منذ بضعة أيام وفي لقاء ضم عددا من أساتذة الجامعات وبعض المفكرين من مصر والخارج علي هامش إحدي الندوات التي تعالج قضايا اللغة العربية بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم, ودار نقاش حول الرقم العربي وكفاءته واستخدامه علي مدي التاربخ باستمرار منذ اخترعه محمد بن موسي الخوارزمي ببغداد وكيف أنه أكفأ من الرقم المستخدم في أوروبا وأنه لا علاقة له بالأرقام الهندية. كما تطرق النقاش واحتد عن تجاهل بعض العرب استخدام أكثر من ربع مكونات لغتهم والتي هي الأرقام والحروف. ولم تخف حدة النقاش بعدما ذكرت للجمع جهودنا المستمرة لإثبات عروبة أرقامنا المستخدمة في مصر لمدة عقدين وقرار مجمع اللغة العربية في مايو1986 م وقرار اتحاد المجامع اللغوية العربية في يناير1987 م اللذين ينصان علي ذلك, ولكن انقسم القوم إلي ثلاثة فرق وبعض المشاغبين. فريق معه الأدلة وفريق انساق وراء قول خاطيء تم شيوعه إعلاميا علي أنه السليم إضافة إلي فريق صامت ضم من حاول أن يحدث جلبة في الحوار. كنا أقل من عشرين فردا, وكالعادة كنا الفريق الأقل عددا والذي معه الأدلة والحقائق وبيننا وزير سابق كان الفريق الذي انحاز لمايروج له الإعلام وبينهم وزير سابق أكثر منا عددا أما الفريق الثالث المساوي تقريبا عدديا للفريق الثاني, فقد التزم الصمت رغم محاولة بعضه أن يدعي علي غير حقيقة امتلاكه لما يدحض القضية برمتها. وفي اللقاء أسقطنا ما هو حادث علي الموقف السياسي العربي ليتبين للجميع أننا نحتاج إلي معاودة التفكير فيما نتلقاه إعلاميا لنتبين وجه الحقيقة ولنتبين أننا في كل محاولة للوثوب إلي موقع أفضل يجرنا البعض إلي المربع صفر مرة أخري. لقد شاركت في الحوار ولسان حالي يقول هذا هو الموقف السياسي الذي لابد من الإصرار علي تخطيه وفعلا كم كانت نهاية اللقاء مشجعة باستقطاب البعض من الطرفين المعاكس والصامت رغم أن بعض المعاندين استمروا علي غيهم كما لم يكترث بعض الصامتين كالعادة بالأمر. كان الحوار مجديا لإيضاح قضية الأرقام العربية الأصيلة والتي ارتبطت بلغتنا العربية لقرون ويحاول البعض الآن طمسها بتمييعها تارة وبمهاجمتها تارة أخري, رغم ارتباطها بقوميتنا العربية بل وبوجودنا ذاته ورغم ادعاء المعارضين بتمسكهم بعروبتهم وهو ما ينهار عند سؤالهم: ما هي مقومات ومفردات العروبة التي تتمسكون بها؟ قضية الأرقام العربية باتت جزءا من سجالات دوامة الحياة ذاتها. ولكم كان مؤلما أن نجد في مطبوعات الجامعة التي كنا في رحابها مطبوعة تم توزيعها في اللقاء تحمل الصورة الغربية للأرقام وهو ما أخذه البعض ذريعة لدحض القضية, إلا أن تلك الحجة سرعان ما اندحرت أمام علمية القضية ووجه الحق فيها, مما دفعنا لأن نقر بأن تتحمل كل جهة مسئولية الاحتكام لغويا إلي ما صدر من الجهات اللغوية القومية والقطرية حال مناقشة القضايا اللغوية. ولا يقف الأمر عند هذا الحد فلقد تأكدنا أن علينا أن نضاعف الجهد كي يتضح وجه الحقيقة في كل ما نفعله علنا نستجمع قوانا لننطلق إلي موقع آخر أقرب للنصر. ويبقي الإعلام ككتيبة عمل يمكنها الانخراط في مقدمة ركب الوجه الصحيح للرقم العربي كما يمكنها الانخراط في الاتجاه الآخر بحسن نية علي أحسن الفروض, مظنة أن الرقم المستخدم في أوروبا هو الرقم العربي الأصيل وما هو بذلك. ومن العجيب أن بعض الصحف تتشايع للرقم الغربي عن حسن قصد وبات عليها أن تتوخي وجه الحقيقة وأن تنصاع للحق كما نص عليه قرار اتحاد المجامع اللغوية العربية والذي يدعو من هجر أرقامنا واستعمل الأرقام الغربية للعودة لاستعمال أرقامنا الأصيلة! لم تكن قضية الرقم العربية القضية الوحيدة التي أثيرت بعد ذلك في الندوة بل تطرق الأمر إلي قضية تعريب التعليم وهي المظلة الأشمل لاستخدام اللغة وتفعيلها علميا باعتبارها وعاء لجهود الأمة وبوتقة للتنمية المجتمعية بجميع مكوناتها. وهنا تكرر المشهد السابق بصورة أوسع حيث قفز للمشهد عنصر آخر وهو مظنة المنفعة الشخصية فرأينا البعض الذي يتعامل مع قضية التعليم من زاوية مظنة النفعية الشخصية البحتة بتأثير الإعلام الذي يروج للمدارس الخاصة لغات وللمدارس التجريبية لغات من باب الربحية البحتة علي حساب البوتقة العلمية للأمة بل وللأفراد. ولم يستمر التناطح بالرأي كثيرا حيث تبين من الأرقام والاحصاءات التي تقارن بين وضعنا في مصر وبين وضع سوريا وغيرها من الدول التي تعلم بلغتها القومية, أن التفوق الدراسي والتنمية من نصيب من يتعلم بلغته القومية, بل إن فرص العمل في الخارج من نصيبه أيضا( رغم إن ذلك ليس من أهداف تنمية أي مجتمع) لأنه استشرب أساسيات العلم ولم يحفظها كالببغاء دون هضم أو فهم. ويبدو تأثير التعلم باللغة القومية من خلال رصد العديد من المؤشرات التي تصب في أن التعليم باللغة القومية ذو مردود إيجابي علي الحالة العلمية والثقافية للأمة, فاللغة القومية بجانب أنها تحمل هوية الأمة بكونها بوتقة لعلومها وآدابها وثقافتها وتنميتها, فإنها آلية مهمة للتنمية بدونها لا يمكن أن نحصل علي تنمية حقيقية فلم تتقدم أي أمة بغير لغتها. إن فرض التعليم بلغة أجنبية والذي هو أحد أهداف المحتل لم يكن لرفع مستوي التنمية في البلدان التي يحتلها بل لإبقاء تلك البلدان في حالة تنموية يصعب عليها فيها الانطلاق في مضمار التقدم. هذا الأمر يدفعنا للتساؤل: هل تلتقي الآن إرادتنا مع إرادة المحتل الذي فرض إنجليزيته علي مصر فور احتلالها والذي اعتبر العربية لغة أجنبية في الجزائر فور احتلالها؟