دعونا نقرأ مشهد التعريب بحيادية. أليس المطلوب هو التنمية؟ ألسنا نتحدث عن آلية بداية التنمية؟ ألا نتذكر عدم وجود مثال واحد لأمة تقدمت بغير لغتها, وأن هناك أمما بنيت علي وحدة اللغة ومنها إسرائيل وألمانيا؟ ولنتساءل: هل أحدث إنتاج الكتب باللاتينية تنمية وانتشل أوروبا من عصور الظلام أم أن التنمية في أوروبا بدأت مع تفتت اللاتينية إلي لغات قومية؟ إن تقاعسنا عن التنمية, أمر خطير ومن أسبابه عدم بسط العلم للمجتمع وهو أمر لن يتأتي دون نشره في مختلف الأماكن وأهمها الجامعات ومنها الإعلام والتعليم العام وآليات الثقافة بالعربية. ولنتساءل: ماذا ننتظر من مجتمع ينظر للغته علي أنها أداة تعويق لأنها ليست لغة علم وتنمية؟ والأغرب أن نطالب بذلك المجتمع باستخدام لغته التي يظن أنها لا تصلح للعلم في حياته العامة. بدون استخدام اللغة في العلم, فالنتيجة المنطقية أن تسود اللهجات والرطانات وينقسم المجتمع, وهو ما يحدث للأسف في مجتمعنا.. ثم نتساءل عن سبب ذلك مع أن المنطق يشير إلي أن سببه هو تنحية لغتنا العربية القومية من حياتنا العملية والعلمية,ألا تقع تلك المسئولية الكبيرة علي الجامعة ورجالها, فهل هم علي قدر المسئولية؟ أليس في وضع بعضهم المصطلح كحجر عثرة في وجه قضية تعريب التعليم والعلوم تعويق للمسيرة؟ وعندما درس العرب الرياضيات سموها أريثماطيقا ثم عندما استوعبوها سموها رياضيات ولا ضير أن نكرر نفس النهج أو حتي يبقي المصطلح كما هو مثلما هو حادث في أسماء النجوم والتي منها كثرة من الأسماء العربية. ولنتذكر أن ترجمة كلمة الحاسوب في الانجليزية غير الفرنسية غير الألمانية, ولم يقل أحد أنه ليس اختراعي فلنأخذه كما سماه مخترعوه. تسمية المخترعات ليست عائقا في سبيل التنمية, بل إن العائق الحقيقي هو عدم فهم العلم ولن نستطيع تخطي ذلك إلا من خلال تعريب العلم والتعليم. هلا أخذنا المصطلح كما هو مع ترجمته وظيفيا حتي نفهم ماذا يعني في هذه المرحلة. ولنتذكر أننا نفقد الكثير من الفرص بعدم استخدامنا لغتنا العربية في تعليمنا الجامعي ومن ثم التعليم العام والإعلام وغيرها من المناحي. ولنتذكر أن التعريب ليس وضع الكتب بالعربية ولكنه استخدامها في الجامعات قاطرة التنمية حتي ينعكس ذلك علي المجتمع. ولنتساءل: إن لم يكن التعريب أحد ركائز التنمية فما هي تلك الركائز حتي ننهض؟ إننا كأمة, لم نلتفت إلي آليات بدء التنمية واستنهاض الجميع وبتنا نتحدث عن المصطلح وبيئته, وعن الفرص الضائعة في مجال البحث والتنمية متناسين أننا لا ننتج علما, لأننا لم نستوعب الموجود ومتناسين أن الكثير من بحوثنا لا تمت للتنمية في مجتمعنا بصلة! لابد من إيجاد بيئة علمية وبوتقة واحدة لمختلف مناشط مجتمعنا وهذا لن يتأتي إلا من خلال وجود لغة واحدة تصب فيها مختلف مناشط المجتمع هي لغتنا العربية. ولنتذكر أن التعريب وحده ليس كافيا, بل لابد من بسط العلم ونشره وهو أمر كفيل بإعادة هيكلة المجتمع ليصبح مجتمعا منتجا يبتعد عن آليات احتكار الفكر والمعرفة التي تعشعش في أفكار كثير ممن يتصدرون المشهد عندنا فكريا وعلميا واقتصاديا وإعلاميا! هل المطلوب أن يكون لدينا اقتصاد قوي لنبدأ في استخدام لغتنا علميا؟ ألا ينافي ذلك المنطق وما حدث في كل الحضارات؟ المطلوب كيف نبدأ فما هو الحل, متذكرين أننا بصدد تنمية داخلية ولسنا بصدد نشر العربية في الخارج في الفترة الحالية, ومتذكرين أن التعريب أساسي لبداية تنمية حقيقية كما أنه أساسي أيضا لاستمرار التنمية؟! أستاذ هندسة الحاسبات, كلية الهندسة, جامعة الأزهر [email protected]