خمسة عشر عاما من الجهود المتواصلة في مجال تعريب العلوم هي ملخص عمل الجمعية المصرية لتعريب العلوم, والتي تعقد المؤتمرات لدفع مسيرة تعريب التدريس إلي الأمام. من منطلق أن التعريب يعد قضية قومية, وأنه هو الخطوة الأولي نحو التقدم واستعادة المكانة الملائمة لحضارتنا العربية في العالم.. ولمناقشة هذه التجربة الفريدة كان ل'المنتدي الأدبي' هذا الحوار مع د. محمد الحملاوي سكرتير عام الجمعية المصرية لتعريب العلوم... بعد خمسة عشر عاما من العمل المتواصل من خلال الجمعية المصرية لتعريب العلوم.. إلي أين وصلت قضية التعريب في مصر؟ القضية وصلت إلي نقاط إيجابية لكنها لم تصل بعد إلي الكتلة الحرجة التي يمكن أن تغير الموقف, وهذا شئ مستغرب بعد خمسة عشر عاما من العمل, ولكن إذا نظرنا إلي التوجه العام للمجتمع والذي يمكن أن ليس له محددات حاكمة, وبالتالي فإن الفوضي الثقافية هي التي تحكم المسيرة, ولكن إذا كنا نتحدث عن مجتمع مترابط فأنا أعتقد أن هذه السنوات كانت أكثر من كافية لتنفيذ خطوة موجبة نحو تنفيذ القانون بتعريب التعليم الذي هو وعاء الثقافة والعلم. هل تري أن اللغة العربية قادرة علي استيعاب المصطلحات العلمية الحديثة؟ الدراسات اللغوية تشير إلي العديد من النقاط, فاللغويون يؤكدون أن اللغة العربية لغة منضبطة, وأنا أتساءل لو كانت اللغة الليتوانية, واللتوانيون الذين لا يتعدون مليوني شخص, أو الفنلنديون_ خمسة ملايين تقريبا- يستطيعون أن يضيفوا للعلم العالمي أكثر مما يضيفه العرب علي الرغم من أنها لغات مستحدثة وليست لغات ذات جذور, فإذا كانوا يستطيعون أن تكون الدراسة عندهم من الحضانة وحتي الدراسات العليا والماجيستير والدكتوراه بلغاتهم القومية, ألا يمكن للغة العربية أن تحذو نفس النهج, إضافة إلي أن اللغة العربية كانت الوعاء الأصيل لأطول حضارة علمية عرفها العالم لأكثر من ستة قرون, واستطاعت أن تستوعب كل إنجازات البشرية, وأن تضيف إليها خلال فترة ازدهار الحضارة العربية, واللغة العربية صمدت ضد الزمان, وهي لغي مطوعة تستطيع أن تستوعب الكثير من الأفكار بدقة أكثر من اللغات الاشتقاقية الأخري. هل هناك ارتباط بين تعريب العلوم وتقدم الأمة؟ هناك ارتباط مؤكد بين التعريب والتقدم, والمؤشرات كلها تقول هذا, فنحن حينما ندرس علاقة استخدام اللغة القومية بدرجة التقدم التقني في أي أمة من الأمم, فسنجد أن هناك ارتباطا وثيقا, حتي في الدول التي يقل عدد سكانها عن عشرة ملايين مثل المجر وكرواتيا وفنلندا والسويد والنرويج, فكل هذه الدول لا تعرض أبناءها لأي لغة أجنبية قبل سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة, وتدرس كل علومها بلغتها القومية بدءا من الحضانة وحتي الدكتوراه, وهذه الدول كلها في الصدارة, والأممالمتحدة لديها بعض المؤشرات للتنمية منها مؤشرات تأخذ الحالة العلمية للبلاد, وفنلندا الأولي علي العالم في هذا المؤشر وتأتي قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية, وكل الدول ذات الصدارة طبقا لهذا المؤشر تعلم بلغاتها القومية مهما قل عدد سكانها, بالإضافة إلي ذلك فإن أفضل خمسمائة جامعة في العالم لا توجد بها دولة تدرس بغير لغتها القومية, وأيضا عدد براءات الاختراع في الدول التي تدرس بلغاتها القومية أعلي بكثير, ففي مصر مثلا براءة واحدة لكل مليون مواطن, وسوريا ثلاث براءات, بينما تصل في اليابان طبقا لأحدث الإحصاءات إلي994 براءة لكل مليون مواطن, وفي فنلندا270 براءة لكل مليون مواطن, وهكذا فإن الدراسات تعضد بعضها البعض, وكلها تشير إلي أنه لا يوجد تقدم بدون استخدام اللغة القومية كوعاء وحيد لكل مناشط المجتمع. هل يمكن أن يكون هناك عمل عربي موحد نحو تعريب العلوم؟ يمكن ذلك بالطبع خاصة أن أي دولة من الدول العربية تعداد سكانها أكثر من الكثير من الدول التي تدرس بلغاتها القومية, ولكن انتظار التوحد هو الشماعة التي نعلق عليها كل شئ, ويمكن أن نوحد المصطلحات أولا, بل يمكن أن نتفق علي أن يفعل كل منا ما يستطيعه, فآفة المجتمعات العربية الآن هو انتظار كل منا للآخر. وهل هناك تيار رسمي قوي يدعم السير في اتجاه تعريب العلوم؟ نعم هناك قرارات وقوانين ودستور, فعندنا في مصر مثلا هناك قانون لتدريس كل المواد باللغة العربية, وعندنا دستور ومواثيق مثل ميثاق اليونسكو الذي وقعت عليه مصر وكل الدول العربية, والبعض يقول إن هذه المواثيق والمعاهدات لها حجية فوق حجية القانون الداخلي الرسمي, وهي تؤكد علي كل مواطن في أن يتعلم بلغته القومية.