يبدو جمال الإنسان في قدرة إحساسه علي انتقاء وادراك كل جميل حوله. والطبيعة بكل ماتحمله من روعة خير محرك لفكرنا ومشاعرنا.فهي لوحة فنية متعددة الألوان والإيقاعات, تحمل في طياتها أصواتا موسيقية باعثة للاطمئنان والسكينة. مثل: تغريد العصافير, وخفيف أوراق الأشجار, وخرير المياه, وتلاطم أمواج البحاروغيرها من النغمات التي يشعر معها الإنسان بالهدوء والراحة, لينطلق خياله بعدها إلي ماهو أبعد وأعمق من الواقع الذي نعيشه. ورغم أن الطبيعة معزوفة غنائية الا أن العلماء اختلفوا في حكم الموسيقي, واستطاع بعضهم تطويرها للتفاعل مع تردد موجات أجسامنا فتعيد توازنه إذا أختل. والاهتمام بالموسيقي ليس بحديث, فقد ربط الفراعنة الموسيقي بالدين والعبادة وحرموها علي عامة الشعب. وأقر ابن سينا أن الغناء أحسن رياضة لحفظ الصحة.أما أفلاطون فينصح الشخص الحزين بالاستماع للأصوات الطيبة, لأن النفس إذا حزنت خمد نورها, فإذا سمعت ما يطربها اشتعل منها ما خمد. وخلال الحرب العالمية الأولي والثانية استخدمت الموسيقي في علاج المصابين بالصدمات العصبية من الجنود والمدنيين. واعتبرها اليونانيون مصدرا أساسيا للحفاظ علي صحة العقل, والجسد, والنفس. حتي مقرئ القرآن الكريم يتعلم مبادئ الموسيقي ويوظفها في تلاوته, ليؤثر بجمال صوته في النفوس. وسحر الموسيقي لا يبدو في كونها وسيلة للترفيه, بل الأمر له أبعاد أعمق وأدق, أهمها تأثيرها الإيجابي في العلاجات النفسية في عصرنا الحالي, وكذلك دورها في نقل الأحاسيس بين المحبين حتي لو فرقتهم المسافات, كما تعمل الموسيقي علي تهذيب النفس, وتوجيه السلوك والارتقاء به. والسبب ببساطة, أن النغمات والإيقاعات الموسيقية تؤثر علي الدماغ, حيث يستجيب مباشرة للذبذبات الصوتية ويفسرها, فتنشط الخلايا الدقيقة, وتبدأ موجات الجسم في التفاعل معها, وتفريغ الشحنات الانفعالية وينتهي الأمر بضبط المزاج وتعديله إلي الأفضل, فيزول التوتر والقلق, وتقل الكآبة, ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل تعمل الموسيقي علي النوم الهادئ والاستقرار النفسي, ولذا نجد الأم تدندن لطفلها قبل النوم, وتطربه بنغمات صوتها حتي يشعر بالأمان والاستقرار فيخلد للنوم في يسر. وكلما كانت الموسيقي هادئة ساعدت علي ارتخاء العضلات والأعصاب, وساعدت علي تصفية الذهن والروح.كما يساعد العلاج بالموسيقي علي تحسين صورة الذات( شعور الإنسان بالرضا عن نفسه), بما ينعكس إيجابيا علي العلاقات الاجتماعية, والسيطرة علي الألم, وإثارة الدافعية لدي الأطفال ومرضي التوحد, وتحفيز طاقات الإنسان وتوجيهها نحو الهدف, كما تنمي الموسيقي القدرة الإبداعية. ومن بين العلاجات النفسية بالموسيقي, ما يسمي بالتدخل الإيقاعي, وهو نوع من العلاج يعتمد علي تحفيز الجهاز العصبي المركزي لتنشيط السلوك والمعرفة لدي المصابين باضطربات عصبية بيولوجية. ولذا من المهم اختيار نوع الموسيقي لتتناسب مع طبيعة موجات جسم المريض وحالته المزاجية. وأذكر قول الإمام أبو حامد الغزالي: من لم يحركه الربيع وأزهاره, والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج, ماله من علاج. وشئنا أم أبينا للموسيقي سحر لا ينكر, فهي لغة فريدة وعجيبة تعمل علي اعتدال المزاج, ورقي الإحساس, وهي غذاء الروح والقلب, فإذا غابت, أصبحت الحياة بلا معني. كلية الآداب جامعة الإسكندرية