يبذل العديد من أساتذة الجامعات جهودا دؤوبة للحفاظ علي حياتهم بصورة مقبولة, ولكن بصورة فردية لا ترابط بين أجزائها, فرغم الإضافات التي يقوم بها البعض إلا أنها لم تنعكس علي المجتمع بصورة واضحة. تلك الجزر المنعزلة تحقق في محيطها الجامعي وغير الجامعي بعض الإنجازات ولكن بلا تأثير مجتمعي متكامل حقيقي. وحتي تتضح الصورة نتساءل عن القطاع الذي إن تعطل يمكن أن تهتز صورة المجتمع لنكتشف أن التعليم لا يدخل في هذا الإطار, ونكتشف وجود أولويات أخري علي المدي القصير والمتوسط مثل الشرطة والقضاء والصحة. هذا الأمر يبدو عاما في مختلف المجتمعات, ولكن الحقيقة غير ذلك ففي الدول المتقدمة نجد تزاوجا حقيقيا لا فكاك منه بين الجامعة والصناعة وغيرها. العجيب في ممارسات أعضاء هيئات التدريس في جامعاتنا أنهم لا ينظرون إلي وضعهم الحالي ويتطلعون لوضعهم المفترض دون رأب الصدع وهدم الفجوة بينهم وبين المجتمع. لقد قلت فرص التربية في الجامعة لأن طلبتها كادوا يتعدون سن التربية ولم يتبق سوي التعليم والقدوة وهما مربط الفرس في وضع الجامعة لأن أسلوب التعليم المبني علي التلقين تجسد في ذهن الطلاب بل وفي ذهن هيئة التدريس وسار الأمر علي عكس ما أتاحته التقنيات من وسائط تعليم وآفاق تفكير متطورة في منحدر أوصلنا إلي أن بتنا نتحسر علي طالب وأستاذ الستينيات, وما قبلها! ولنقارن بين طلبتنا وطالب الدول المتقدمة لنجد أن طلابنا يعترضون علي الجاد من الأساتذة علي عكس قرنائهم في الخارج بل ويسرون عند حذف جزء من المقرر, لتتلخص الصورة في أول محاضرة في سؤالهم كيف سيأتي الامتحان؟! للأسف لا يبلغ أغلب طلابنا علما بل يبغون الشهادة في حد ذاتها بالغش وبالتزوير وبالواسطة وكلها صور فساد معروفة. حضرت إحدي الاجتماعات الجامعية دار فيه نقاش حول مستوي الدراسات العليا, وهالني مقارنة مستوي ذلك القسم بأقسام أدني منه في المستوي, وليس العكس ليقنع البعض أنفسهم بأن الأمور علي خير ما يرام وليس في الإمكان أفضل مما كان! العجيب أن هذا الملطق قد يلقي استحسان البعض رغم التحذير من تدني المستوي! ورغم وضوح مشاكل التعليم الجامعي إلا أنه لا توجد إرادة لدي من يتصدرون المشهد وهم قانونا أعضاء هيئات التدريس أنفسهم, وليس رؤساء مجالس الأقسام أو العمداء أو رؤساء الجامعات أو الوزراء فاستقلال الجامعة يضمنه القانون الذي لا يتعارض مطلقا مع أي آليات إصلاح أو تطوير. الفاعل الذي أوصلنا لتدني تعليمنا الجامعي هو من بيدهم الأمر, وهم أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة حين تدني مستواهم من خلال الدروس الخصوصية وبيع ملزمة أغلبها علي أحسن الفروض قص ولصق غير أمين من كتب أجنبية بها ورقة ملونة يسلمها الطالب كدليل علي شراء تلك الملزمة المسماة كذبا بالكتاب! وللأسف تصمت الإدارة إن لم تتواطأ في الأمر فبعضها يحاول اقتسام ملاليم الطلبة للتوهم بإصلاح العملية التعليمية, لتصبح إدارة العملية التعليمية علي مستوي القسم والكلية متهمة وشريكة في هذا الجرم. والمحزن أن أعضاء هيئات التدريس ذاتهم يطالبون شخصا آخر برفع مستواهم المادي رغم تيقنهم بأن قفل الجامعة لن يؤثر علي حالة المجتمع المتدنية قيد أنملة. أكاد أجزم أن أغلب أساتذة جامعاتنا لم يتصدوا لحل قضية قومية واحدة وتناسوا أن منزلة أستاذ الجامعة منزلة مرموقة في مختلف المجتمعات ليس لتعليمها مختلف الشخصيات فقط بل لأنها القدوة في العلم والريادة والعطاء, فهل وصلت الرسالة؟. أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]