تأتي الجامعة في طليعة منظمات المجتمع التي تقود التنمية وتهندسها في مختلف البلدان التي لها حظ من التنمية بصرف النظر عن توجهها الفكري. والمدقق فيما وصل إليه حال جامعاتنا سيجد العجب العجاب. جامعات حكومية عريقة يتدهور بنيانها العلمي نتيجة غياب الأهداف والخطط وعدم وضع حلول عملية لمشكلات الجامعة ذاتها. وتأتي مشكلة الأعداد الكبيرة في كل الكليات في مقدمة تلك المشكلات التي عجزت الجامعة عن حلها علي مدار أكثر من نصف قرن لا لسبب إلا لأننا استوردنا نظما تعليمية بمشكلاتها وحلولها التي لا تناسب بيئتنا حتي باتت أغلب بحوثنا التربوية وغير التربوية محاكاة للبحوث الغربية بلا إضافة محلية تذكر. بل وصل الأمر إلي محاكاة النموذج اللغوي في الدول التي تتحدث الانجليزية دونما إدراك للمشترك اللغوي بين الدول المتقدمة وهو اللغة القومية! فبتنا نتوسع في المدارس التي تعلم النشء باللغة الإنجليزية دونما مراعاة للتقارير الدولية وحتي التقارير الحكومية المصرية التي تشير إلي خطورة ذلك علي فهم العلم وعلي اللغة القومية, وعلي الهوية! ودخلت اللغة الفرنسية علي الخط لتجد لها موئل قدم في جامعاتنا واستقبلنا ذلك بترحاب غريب رغم أن الفرنسية تعاني الانحسار في العالم أجمع إلا في دول اكتوت بنار الاحتلال حتي ولو لم يستمر ذلك إلا حوالي سنتين ومنذ حوالي قرنين! ولعلنا نتشبه في ذلك بإحدي دول شمال إفريقيا التي مازالت بعض أراضيها محتلة ويتحزب بعض أهلها لفرنسية منحسرة ولا يريدون إلا استخدام الأمازيغية أو العامية عوضا عن عربية مستقرة تعيد لأهلنا في تلك البقاع هويتهم. ورغم تلك الأوضاع المأساوية إلا أننا نجد في تلك البلدان من يدافع عن اللغة القومية وهي العربية دفاع الفرسان! العجيب في الأمر أننا في الجامعة لم نقدم النموذج للوطن, فالسرقات العلمية باتت شائعة تطفو علي صفحات الصحف تارة وفي أروقة المحاكم تارة أخري, وفي اللجان العلمية أحيانا وفي الوسط الجامعي بدرجة أكبر حتي بتنا نتناسي أهمية الأمانة العلمية في وسط البحوث المسروقة والتقارير المزورة بدءا من تقارير الطلبة والتي يكون أغلبها قصا ولصقا من أعمال الغير ويتعداها إلي صورة أفج أمام كليات الجامعة لعمل مشاريع الطلبة وسط غفلة أو جهل أو قل ما شئت من بعض أعضاء هيئة التدريس الذين يقومون بسرقة الإنتاج الفكري لغيرهم ووضع اسمائهم عليه ليباع ككتاب جامعي يجبر الطلبة علي شرائه من خلال ملزمة تباع مع الكتاب يتم تسليمها للمحاضر! بل وصل الأمر إلي الإعلان عمن يقوم بكتابة البحوث واطروحات الدرجات العلمية نظير أجر! وتأتي قضية تقنين وضع المصلحة الفردية بصورة تبدو علمية وذلك بإنشاء وحدات طابع خاص في الجامعة وهو أمر لا غبار عليه إلا أننا هدمنا ذلك بجعلها وحدات ربحية بلا رقابة علي مصروفاتها ووارداتها وهو أمر كان يجب أن تكون فيه الجامعة النموذج الذي يمكن تطبيقه علي المجتمع ككل بإنشاء نظام يضمن دخول وخروج الأموال لخزينة الدولة, وفي ذات الوقت يضمن الاستقلال العلمي للقائمين علي أمر تلك الوحدات وهو ما لم يحدث للأسف بل حدث العكس فانتشرت الوحدات, ذات الطابع الخاص في العديد من الأماكن وبات تحصيل رسوم لها خارج ميزانية الدولة أمرا شائعا وهو أمر تتحمل الجامعة النصيب الأكبر فيه لأنها القدوة المفترضة والتي غيبت نفسها إلي حين! [email protected]