قادتني قدماي مترجلا في شوارع القاهرة من ميدان رمسيس لمشارف شارع سراي المنيل بحي المنيل بالقاهرة في ليلة قارسة البرودة ملبدة بالغيوم كبشر بأمطار غزيرة في يناير القاسي برودة أستغرقت مني تلك الرحلة التي بدأتها في الواحدة ليلا بعد منتصف الليل للثالثة فجرا تكاد البرودة تفتلو بجسدي رغم ملابسي الشتوية الثقيلة أسير مترعدا من شدة البرودة, وجدته رجلا كهلا رأسه المغطي بطاقية وكوفية صوف يغذوها الشعر الأبيض المخلوط ببعض الشعيرات السوداء لتجعل شعر رأسه فضيا متراوح بين الأبيض والأسود ملامح وجهه بتضاريسها المختلفة تعلن كبر سنه المتجاوز الخامسة والسبعين من العمر, بشرة وجهة بشرة قد كرمشت بفعل عوامل تعرية الزمن الطويل يديه متشبثة بمصحف شريف يتلوي في خشوع وخضوع آيات القرآن الكريم وبالتحديد سورة البقرة المصحف الشريف يكاد يلاسي عيناه قربه منها بسبب ضعف بصره بفعل الزمن وعمره الطويل وهو جالس فوق سطح الأرض علي ناصية شارع سراي المنيل علي ناصية مستشفي قصر العيني متدثرا ببطانية صوف بنية اللون منقوشة بمربعات داكنة السواد متمسا مصمما علي تلاوة سورة البقرة, تحت عمود إضاءة شارع سراي المنيل وبدون نظارة قراءة أو نظارة نظر تعينه علي قراءة آيات القرآن الكريم بسبب ضعف نظره الشديد وفي ليلة قارسة البرودة نظرا لفقره الشديد, يتابع قراءة القرآن وسط دهشة المارة بشارع سراي المنيل وهم مستغربين لتصميم هذا الكهل العجوز رغم صعوبات نظره الضعيف وغياب الأضاءة القوية التي تمكنه من قراءة آيات القرآن الكريم, رغم فقره الشديد وحاجته لديه عزة نفس غريبة لم يسأل أحدا المساعدة أو المسألة لإشغاله المستمر بتلاوة أيات القرآن الكريم لكن العديد من المارة بشارع سراي المنيل يشفق قلبهم يقطرون شفقة وحنانا لهذا المشهد الدرامي الغريب يضعون النقود في داخل حجره وهو يقبع جالسا فوق سطح شارع سراي المنيل كل فرد منهم حسب قدرته المالية, مجموعة من الأسئلة المتصارعة داخل عقلي الباطن تكاد تفتلوبه نور رؤيتي لهذا المشهد الدرامتيكي عن السبب الرئيسي التي تدفع هذا الكهل العجوز علي مواصلة هذه القرآة الصعبة العسيرة منها هل السبب المساعدة المالية هل يعاني من مشكلة عسيرة يحاول حلها بتلاوة آيات القرآن الكريم في هذه الظروف الصعبة برودة الطقس غياب الأضاءة القوية أو يهوي قراءة القرآن الكريم أو يحاول التقرب من الله بتلاوة سورة البقرة عجز عقلي الباطن عن الوصول لأجابة شافية عافية لالبس ولا غموض فيها وجاءتني الأجابة دع الخلق للخالق...