لم أندهش عندما صرح وزير الصحة الحالي في الإذاعة المرئية أن غالبية خريجي كليات الطب لا يستطيعون ممارسة المهنة بالمعلومات التي حصلوا عليها في كلياتهم لسبب بسيط أورده رئيس جامعة القاهرة الحالي بعد ذلك بساعات من أن عدم جودة التعليم الجامعي هو مسئولية الجامعة. وبعيدا عن توزيع الاتهامات أتذكر أن وزير الصحة كان عميدا لإحدي كليات الطب الحكومية ولم يتصد للمشكلة والتي هي أهم أولويات أي عميد, كما أن رئيس الجامعة لم يذكر لنا كيفية حل المشكلة ولم يتخذ فيها أية خطوة علي ما أعلم رغم شغله المنصب منذ فترة! المهم في سياقنا الحالي والذي يطفو فيه علي السطح جودة الخدمات الطبية وتوفيرها للمواطنين جميعهم لا يمكنني أن أتغافل عن الاحصاءات الرسمية عن جودة التعليم عامة وخاصة التعليم الطبي. حينما يتحدث بعض أساتذة الجامعة عن فرص العمل في الخارج كمؤشر لجودة التعليم ومع قناعتي الشخصية أن هدفنا هو تخريج مواطن يمكنه دفع عجلة التنمية في الوطن وليس في الخارج, أشير بنفس المنطق إلي أن ترتيب الأطباء الأجانب العاملين في الولاياتالمتحدةالأمريكية بالنسبة لعدد سكان دولهم قبل أحداث المنطقة الحالية كان لصالح سوريا التي تدرس الطب وجميع العلوم بلغتنا العربية فسوريا تأتي في المرتبة7 بينما مصر في المرتبة16 فلم يكن التدريس بالعربية لأطباء سوريا حاجزا عن العمل في الخارج ولم يشفع للطبيب المصري دراسته بالإنجليزية في الحصول علي فرصة عمل خارجية مساوية للطبيب السوري. حينما نتحدث عن جودة التعليم فنحن نشير مباشرة إلي جودة المعيشة والصحة والأمن وجميع أساسيات الحياة ناهيك عن رفاهيتها. وحين نتذكر أن تقرير التنافسية العالمي يشير إلي أن ترتيب مصر بالنسبة لجودة نظام التعليم هو139 من140 دولة شملها التقرير وأن ترتيب مصر بالنسبة لجودة التعليم العالي والتدريب هو111, لابد من أن نتعامل مع الأمر بعمق حتي نحظي بأقل مصداقية ممكنة مع النفس. لهذا لا يمكن أن تفاجئنا تصريحات تدني مستوي الخريج ولكن ما العمل ونحن نتغافل عن أبسط أسس التعليم والذي ينص علي أن التعليم باللغة القومية حق وآلية للفهم والإبداع والابتكار؟ لقد توهم بعضنا علي غير الحقيقة أن الرطانة بلغة أجنبية سبيل للتنمية وخاب توهمهم ولكنهم ما زالوا يكابرون ظنا منهم علي غير الحقيقة أن فرص العمل بالخارج أفضل حين يدرس أبناؤهم بلغة أجنبية ولكنهم لا يدرون أنهم يمكنهم العيش بالخارج ماديا بصورة أفضل بلا روح وبلا وضع مكافئ لتخصصاتهم إلا إذا تجردوا عن كل ما يمت للوطن بصلة. حينما نراهن علي الماضي وليس علي المستقبل نقر ضمنا أن الوطن لن يتقدم في مسيرة الأمم ولهذا قرر البعض أن يقفز من السفينة ظنا منهم أنها ستغرق بدلا من تعويمها مهما كانت العقبات. لقد تغافل أغلب أساتذة الجامعة عن عنصر مهم في العملية التعليمية واكتساب مهارة العلم وهي لغة التواصل بين الطالب والمعلم والمجتمع وهو ما أثبتته البحوث العلمية. ولنا أن نتفكر في أن أفضل عشرين دولة في جودة التعليم العالي علي مستوي العالم يتم التدريس والعمل فيها بلغاتها القومية ومنها دول تعداد سكانها مليونان! لقد غاب عن كليات الطب أن تعريب الطب بوابة أساسية لجودة التعليم الطبي, وغاب عنها أن الكتاب العربي الطبي في جميع فروع الدرجة الجامعية الأولي متوفر وبالمجان علي الموقع الإلكتروني للجمعية المصرية لتعريب العلوم, فهل من مستمع أم أن التخفي خلف حاجز اللغة أمر مسلم به؟ أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]