يظن البعض علي عكس الحقيقة أن اللهجات العامية خاصة بلغتنا العربية دونا عن سائر اللغات, فاللهجات موجودة في جميع اللغات ولكن إظهار العاميات له ضوابط في مختلف لغات الدول المتقدمة قديما وحديثا, فعامياتهم لا تظهر في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ولا في قاعات الدرس والاجتماعات العامة عكس الحادث عندنا. لقد وصل الأمر إلي تدريس قواعد اللغة العربية بالعامية في الأقسام والكليات الجامعية المتخصصة في العربية! ووصل الأمر إلي وجود مراكز لتدريس عامياتنا بعكس الحادث في جميع دول العالم التي تحترم نفسها وتحترم بالتالي لغتها, وكأننا نتقمص روح الألماني ولهلم اسبيتا مدير دار الكتب المصرية الأسبق في دعوته لاستبدال العامية بالفصحي منذ عام1880 م وروح مهندس الري الإنجليزي عقب احتلال انجلترا لمصر وليم ويلكوكس مدير تحرير مجلة الأزهر الأسبق الذي قضي نحو نصف قرن يبشر بالعامية.. وغيرهما. والعجيب أن الدعوة تلقفها بعض بني جلدتنا ومنهم سلامة موسي, وأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد, وقاسم أمين, ومحمود تيمور, وسعيد عقل, وأنيس فريحة, ولويس عوضوغيرهم الذين لم يكتبوا بالعامية... قط! وها نحن الآن نقتفي آثارهم ونهجر عربيتنا الفصيحة ويحاضر أغلبنا في قاعات الدرس بالجامعة صانعة الأجيال بالعامية, بل ويكتب بعضنا بها, وتكتب بعض الإعلانات الرسمية بها ويتحدث بها في المدارس وفي دور العبادة في المواعظ وعلي المنابر!. لقد بات الترويج للعامية بصورة منظمة في العديد من وسائل الإعلام أمرا عاديا لدرجة أصبح البحث فيها عمن يستخدم العربية الفصيحة أمرا صعبا وبات بعض من يتصدرون المشهد لا يتقنون العربية الصحيحة. ومن المستغرب أن يقتفي الأثر أغلب من يتصدرون المشهد السياسي بل إن بعضهم ليتدني منه المحتوي الفكري لدرجة مؤسفة. لقد باتت العامية بساقط كلماتها تنخر في عظام المجتمع لتجزئة ولتقطع أوصاله داخل القطر الواحد رغم محاولة فرض عامية العواصم العربية علي المشهد في دعوة متهالكة وكأننا نريد أن نستبدل تلك العاميات المتفرقة بعربيتنا الصحيحة الموحدة والموحدة في آن واحد. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل شارك المشهد الثقافي الرسمي في هذا بتكريم الكتابة بالعامية بجائزة الدولة التقديرية في قاهرة العروبة وصاحب ذلك ومنذ أكثر من عقد من الزمان استخدام العامية في الشارع السياسي وفي بلورة فكر من يتصدرونه, تحت دعاوي متهالكة منها التقرب من المواطن عوضا عن الارتفاع به وبثقافته وبفكره لتظل حالة الأمية الفكرية متصدرة المشهد. والعجيب أن العديد من وسائل الإعلام الأجنبية تستخدم لغة عربية صحيحة لتصل رسالتها للمنطقة العربية بأكملها حتي بتنا نشير بالبنان إلي تلك الوسائل علنا نقتفي أثرها!. لقد حضرت اجتماعا علي هامش إحدي الندوات منذ سنوات مع وزيرة الثقافة في سوريا العروبة الجريحة التي أعطت الأمة الكثير ويتكالب عليها الآن كل لئيم وفاجر بالتدخل المباشر وبدعوة الأجانب لدك هذا الحصن العربي الذي وقف دوما في وجه محاولات اجتياح أمتنا. وأتذكر حديث تلك الوزيرة المثقفة عن أهمية العربية الفصيحة لا العامية وتأثير مسلسلات الأطفال وأفلام الرسوم المتحركة علي القيم واللغة, وكيف أن ابنها الذي كاد يغرق في حمام سباحة أحد نوادي دمشق كان يستغيث بعربية صحيحة: انقذوني. إنني كأنما أسمع صوتها وصوت ابنها يتردد تذكرت سوريا. لقد بح صوت المغنية ماجدة الرومي منذ سنوات بصرختها: اتركونا نعيش في وجه ساسة لبنان وكأنها تخاطب ساسة سوريا بل وكل الساسة العرب. يحتاج ضبط أمورنا جميعها إلي نظام منضبط في مختلف جزئياته وهو ما تطيح به عامياتنا فكرا وبناء!. أستاذ هندسة الحاسبات كلية الهندسة جامعة الأزهر [email protected]