أرخت دراسة أصدرها التيار العلماني للمجلس الملي وكيفية النهوض به لعودته الي دوره في اطار المطالبات باصلاح الكنيسة. كانت بداية المجلس الملي عام1872 م, حين دعا الأنبا مرقص مطران البحيرة بصفته قائمقام البطريرك وقتها بعضا من شعب الكنيسة للمشاركة في إدارة شئونها. وقد أفرزت تلك المشاركة الحاجة الي آلية تقننها وتنظيم يضبطها, الأمر الذي ترجم في صدور الأمر العالي بتشكيل ما عرف بالمجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس. وفي1874/1/16 تشكل أول مجلس ملي وانتخب بطرس باشا غالي وكيلا له, حيث تنص لائحته علي أن تكون رئاسته للبابا البطريرك, وبدأ المجلس في أداء مهامه في فبراير من نفس العام بعد أن أعتمد الخديو اسماعيل تشكيله وأصدر قراره بذلك. وفي عام1875 اختار المجلس الأنبا كيرلس الخامس للبطريركية, والذي رأي في صلاحيات المجلس ما يمثل اعتداء علي سلطاته كبابا وبطريرك فحل المجلس, الذي لجأ بدوره للدولة, شاكيا ومعترضا, حتي صدر الأمر العالي بتشكيل المجلس مرة أخري في1883/5/13, ويعاد انتخاب بطرس باشا غالي مرة أخري وكيلا له, لكن سرعان ما دب الخلاف مجددا بين المجلس والبابا حول الاختصاصات والصلاحيات. ووفقا لنصوص لائحة المجلس فإن المهام الموكلة إليه كانت: النظر في جميع المصالح الداخلية للأقباط. حصر أوقاف الكنائس والأديرة والمدارس وجمع حججها ومستنداتها, وتنظيم حسابات الإيراد والمنصرف وحفظ الأرصدة. إدارة المدارس والمطبعة ومساعدة الفقراء. حصر الكنائس وقساوستها والأديرة ورهبانها والأمتعة والسجلات الموجودة بهذه الجهات. النظر والفصل في منازعات الزواج والطلاق وما يتعلق بما يعرف الأن بالأحوال الشخصية للأقباط. إلا أن تلك اللائحة قوبلت برفض المطارنة وعلي رأسهم البابا البطريرك وأصدروا بيانا بهذا المعني, أكدوا فيه أن هذا المجلس يعد مخالفة للأوامر والنصوص الرسولية. وشهدت أروقة الكنيسة صراعات عديدة, بين المجالس المتعاقبة والبطاركة المعاصرين لها, كانت تنتهي في الغالب إلي القطيعة بين الطرفين, وربما يكون السبب في هذا المناخ الثقافي الذي لا يستوعب مفهوم الإدارة وتوزيع الأدوار وفق التخصص والقدرات, بل وقبل ذلك غياب النسق الديمقراطي في المؤسسة الكنسية في جانبها الإداري وسيطرة المفهوم السلطوي. وبعد مرور139 عاما هناك حاجة ماسة وملحة وفقا للدراسة نتيجة للتطور الطبيعي الذي شهده المجتمع المصري بعضها بسبب التحولات السياسية خاصة في حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي, وبعضها للتغير النوعي والكمي الذي لحق بإيرادات الكنيسة وأبواب صرفها, بداية من المسمي وحتي المهام الموكلة اليه; ففي الدولة المدنية الحديثة لا يستساغ الكلام عن ملة لأن التأكيد عليها والتمسك بها يعني الإنتقاص من المواطنة, والنظر للأقباط باعتبارهم طائفة لهم شأنهم المنبت الصلة بالوطن. وقد يكون من الأنسب ان يسمي المجلس الشعبي الكنسي, أو مجلس الأراخنة, بحسب التعبير الشعبي القبطي والذي يعني حكماء ورموز الأقباط. لقد كان الهدف من إقامة المجلس وبحسب الوضع القانوني للبلاد وقتها إدارة شئون الأقباط المتعلقة بالكنيسة وأحوالهم الشخصية, وهو ما شهد تغيرت جذرية قلصت من دوره حيث تم الغاء المحاكم الشرعية والملية حيث كان للمجلس الحق في النظر في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية الطلاق والنفقة والحضانة والوقف وغيرها حتي صدور القانون462 لسنة1955 بالغاء المحاكم الشرعية والملية, واحيلت كل اختصاصاتها الي المحاكم المدنية. وبصدور قانون الإصلاح الزراعي والتي حجمت ملكية الأراضي الزراعية تقلصت املاك الكنيسة منها, وتولي هيئة الأوقاف القبطية مهام الإشراف علي املاك الكنيسة خلق نوعا من الأزدواجية بين الإشراف والإدارة. وتم تأميم المدارس المدنية القبطية والحاقها بوزارة التربية والتعليم فخرجت من نطاق ولاية المجلس الملي وكذلك المستشفيات القبطية التي تم وضعها تحت سيطرة وزارة الصحة ولم يعد للمجلس أي علاقة له بها. وبالتالي تحول المجلس الي مجلس وجهاء لعلية القوم والمنفصل عن هموم الشارع القبطي, وهو ما يتأكد في غياب دوره الفاعل في إدارة الأزمات القبطية البينية أو مع الأخر في المجتمع. فلم نسمع عن أي تحرك إيجابي في مناقشة أو تحليل أو مواجهة العديد من الإشكاليات القبطية والتي تتنامي بشكل مخيف مثل مشكلات العديد من الأديرة والرهبان في القبول والخروج وتنظيم خدمتهم, والتي انتجت العديد من المشاكل والمواقف والتي تسرب بعضها إلي الإعلام وارتج معها الشارع القبطي وربما المصري أيضا, وكاد بعضها يشعل فتيل الفتنة الطائفية بعنف وكذلك مشكلات المحاكمات الكنسية التي تسير علي غير هدي سوي المشيئة المنفردة لمن توكل إليه وقد عصفت برموز عديدة وكادت تعصف معها باستقرار الكنيسة, وقضايا التنمية البشرية والاقتصادية بالتعاون مع رجال الأعمال لوضع خطط وبرامج لمكافحة البطالة والغائبة عن أجندة المجلس. كما غاب دور المجلس في اختيار الاساقفة والبابا البطريرك باعتبارهم رموز الاقباط المنتخبين منهم, بل لم يتم رصد أي رد فعل في رأب الصدع في داخل العديد من الايبارشيات التي تشهد صراعات ووشايات اطاحت بالعديد من الاسقافة وعزلهم بالاديرة رغم اعتراض اقباط هذه الايبارشيات والأمثلة عديدة منها الأنبا ايساك اسقف مساعد القليوبية, الراحل الأنبا مينا مطران جرجا, الأنبا امنيوس اسقف الأقصر, الأنبا متياس اسقف المحلة الكبري, الأنبا تكلا اسقف دشنا. كما لم يتدخل في وقف نزيف الصدام مع العديد من الرموز العلمية في الكنيسة مثل الراحل الانبا غريغوريوس اسقف البحث العلمي والراحل الأب متي المسكين شيخ أباء الكنيسة, وقبلهما الراحل الأنبا صموئيل اسقف الخدمات الاجتماعية وشهيد المنصة ورائد ومؤسس كنائس المهجر, والراحل الأنبا بيمن اسقف ملوي, والدكتور جورج حبيب بباوي العالم اللاهوتي. وكيف يسمي مجلسا عاما بينما انتخاباته تجري في العاصمة القاهرة ومن القاهريين فقط, مرشحين وناخبين, والمجمع الانتخابي له لا يتجاوز بضع مئات من الأقباط ويتم تغيير المجمع الإنتخابي باعلان من وزارة الداخلية مع كل انتخاب, بطلبات قيد جديدة وإجراءات جديدة, كفيلة بتعميق العزوف عن المشاركة أكثر مما هو سائد, وهو بهذا لم يصل الي نظام جمعية لأهالي حي عشوائي علي أطراف القاهرة وفق ما ذهبت اليه الدراسة فأين تمثيل بقية المحافظات حتي يحق له ان يصبح مجلسا عاما؟!! ومع تزايد الموارد الكنسية بشكل مذهل سواء من كنائس الداخل أو تمويلات وتبرعات كنائس المهجر فضلا عن معونات الجهات المانحة في الداخل والخارج, ومع تشعب المجالات الخدمية الثقافية والإقتصادية التي تقع في دائرة إهتمام الكنيسة, فإن الأمر يتطلب اتساع قاعدة المجلس وضمه لتخصصات فنية وكوادر ادارية للتعامل مع الواقع الجديد, عبر قواعد قانونية محددة وواضحة وصولا لأكبر قدر من الشفافية وتحقيقا لأفضل استثمار اقتصادي يدعم تحقيق الأهداف الروحية للكنيسة بحسب منهج يعقوب الرسول2 في تفسير معني الإيمان العملي والتكافل الانساني بين كل اطراف المجتمع. ومع تزايد ضغوط الحياة وأزمة الأجيال الجديدة خاصة في بدايات تكوين الأسرة فان من المهام الواجبة علي المجلس انشاء آلية لحل المشاكل الاسرية قبل تفاقمها علي غرار محاكم الأسرة, وقبلها وضع منظومة تدريبية لمرحلة ما قبل الزواج بشكل واقعي يجمع بين الضوابط المسيحية والإنسانية وبين احتياجات العصر. وعليه فلابد أن تبادر الجهات المسئولة, الكنيسة بالتنسيق مع الجهات الرسمية التي تصدر اللائحة المنظمة لعمل واختصاصات المجلس وتشكيله باصدار قرار بتجميد المجلس الملي بشكل مؤقت لمدة سنة, والدعوة لوضع مشروع قانون بانشاء المجلس الشعبي الكنسي, أو مجلس الأراخنة يراعي فيه تحديد اختصاصاته وطريقة تشكيله وعلاقته بالاكليروس دون تداخل أو صدام, وذلك بعقد مؤتمر موسع يضم كل المهمومين بالشأن الكنسي.