومات تعليمية وثقافية وهي التي تتخذ المواقف وتؤثر في محيطها وهي المؤهلة لإفراز كوادر قيادية في كل المجالات وهي التي تسعي لطموحات تتجاوز حدود الحاجات الأساسية وهي صاحبة الأفق الأوسع والمؤهلات التي تمكنها من استيعاب البرامج السياسية للحزب ونقدها وضبطها ومن ثم تكون - حال اقتناعها بها - صوت هذا الحزب وذراعه الشعبية.. فضلا عن كونها بحكم موقعها الطبيعي وسيطاً آمناً وموثوقاً بين النخبة السياسية والاقتصادية التي تقود وبين الفئات الشعبية الأدني.
والمؤكد أن اقتناع الطبقة الوسطي بأن «الحزب الوطني» هو الذي يمكن أن يكون ممثلا لمصالحها أمر ليس سهلاً، فهو ليس مجرد أرقام تؤكد أن ملايين من أبناء هذه الطبقة هم أعضاء بالحزب، وليس مجرد برامج لتوفير فرص عمل بل هو اقتناع عقلي في المقام الأول بأن هذا الحزب يعبر عن مصالحي وطموحاتي الأوسع ويمنحني الدور والمكانة التي أستحقها في المجتمع ويعتمد علي في القيادة والتأثير.. وأعتقد أن برامج الحزب الوطني بشعاراتها وأفكارها المعلنة وأوجه تمويلها عن طريق الحكومة تستدعي إعادة الفرز والتوجيه بحيث تحقق مصالح وتعطي دورا أكبر كثيرا للطبقة الوسطي.. وهو اتجاه يجب ألا تخضع فيه الدولة للابتزاز لأنه يستدعي إجراءات قد يراها البعض تصيب الشرائح الأكثر فقرا والأقل قدرة.. لكنها في الحقيقة ليست كذلك.
(3) قل لي من أنت؟
وهذا عنصر يرتبط بما سبق من حديث عن «الطبقة الوسطي».. فتحت وطأة الحاجات الأساسية والأزمات اليومية المزمنة والتي لا يمكن أن تنتهي لانكاد لانري أي ناتج معنوي أو فكري للحزب الوطني يوازي وجود قيادات ملهمة سياسيا به.. ورغم أن بين قياداته الوسيطة والعليا مفكرين ومثقفين وقادة رأي في مجالات تخصص متنوعة إلا أن أغلبهم لا يصل منهم إلي الرأي العام إلا الجانب المتعلق بالبرامج السياسية والأمور الحزبية أو الدفاع عن الحزب في مواجهة خصومه.. ومن الأخطاء الفادحة أن نعتبر الناتج الفكري رفاهية في مجتمع يئن تحت وطأة غياب حاجاته الأساسية أو نظن أن الناس ليسوا بحاجة أيضا إلي رموز فكرية.. فهذه نظرة قاصرة لأن الروح المعنوية العامة وإتساع الأفق الجمعي والقدرة علي تجاوز مراحل الإحباط والأزمات وحشد عناصر الثقة.. كلها لا تأتي إلا عبر قادة رأي وأصحاب فكر.. والثابت أن الشعوب التي اعتادت تحكيم انفعالاتها والتي تملك تراثا حضاريا كبيرا تحتاج دائما إلي آباء أو ملهمين روحيين وإلي رموز لامعة تعطيها الثقة في قيمة الوطن الذي تنتمي إليه.
لقد كان لافتا في كلمة «جمال مبارك» أمام المؤتمر الأخير للحزب الوطني أنه تحدث عن رموز فكرية مثل طه حسين ورفاعة الطهطاوي وأعتقد أنها المرة الأولي التي يحدث فيها ذلك.. وقد تأخرت.. ولكن علي أية حال أعتقد أن الحزب الوطني يجب أن يعبر الآن عن وجهه الفكري من خلال عشرات من كوادره عليها دور كبير في ذلك.
(4) حكومة ضبط وربط
قبل 5 سنوات كان أشرس اتهام يوجه للحكومة أنها حكومة «رجال أعمال»، وكان هذا الاتهام يحمل شقين: الأول التلويح بأنها منحازة لمصالح الأغنياء، والثاني هو أن النسبة الأكبر من وزرائها ليست كوادر سياسية محترفة ومتمرسة، لكنني أتصور أن شقي الاتهام سقطا الآن بدرجة واضحة، خاصة الشق الثاني، فقد تمرست تلك الكوادر سياسيا علي مدي السنوات الخمس الماضية سواء بحكم أن هذه السنوات هي التي شهدت تغيرات سياسية كبري أو شهدت فتح أعقد ملفات الأزمات التي يمر بها المجتمع.
لكن ما أريد قوله هنا هو أن العنصر الغائب الذي يجب - في تصوري - أن يكون العمود الفقري لأي حكومة قادمة هو عنصر «الضبط»، فالمتغيرات المتوالية بما أسفرت عنه من أشكال تفاعل اجتماعي وسياسي مختلفة أدت إلي انفلاتات عنيفة في المجتمع وتقاطعات مزعجة ودرجة غير خافية من درجات الفوضي ونقص المعايير أو غيابها أحيانا.
وأعتقد أن حكومة حاسمة إحدي مهامها الرئيسية ضبط إيقاع المجتمع دون الاعتداء علي الحرية أو الحقوق الشخصية.. هي الحكومة التي تحتاجها المرحلة الحالية.. ولا أظن أن تلك فرضية نظرية، فهناك نماذج حققت ذلك داخل السلطة التنفيذية القائمة، لكنها تظل استثناءات يجب تحويلها إلي قاعدة.. وقد يكون من المفيد أن نذكر هنا دون حساسيات أداء محافظ مثل «د. سمير فرج» في الأقصر فهو أداء بقدر ما كان منضبطا وحاسما كان منجزا، بل أتصور أن ما كان يبدو مستحيلا بدأ يتحول إلي واقع في هذه المنطقة من جنوب مصر.. والشيء نفسه ينطبق علي أداء محافظ مثل «عادل لبيب» سواء في قنا أو في الإسكندرية التي يحاول فيها الآن بجدية..وأعتقد أن هذه النوعية من القيادات تملك الرؤية وتملك صرامة تنفيذها.
(5) القانون والذين يطبقونه
بشكل مباشر يرتبط هذا العنصر بما سبقه، فجزء رئيسي من حالة الانفلات والفوضي التي تضرب المجتمع ناتجة عن غياب قوانين أو عدم تنفيذ قوانين قائمة.
وعلي سبيل المثال لا يمكن تصور دولة كان لها منذ سنوات طموح في استضافة وتنظيم حدث دولي كبير مثل «كأس العالم» في كرة القدم وهي عاجزة عن حل مشكلة المرور في عاصمتها التي تحولت من أزمة إلي شلل مزمن.. ورغم أن الحكومة شغلت الرأي العام منذ أكثر من سنة بقانون المرور الجديد علي اعتبار أنه سيحل الأزمة ويعيد الانضباط إلا أن تطبيقه غير ملموس علي الإطلاق، ولا أريد أن أقول أنه لا يطبق.. ولا أعرف تحديدا ما السبب وإن كنت أعلم أن تداخل الواجبات والمهام والاختصاصات بين المحليات والإسكان والداخلية هو أحد الأسباب وأن كلا منها يتحاشي الصدام مع الجهة الأخري.
وقد يكون المثال السافر علي الخضوع لابتزاز الفوضي هو عدم القدرة علي إصدار قرار بغلق المحال التجارية في العاصمة في الثامنة مساء.. وهو قرار علي ما أعلم تم التفكير فيه أكثر من مرة عبر سنوات طويلة ماضية، وتمت محاولات لتطبيقه لكنها أجهضت.
وبصرف النظر عن أن تلك أمثلة قد تبدو بسيطة، إلا أن المعني هو أن غياب القانون أو غياب تطبيقه هو الباب العريض للفساد والجريمة والفوضي.. والأخطر من ذلك أن يكون هناك قانون، لكنه يطبق علي فئات دون أخري أو أشخاص دون أشخاص، فالنتيجة المفزعة هنا هي سقوط الشعور الشعبي بالثقة وبالعدل و«قضية العدل وحدها تحتاج إلي مناقشة مستفيضة».. لذلك أتصور أن سيادة القانون وتطوير واستكمال منظومته خيار حتمي.. غيابه يؤدي إلي نتائج مفزعة لن يمكن السيطرة عليها.
--
هذه مجرد نقاط في بحر.. لكنها بدايات مسار أو مرتكزات تفكير.. التوصل إلي نتائج إيجابية فيها يساعد مبدئيا علي تشكيل مشروع حضاري مصري له مقومات ستفرض نفسها علينا جميعا، إذا خرجنا من «الصندوق الأسود» الذي تحاصرنا فيه الأزمات اليومية وبلادة الصراعات السياسية ونظريات الوقوف عند حد إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. فمصر التي لن «تغرق» عليها الآن أن تتمكن من «السباحة» «لإنجاز ما يجب إنجازه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.