منذ أول لحظة في سباق الرئاسة, لم تكف هيلاري كلينتون عن التلويح بالورقة التي تظنها رابحة في لعبة الانتخابات, وهي أنوثتها. هي الآن أول سيدة تفوز في الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي, وليس بعيدا أن تدخل التاريخ كأول إمرأة تحكم الولاياتالمتحدة. ورغم تأييد المنظمات النسائية المؤثرة لها, فإن هيلاري ليست بالشخصية المحبوبة أو ذات الشعبية الواسعة بين بنات جنسها. نسبة لا بأس بها من الناخبات لا يشعرن بأن هيلاري تعبر عنهن أو أن فوزها انتصار للمسيرة النسوية. كثيرات يعتقدن أنها وصولية وكاذبة وغير أمينة ومتكلفة, بحسب استطلاعات الرأي. وأنها فوق ذلك تمثل الوضع القائم; لا تحمل أفكارا تقدمية أو تصورات حقيقية. حالة هيلاري دليل علي أن جنس المرشح ليس العامل الحاسم في زيادة شعبيته بين أفراد جنسه, بل الأهم من ذلك قدرته علي إلهام الناخبين والتعبير عن آمالهم وطموحاتهم. وهذا ما نجح فيه علي غير توقع من كثيرين منافسها بيرني ساندرز الذي خاض السباق للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي,والذي حصل-كما كشف استطلاع صحيفة يو إس إيه توداي- علي نسبة61 في المائة من أصوات الناخبات الشابات في الحزب مقابل نسبة30 في المائة منهن صوتن لصالح هيلاري. نجح ساندرز في إدارة حملة عبرت عن طموحات يسار الديمقراطيين, واتسع نطاق المسائل التي أثارها من قضايا البيئة والهجرة والقوانين الجنائية إلي العدالة الاجتماعية الغائبة في ظل مجتمع الواحد في المائة الذي يستأثر بالثروة ويهيمن علي الحياة السياسية. الآن وصل السباق لنهايته وخرجت هيلاري منتصرة بينما يرفض ساندرز مغادرة المشهد السياسي. لم يعلن هزيمته وتأييده لهيلاري. ساندرز يعتقد أن مهمته لم تنته, ويناشد أتباعه ألا ينفضوا من حوله. يريد أن يستخدم شعبيته للضغط علي هيلاري كي تتبني تصوراته مقابل حصولها علي تأييده وأصوات أنصاره, وبما يضمن للحزب الديمقراطي أقوي برنامج انتخابي في تاريخه. يقول ساندرز إن الانتخابات تأتي وتذهب, أما الثورة السياسية والاجتماعية التي يحلم بها لتحويل المجتمع الأمريكي نحو الأفضل فيجب أن تستمر. هدفه إصلاح الحزب. وفي هذه اللحظة يحتاج الحزب الديمقراطي فعلا لثورة ساندرز. فمنذ سنوات وهناك شعور بأن الحزب الذي من المفترض أن يعبر عن الطبقة المتوسطة ليس ليبراليا بالقدر الكافي, بل أخذ يميل نحو المحافظة حتي صار وسطيا, وأصبح-كما يري البعض- صورة باهتة من الحزب الجمهوري. ومنطقي أن الأصل أيا كان أفضل من الصورة. وقد تجلت مشكلة الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي عام2014 والتي انتهت باكتساح الجمهوريين للمقاعد في ثلاثين مجلسا تشريعيا بالولايات, بالإضافة إلي سيطرتهم علي مجلسي الكونجرس. تصور ساندرز لإصلاح الحزب يبدأ من القواعد علي مستوي الولايات بالبحث عن مرشحين واعدين وتدريبهم علي كيفية إدارة الحملات وخوض الانتخابات المحلية والقيام بمهامهم عقب الفوز. فدعم القادة المحليين خطوة أساسية لتهيئتهم لخوض انتخابات فيدرالية في سنوات لاحقة. نجاح خطة ساندرز لتطوير الحزب الديمقراطي والضغط علي هيلاري لتبني أفكاره رهن بعامل مهم هو ألا يتخلي عنه مؤيدوه الآن. فمهما كانت مهارات السياسي, لن يكون له وزن بلا قاعدة شعبية. أما هيلاري, فمن مصلحتها التعاون مع ساندرز. وهذا ما فعله معها باراك أوباما في عام2008 عقب فوزه في الانتخابات الأولية ليضمن تأييدها ويمنع الانقسام في صفوف الحزب. ولو أن هيلاري في هذه الحالة ستكون أوفر حظا من أوباما لأن ساندرز زعيم لديه حلم.