تبدو في حالات كثيرة صعوبة تحديد أكثر الممارسات خطرا علي العملية التعليمية, ولكن لايتطلب الأمر وقتا كثيرا لاكتشاف ان قضية الدروس الخصوصية هي علي رأس القائمة وذلك لاثرها البالغ علي اخلاقيات الطلاب والمجتمع ككل وايضا لكونها تمثل عبئا ماليا كبيرا تتحمله الأسرة المصرية, ومن الحزن ان هذه الظاهرة قد انتشرت ليس فقط في مرحلة ما قبل الدرجة الجامعية الأولي بل تعدتها إلي مرحلة الدراسات العليا ايضا. ويرجع تفشي هذه الظاهرة خلال العقود الأربعة الماضية إلي اسباب متشابكة تمثل تدني اجور العاملين في الهيئات التعليمية, نوعية المناهج وطرق التدريس التي عفي عليها الزمن, واخيرا إلي عدم مواجهة المجتمع بحسم لهذه الظاهرة بل وفي بعض الاحيان التستر عليها والتواطؤ معها. ويوازي ما ينفق من دخل الأسرة علي الدروس الخصوصية أكثر من30% في المتوسط وكذلك فان اكثر من50% من الطلاب من مراحل التعليم المختلفة يعتمدون عليها بصورة مطلقة, ورغم ان مجانية التعليم في ظاهرها يراد بها المساواة بين طبقات المجتمع المختلفة في حق الحصول علي التعليم الكافي إلا ان هذه الظاهرة اهدرت هذا الحق, ذلك ان الطلاب من أسر غنية تتاح لهم الخدمة التعليمية افضل من غيرهم وبالتالي توفر لهم فرصا افضل من العمل والدخل بعد تخرجهم, كما ان تفشي هذه الظاهرة ادي إلي تهميش دور المؤسسة التعليمية التربوي وارتفاع نسب غياب الطلاب بل ادي ايضا إلي انتشار حالات الغش الجماعي والفردي وعدم احترام الطلاب للمعلم وغياب القدوة. اذن فما الحل لهذه المشكلة المركبة والمعقدة؟ بالطبع لايمكن اغفال ضرورة وضع رؤية واهداف جديدة للنظام التعليمي تشمل تنمية المعلم بصورة متكاملة عقليا وصحيا ونفسيا وماديا, كما يجب تطوير المناهج مع افساح المجال للأنشطة المكملة لها مع تحديث طرق الاداء التي تعتمد علي التفاعل والتوجيه والتدريب لا الحفظ كما ان هناك ضرورة شديدة لإجراء المتابعة لحضور الطلاب خلال العام الدراسي كشرط لمواصلة الدراسة ودخول الامتحان الذي يجب تطوير طرقه ووسائله ايضا حتي لايصبح سيفا مسلطا علي الطلاب. اخيرا فان تطوير البرامج التعليمية المرئية والمسموعة اصبح ضرورة ملحة في ضوء التزايد المستمر في اعداد الطلاب. اما فيما يتعلق باعضاء هيئات التدريس فان زيادة دخولهم مع تحفيزهم معنويا وتقديم خدمات اضافية لهم مثل نظم شاملة للتأمين الصحي المتميز مع اتاحة الحصول علي قروض مالية بدون فائدة وضمانات اجتماعية متعددة, كل هذا يساعد علي تفرغهم للعملية التعليمية. وفي اعتقادي ان تغليظ العقوبات علي من يعطي دروسا خصوصية لايجب ان يكون هو الحل الاساسي لهذه الظاهرة, وانما يأتي قبلها ما ذكرته وسائل تحسن الاداء وترفع من مستوي التعليم داخل الجامعات. ورغم ان مجانية التعليم بدون ضوابط اصبحت من الأصنام التي لايجوز الاقتراب منها إلا ان ما يصرف علي الدروس الخصوصية من جيوب الأسر المصرية لو تم توجيهه في الاتجاه الصحيح لدعم التعليم الحكومي في الجامعات لحدثت الطفرة النوعية التي نريدها في أقل وقت ممكن. يرتبط ايضا بهذه القضية المهمة, موضوع الكتاب الجامعي وهل يجب حقا ان يكون هناك كتاب جامعي ام انه من المفروض ان ينفتح طالب الجامعة علي العلم من اوسع ابوابه ومن مراجعه الأصيلة وينهل منه ما يستطيع خلال دراسته في الجامعة, خصوصا وان الوسائل والتقنيات الحديثة خلال الاعوام الماضية قد أتاحت ذلك بسهولة وبأقل تكاليف ممكنة. واذا اخترنا الخيار الأول بوجوب وجود الكتاب الجامعي, فما يجب ان يكون مستواه ومن سيقوم بتأليفه استاذ المادة أم القسم مجتمعا, وهل تتحمل الجامعة مصاريف تكاليفه وطباعته ام يتم ذلك علي حساب الطلاب. تلك كلها اسئلة وقضايا يجب ان ينشغل بها المجتمع الجامعي ويفتح بابا واسعا للنقاش فيها بدلا من ضياع الوقت والجهد في أمور تتعدي حدود الجامعة التي كانت ويجب ان تظل المحراب المقدس لتربية وتعليم وتثقيف اجيال الشباب التي ستصنع المستقبل المشرق لبلادنا.