عند سماعك مقطوعة موسيقية ما، وتجد نفسك منسجم مع الألحان والنغمات المختلفة ومن الممكن أن تنقلك إلى عالم افتراضي في أقل من ثواني .. هذه هي القوة الخفية للموسيقى، كذلك تتضمن هذه القوة قدرة هائلة على تنمية الإحساس بالجمال وخاصة عند الأطفال، فعند سماع الطفل ألوان من الموسيقى منذ الصغر يكون لها مردود عميق في جميع مراحل النمو لديه ليس على المستوى الشعوري والجمالي فحسب بل أيضا على المستوى العقلي والثقافي، فالموسيقى بالنسبة للطفل بمثابة المايسترو الذي ينظم الهارموني بين التفكير والإحساس والتعليم لدى الطفل في جميع مراحل النمو. الأطفال من 3 إلى 6 أشهر يبدأ الطفل بالالتفات نحو مصدر الصوت، ويظهر علامات السرور والدهشة نحو الموسيقى ومع نهاية العام الأول يبدأ في إحداث حركات بدنية مع إيقاع الموسيقى، أن الأطفال في العام الثاني من العمر تزداد مظاهر الاستجابة الايجابية النشطة للموسيقى زيادة واضحة، وتشتمل هذه المظاهر على التصفيق باليدين، والخبط بالقدمين، وتحريك الرأس، وتحريك الركبتين إلى الأمام وإلى الخلف، وتظهر علامات مبكرة للتآزر بين الموسيقى والحركة ابتداء من الشهر الثامن عشر، حيث يستطيع الطفل المواءمة بين حركاته الإيقاعية وما يصدر عن الموسيقى من أصوات بعد ذلك، وابتداء من سن الثالثة، تتزايد لدى الطفل الرغبة في الجلوس والاستماع إلى الموسيقى بانتباه بدلا من إصدار الحركات التلقائية لها. اتجاهات وتفضيلات إن اتجاهات الأطفال وتذوقهم للموسيقى تتغير بسرعة من خلال سماع بعض الأعمال الموسيقية المختلفة، فمثلا الأطفال في سن الثانية عشر والثالثة عشر يفضلون الموسيقى ذات الإيقاع السريع، والأطفال في سن السادسة أو السابعة لا تعطي اهتمام إذا كانت الموسيقى سريعة أو بطيئة، كما تلعب الثقافة المحيطة بالطفل في تشكيل تفضيلاته الموسيقية، فالطفل يتأثر بألوان الموسيقى التي تعزف في محيط البيئة التي يعيش فيها في البيت والمدرسة والاحتفالات الشعبية، وتظل تفضيلات الأطفال للموسيقى غير ثابتة وغير محددة، مستمرة منذ الطفولة ويقل هذا تدريجيا مع تقدم الطفل في العمر واكتمال النمو الإدراكي والانفعالي والمعرفي، فتبدأ الاتجاهات الموسيقية لدى الفرد في الاستقرار النسبي و يحدث هذا عادة في مرحلة الرشد، والجدير بالذكر هنا أن تعرض الطفل منذ الصغر لنوع ما من الموسيقى يساعده كثيرا في رسم اتجاهات الطفل في التفضيل الموسيقي فيما بعد، فإذا تعرض الطفل للموسيقى الكلاسيكية على سبيل المثال منذ الصغر فالغالب أن تشكل الاتجاهات والتفصيلات في المستقبل اتجاه الموسيقى الكلاسيكية، وهكذا. الموسيقى والذكاء هناك تساؤل يفرض نفسه في هذا الصدد وهو هل للموسيقى دور في تنمية ذكاء الطفل أم أنه ليس هناك أي دور للموسيقى في هذا؟ وفي رأيي أن هذا السؤال من الأسئلة الهامة عند دراسة تأثير الموسيقى على النفس البشرية، فقد اختلف العلماء والباحثون في الإجابة على هذا السؤال حيث إن هناك دراسات أثبتت أنه لا دور للموسيقى في تنمية الذكاء كقدرة عقلية، وفي المقابل أثبتت دراسات أن للموسيقى دور بالغ الأهمية في تنمية قدرات الذكاء لدى الأفراد وفي رأيي الخاص أن هناك أنواع من الموسيقى - وليس كل الموسيقى - لها دور في تنمية الذكاء لدى الأطفال ونذكر هنا تجربة موسيقى «موتسارت» على الأطفال والتي سميت «بأثر موتسارت» وكانت فحوى هذه التجربة كتالي: أن هناك مجموعتان من الأطفال متساويان في الخصائص مثل السن والمرحلة التعليمية ومتساويان في عدد الإناث والذكور في كل مجموعة، وتم قياس نسبة الذكاء للمجموعتين - باستخدام مقاييس مصممة لقياس ذكاء الأطفال - وبعدها تعرضت المجموعة الأولى لموسيقى «موتسارت» لمدة زمنية معينة ولم تتعرض المجموعة الثانية لهذه الموسيقى أو لأي موسيقى أخرى وبعدها تم قياس نسبة الذكاء للمرة الثانية للمجموعتين وجاءت النتائج زيادة نسبة ذكاء أطفال المجموعة الأولى -التي تعرضت إلى موسيقى موتسارت - بمقدار عشرة درجات عن المجموعة الثانية التي ظل نسبة ذكاءها ثابت والاستنتاج هنا أن للموسيقى دور في زيادة نسبة الذكاء لدى الأطفال. ارتقاء الإدراك الموسيقي فهناك ستة نقاط هي خلاصة بعض الدراسات التي تناولت ارتقاء الإدراك الموسيقي لدى الأطفال وهي كالتالي: 1- خلال السنة الأولى يشعر الأطفال بالتنبيه واليقظة الحسية والعقلية عندما يستمعون إلى مثير موسيقي. 2- وخلال السنتين الأوليين يصبح الأطفال في حالة ملحوظة من النشاط عندما يستمعون إلى الموسيقى، إنهم يهتزون للإمام وللخلف، ويتحركون، ويمشون، ويتأرجحون، ويرقصون، أو ينتبهون باهتمام، وأكثر الأعمال تأثيرا فيهم هنا هي الكلمات والموضوعات البسيطة والإيقاعات القوية والمنتظمة ذاتها. 3- يستطيع الأطفال ذوو الاستعدادات الموسيقية الخاصة أن يعيدوا إنتاج الألحان بدقة عند سن 2 أو 3 سنوات، أما معظم الأطفال فيقومون بذلك عند سن 4-6 سنوات. 4- يحفظ الأطفال الأغاني ثم يقومون ببعض التغييرات فيها بعد ذلك، وهذا النوع من اللعب الرمزي بالموسيقى يبدو أنه وثيق الصلة باللعب اللغوي الذي يميز معظم الأطفال. إنه يكشف عن تلك الجوانب الخاصة من المثيرات التي تكون مركزية الأهمية بالنسبة للطفل «خاصة الإيقاع السائد وبعض المسافات الفاصلة البارزة» ويكشف كذلك عن تلك الجوانب التي تكون مفتقدة أو قليلة الحضور لدى الطفل «التوزيع الأوركسترالي والحليات الزخرفية مثلا». 5- عند سن 5 سنوات أو نحو ذلك تكون الصعوبات قليلة لدى الأطفال في التعرف والغناء لعدد كبير من الأغاني والموتيفات. إنهم يندمجون على نحو ما مع المثيرات الموسيقية، ويتأثرون انفعاليا على نحو كبير بها، فالموسيقى هي خبرة حركية عقلية إدراكية في الأساس، بالنسبة إلى الطفل الصغير، كما أن استخدامه للآلات ينبغي أن يؤجل حتى تتوافر القدرة على أن يستغرق بنفسه -على نحو عميق - مع الموسيقى. 6- إن قراءة النوتة، والعزف على الآلات، هو أمر مقصور على عدد قليل من الناس، وهو غالبا ما يبدأ مع سنوات المدرسة، ومن خلال عمليات التدريب المناسبة. ومن هذا نؤكد على أهمية الموسيقى لدى الأطفال وارتقائها مع الطفل منذ لحظة ميلاده مرورا بجميع المراحل العمرية المختلفة للطفل. وأخيرا أشير إلى أن للموسيقى دور هام جدا في حياة الفرد ليس فقط لأنها تشارك الأفراد في حالات الترفيه والمرح ولكن تعمل على تهذيب النفس الإنسانية وتجعلها في حالة نفسية أفضل، كما أنها تعمل على زيادة نسبة الذكاء عند الأطفال والأهم من ذلك تنمي الإحساس بالجمال لدى الأطفال حتى يخرج لنا فرد لديه إحساس بجمال الأشياء من حوله وهذا ينعكس بلاشك على نفسه وحياته، فالموسيقى من أسباب سعادتنا في هذه الحياة ولولاها لكنا في شقاء ووحشية، فالموسيقى هي لحن الحياة الأبدي وليس غريباً هذا التأثير الملموس للموسيقى على الحالة النفسية والعصبية على جسم الإنسان حيث احتل العلاج بالموسيقى موقعاً فريداً في الطب الحديث ومتميز ويكمن التميز للعلاج بالموسيقي بانعدام الآثار الجانبية التي تخلفها الأدوية والعقاقير الطبية.ويرجع تاريخ العلاج بالموسيقي في تاريخ الطب العربي إلى ابن سينا الذي ألف فيه كتاباً اسماه «الشفاء» وعالج المرضى النفسيين بالموسيقي عن طريق زراعة الأزهار والمناظر التأملية الخضراء «موسيقى الطبيعة» أما الرازي فاستخدم العزف الموسيقى على آلة العود وقد أدرك تأثير الموسيقى على المرضى عندما كان يعزف في أماكن وجود المرضي الذين كانوا مشدوهين ويطلبون المزيد. أما الفارابي الذي عزف مرة على آلة القانون وأضحك وعزف أخرى فأبكى وثالثة فأنام الحاضرين أما العصر الحديث فبدأ العلاج بالموسيقى عقب الحربين العالميتن وأنشأ أول برنامج لمنج شهادة علمية في العلاج بالموسيقى من جامعة ميتشجان الأمريكية 1944م ثم توالت مراكز العلاج بالموسيقي في جميع أنحاء العالم. وحول التغيير العلمي لتأثير الموسيقي يرجع المتخصصون ذلك تفسير فيزيائي حديث الذي يقول إن الصوت والموسيقى ماهما إلا جزء من أجزاء المادة لها ذبذبات محددة في الحالة الطبيعية وهي الترددات للجسيمات الذرية حول النواة وبذلك تكون الذرات في أجسامنا ولكل ذرة منها طول موجي معين في الحالة الطبيعية تتردد فيه وعندما يحدث تنتاب الإنسان بعض الأمراض العصبية أو النفسية فإن تردد الجسيمات الموجودة في ذرات الجسم. فتكون ترددات الموسيقي «الصوت» أو الموجات الصوتية للموسيقى تصحح الاختلال الحاصل للذرات وجسيماتها في الجسم وذلك لأن الصوت «موجات أو نبضات تسري في أذن الإنسان وتصل عبر الأعصاب إلى المخ حيث تكون هناك الترجمة الفورية ليبدأ الجسم التفاعل معها ويقول الباحثون إن الموجات الصوتية للموسيقى تصطدم بالجسم وتحدث إرتجاجات ميكروسكوبية خافته جداً تعمل على تنشيط الخلايا والأوعية الدموية الدقيقة في الجزء الذي تصطدم به. وقد تلعب مراكز الطاقة في الجسم وتتولى توزيع الطاقة على مراكز الجسم دوراً في التأثير بالموسيقي وبالتالي تؤثر على الأجزاء المسيطرة عليها كل مركز. لها ذبذبه معينة ذات أهمية بالسلم الموسيقي وهذه الذبذبات تختل بالمرضى والضغوط والعلاج بالموسيقى يعيد إليها حالتها الترددية الطبيعية». وتفسير ذلك باحتواء الخلية الحية في جسم الإنسان على الماء الذي تحتوي منه قرابة 70% 80% وهي تتأثر بإستقبال الذبذبات الصوتية والتي تتحول بدورها لموجات كهرومغناطيسية تولد طاقة نظيفة تفجر الطاقات المكبوته وهذا فضلاً عن انخفاض معدلات الإصابة بما يعرف ب «الجوع العصبي» حيث إن الإيقاع يشعرنا أكثر بذاتنا ويدلنا على مانحتاج إليه من غذاء وبالتالي تقليل كمية الطعام بسبب التركيز الذهني مع كل آلة موسيقية وكل نغمه صادرة منها إلى أن تمتزج جميع الالآت وتصبح كالاوركسترار هو الأمر الذي يسهم بدوره في الحفاظ على إتزان آلية الجسم الذي يحدد العلاقة بين الجوع والشبع وبالطبع يعتبر ذلك علاج السمنة والبدانة عن طريق تحديد نوع الموسيقى ومدى ذبذباتها وتقول الدكتورة/نبيلة ميخائيل أستاذة التربية الموسيقية القاهرة. إن العلاج بالموسيقى هو تنظيم إيقاع الحركة داخل الجسم الحي بواسطة موجات الموسيقى سواءً عن طريق الاسترخاء المفيد للكثير من الحالات المرضية أو عن طريق تحقيق نسبة معنية من التوافق بين التنفس وسرعة النبض والإنسان والموسيقى كلاهما يعتمدان على الإيقاع إذا اختل حدثت الفوضى وإذا انتظم تحقق الاتران». وتؤثر الموسيقى على الغدة النخامية وتنشط افراز الاندورفينات وهي مواد طيفية تتشابه في تركيبها مع المورفين «الاندروفينات المكتشفن 1912م أحد هرمونات الغدة النخامية ويقول الباحثون إنه مجرد اكتمال هذا الاكتشاف سيكون من المتوقع حدوث تغيير جذري في الأراد المعروفة عن «كيمياء الألم» حيث لم يعد هناك شك في أن الألم والمتعة والانفعال وكثير من الأمراض لها اتصال بعمل «الاندورفينات» التي أتضح أن الموسيقى تساعد على زيادة إفرازها وهي مادة يفرزها الجسم طبيعية ليس لها أية آثار جانبية كماهو الحال مع الأدوية الكيمائية.