تشق أصوات المركبات الكبيرة المحملة بالجنود سكون الصباح الباكر.. وتتعالي الأصوات بين قناعة بالتنفيذ أو اعتراض وطلب تأجيل وتتجمع الرءوس وتبحلق العيون..وينتشر النبأ. إنها الحكومة أتت بعتادها الشرطي لتنفيذ قرار هدم أحد عقارات المخالفين من سولت له نفسه البناء علي أرض الوطن الزراعية.. كم ساعة مرت.. لا يهتم الناس بعدد الساعات وإنما حديثهم عقب انصراف الحكومة عن بيت أو عقار فلان سواه البلدوزر أو الونش بالأرض أو نقرت سقوف البناء الحديث الكبشة وتركته خربا شبه متهدما.. ما فات هو الإجراء الوحيد الذي تتخذه أجهزة الدولة ضد المخالفين بالبناء علي الأراضي الزراعية. الأهرام المسائي تناقش مع الخبراء الأسئلة الدائرة في هذا الملف منذ فترة خاصة بعد ثورة يناير حول عدم عقاب المعتدي بإجباره علي إعادة الأرض صالحة للزراعة كما كانت.. وإلزامه بإزالة ما جنته يديه من إشغالات وغيرها من السلبيات الذي بات لا تصلح معها ضربة الونش عدد التعديات علي الأراضي الزراعية وصل إلي حوالي مليون و600 حالة تعد خلال السنوات الأخيرة..ليقف المخالفون في حالة ترقب وانتظار للقانون الجديد الذي يناقشه مجلس النواب خلال الأيام القادمة. ويري باحثون ومهتمون بهذا القطاع أن هناك حلقة مفقودة بين الحكومة ومجلس النواب والمواطن المخالف, ماذا بعد تنفيذ قرار الإزالة؟..هل تبقي المساحة كما هي دون النظر إلي زراعتها مرة أخري وهل هناك قانون يتم تفعيله من قبل الحكومة لتنفذه في زراعة المساحة التي تم تبويرها مرة أخري, وهل تتم المصالحة بعد مناقشة القانون بمجلس النواب؟ كما أن القانون المقدم لمجلس النواب لمناقشته وإقراره عليه انتقادات عديدة فيري البعض انه كأي قانون صدر قبل ذلك خلال50 عاما الماضية. سياسة الأمر الواقع ودائما ما نجد أنفسنا أمام أمر واقع وهو تقلص مساحة الأرض الزراعية وعدم الجدوي من معاقبة المخالفين.. فهل تحسن الدولة التصرف؟ وتجني من وراء هذه المخالفات ما تستطيع به أن تغطي تكلفة توصيل المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحي وغيرها؟ أم سيغتنم المخالفون الفرصة ويقننون أوضاعهم ويتحايلون في دفع الغرامات وندور في دائرة مفرغة؟ نستعرض الآراء عن ماذا بعد قرار الإزالة وأيضا مشروع القانون المقدم وعما يجب أن تقوم به الحكومة بعده. يعترف محمد سعد- مزارع في لحظة صدق مع النفس: نقوم بتبوير الأرض الزراعية والبناء المؤقت عليها أملأ في أن تدخل كردون المباني; لأن قيمة أرض المباني أعلي بكثير من الزراعة, فكنا نقوم ببنائها بشكل بسيط بالطوب والطين لأننا نعلم انها ستهدم ونقوم بعمل مصالحة مع الوزارة وبعد ذلك نقوم بالبناء عليها مرة أخري ونقوم بإدخال المرافق لها فلا يمكن إزالتها أما الآن الوضع اختلف كثيرا الحكومة مفتحة عنيها علينا فالآن الحكومة أصبحت تنفذ قرارات الإزالة ولا يوجد مصالحة بل هناك غرامات تدفع والقضايا قد تصل إلي السجن ويؤكد صابر علي- مزارع-: أن قرارات الإزالة ضرر للحكومة وللمزارع فيقول الأرض تم تبويرها ولا يمكن الزراعة عليها بعد تنفيذ قرار الإزالة لأنها تحتاج إلي تكلفة باهظة لإعادتها أرض صالحة للزراعة مرة أخري فنضطر إلي أن نترك الأرض بورا حتي تأتي في كردون المباني, وقال مناشدا الحكومة: إحنا غلطنا وبنينا علي أرض زراعية ياريت الحكومة تساعدنا في إعادة استصلاحها مرة أخري لأن التكلفة عالية جدا. ويري باسم زاهر موظف بإحدي الجمعيات الزراعية أن الحكومة علي علم بكل ما يحدث في البلد وانني لا اعلم لماذا تترك المخالف في بداية الأمر لتبوير الأرض وبدا البناء والانتهاء منه وبعد فترة تقوم بالتحرك لإزالته فكان من الأولي الحرص علي عدم وقوع الجريمة وهي تبوير الأرض قبل وقوعها حتي تظل المساحة التي تم إزالتها بور دون زراعة لفترات طويلة حتي يقوم المخالف ببنائها مرة أخري. مليارات التصالح أكد رائف تمراز وكيل لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي بمجلس النواب: هناك قانون خاص بتبوير الأراضي الزراعية والتعدي عليها وهذا القانون يجرم البناء علي الرقعة الزراعية إلا بترخيص ومعايير محددة ولكنها لا تتفق مع الفلاح فيقوم بالالتفاف حول القانون. فكان هذا القانون قبل تعديله يسمح بالبناء علي100 متر لكل5 أفدنة ولكن نظرا لتقلص الرقعة الزراعية وتحولها الي قراريط فقد تمت صياغة قانون جديد يجرم البناء علي الأراضي الزراعية للحفاظ عليها ومن يريد البناء يبدل الأرض الزراعية بأخري في الظهير الصحراوي لكن يتم هذا أيضا بقانون ومعايير معينة ويشير إلي أن المجلس يعمل علي صياغة قانون جديد لوضع آلية قانونية للحد من التعدي علي الرقعة الزراعية ويقنن الوضع بين الفلاح والحكومة وتغليظ العقوبة للمتعدي. ويوضح أن الحكومة تقوم الآن بهدم المباني الموجودة بالأراضي الزراعية وفرض غرامات علي المتعدي دون النظر إلي زراعة هذه الأرض مرة أخري لذا نقوم بدراسة هذا الملف قبل إقرار القانون كما أننا نبحث عن آلية لتقنين وضع الأرض وصياغة مادة بالقانون للأشخاص الذين قاموا بالبناء علي الأرض الزراعية وقت الثورة وهو أن يتم تثمين الأرض ويقوم الشخص بدفع القيمة للحكومة لاستثمارها في استصلاح الأراضي الصحراوية وسوف يحدث هذا من خلال لجنة تقوم بتقييم الأرض بمعايير معينة ويتم المصالحة مع الحكومة بعد ذلك وأوضح أن ما يحدث من قضايا داخل المحاكم تأخذ الكثير من الوقت وتترك الأرض بور ولا أحد يستفيد منها بعد إزالة البناء. ويشير وكيل لجنة الزراعة بمجلس النواب إلي أن من أهم ملامح القانون أن تنفيذه سيكون لمدة ثلاثة أشهر فقط يتم خلالها استقبال طلبات التصالح وتخصص لجنة للبت في هذه الطلبات في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر فقط وحصيلة التصالح ستصل إلي المليارات التي ستذهب للخزانة العامة للدولة ولكن سيتم توجيه هذه الحصيلة لتجديد ومد شبكات المياه والصرف الصحي خاصة أن هذه المباني شكلت ضغطا كبيرا عليها وسوف يتم التعامل مع المخالفات السابقة علي القانون أما ما تم بعد القانون فلن يتم التصالح عليه وسوف يستوجب الإزالة وستقدر المخالفات طبقا للمكان فالريف ليس مثل الحضر. المرافق للمخالفين يقول عيد حواش المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة انه ليس هناك في القانون ما يعطي لوزير الزراعة حق الإزالة أو يعيد الأرض البور إلي طبيعتها وان قرار الإزالة يصدر من المحكمة وتنفذه الجهات الأمنية وأضاف حواش أن الجهات الأمنية مهتمة بأشياء أخري ووزارة الكهرباء سمحت للمخالفين بتوصيل التيار الكهربائي وأيضا هيئة مياه الشرب والصرف الصحي وعند تنفيذ حكم الإزالة تتعذر اللجنة لأن المكان به سكان ويتوفر به جميع المرافق بعد ذلك يذهب المحضر إلي المحكمة فتبرئ90% من المخالفين لأن المخالف يطلب من المحكمة نزول خبير إلي المكان وعند توجه الخبير واستطلاع آراء الجيران وهم مخالفون أيضا فيكتب الخبير التقرير الذي يثبت براءة المخالف. وأكد حواش أنه ليس هناك آلية لوزارة الزراعة بأن تعيد الأرض البور إلي ما كانت علية ونطالب بأن يكون قرار الإزالة والإعادة خاصا بوزارة الزراعة كما نطالب بتغيير القانون وتغليظ العقوبة حيث وصلت التعديات علي الأراضي الزراعية مليونا و600 ألف حالة منذ ثورة يناير حتي الآن تم إزالة17 ألفا منها كما أن وزارة الزراعة تزيل40 فدانا يوميا. وأشار المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة الي أن هناك نصا في القانون بأن تتم إعادة الأرض الزراعية التي تم التعدي عليها إلي طبيعتها علي ما كانت عليه في الماضي علي حساب صاحب المخالفة وإذا لم يزل المخالف التشوينات والمخلفات الناتجة عن الإزالة ويعيد زراعتها يتم تحرير محضر بذلك وتبدأ الكرة من جديد. تكاليف باهظة يقول دكتور محمد عبد الحميد- باحث بمركز بحوث الصحراء- انه يمكن للفلاح ان يقوم بزراعة الأرض مرة أخري لكنها تحتاج لتكاليف باهظة جدا نظرا لارتفاع مستوي الماء الأرضي بالتالي نجد ان عمليات التنفس بالنسبة لجذر النبات تقل جدا وقد يؤدي ذلك لاختناق وموت النبات ففي شمال سيناء بعض الأهالي يقوم بتحويل الأراضي البور إلي مزارع اسماك بعد ان تحولت إلي مبان إلا أن نسبة الاستفادة تكون ضعيفة جدا نظرا لوجود خرسانة في الأرض حيث أنها تحتاج أجهزة حفر للتخلص منها ويمكن زراعتها مرة ثانية لكن التكاليف عالية جدا. ويضيف عبد الحميد ان تدرج تبوير الأرض الزراعية يرجع إلي عدة خطوات بعد ما يقوم الفلاح بتبوير الأرض تحرر الجمعية الزراعية الموجودة بالمنطقة أو القرية المحضر وبعدها تتحرك الأجهزة الأمنية بمشاركة الوحدة المحلية ولجنة من مديرية الزراعة بإزالة المبني دون ان تقوم باتخاذ اي إجراء ضد صاحب العقار وتظل المساحة بورا بلا زراعة. من جانبه يقول ممدوح رمزي عضو مجلس الشوري السابق: إن القانون ينص علي المحاكمة الجنائية لكل من يقوم بتبوير الأراضي الزراعية كما يدعمه بذلك قرارات الحاكم العسكري وقرارات رئيس الوزراء, ويشير إلي إمكانية المصالحة ودفع الغرامة بطرق أخري مختلفة لكنها تحتاج إلي نص صريح وواضح في القانون كنوع من الالتفاف حول العقوبة الجنائية التي تتحول في النهاية للإفلات منها. المحاكمة الجنائية ويضيف رمزي هناك ثغرة يعتمد عليها المواطن حيث يستغل وقوعها بجوار الكتلة السكنية كاردون المباني ليقوم بتجريفها وتصبح منتهية الصلاحية من حيث زراعتها, موضحا بأن المواطن عندما يشعر بعدم التصالح ويفشل في التحايل علي القانون بوجود نص صريح وملزم تتغير كل تلك المعايير التي أصابت الأراضي الزراعية في مصر بالبوار مما جعل مصر دولة مستوردة بسبب تقلص الرقعة الزراعية وتبويرها ولابد من وضع حل وتقنين يتناسب مع الزيادة السكانية والتعديات التي تحدث وشدد علي ضرورة صدور نص قانون رادع وصارم يجرم التعدي علي الأراضي الزراعية دون أي تحايل. الإفلات من العقوبات ويوضح علي سليمان- خبير قانوني- أن هناك العديد من مواد القانون التي تجرم التعدي علي الأراضي الزراعية ورغم ذلك يتم التعدي عليها والتحايل علي القانون فأول قانون نص بالمادة151 من قانون الزراعة53 لسنة1966 علي حظر ترك الأرض غير منزرعة لمدة سنتين من تاريخ آخر زراعة رغم توافر مقومات الزراعة ثم عدلت هذه المادة بالقانون رقم2 لسنة1985 حيث جري نص المادة المذكورة بعد التعديل علي النحو التالي: يحظر علي المالك أو نائبه أو المستأجر أو الحائز للأرض الزراعية بأية صفة ترك الأرض غير منزرعة لمدة سنة من تاريخ آخر زراعة رغم توافر مقومات صلاحيتها للزراعة ومستلزمات إنتاجها التي تحدد بقرار من وزير الزراعة. كما يحظر عليهم ارتكاب أي فعل أو الامتناع عن أي عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها. ويضيف سليمان أنه رغم وجود القانون إلا أن هناك الكثير من الثغرات القانونية التي يمكن للمتعدي من خلالها الإفلات من العقوبات والتحايل علي القانون لذلك لابد من وضع نص قانوني صارم يغلظ العقوبة علي كل من يعتدي علي أرض زراعية ويقوم بتبويرها أو تركها بورا بعد إزالة التعديات عليها.