ليس من قبيل الاعتزاز القومي أن نشير إلي أن لغتنا العربية لغة ممنهجة منظمة يقوم بنيانها علي قواعد رصينة يمكن ميكنتها بسهولة أكثر من أية لغة أخري. ليست لغتنا من اللغات التي لا أحرف فيها مثل اليابانية والصينية ولكنها مثل أغلب اللغات المتطورة تتشكل مفرداتها من أحرف محددة ولكنها تفوق تلك اللغات في أن الكلمات تكتب كما تنطق تماما بفضل حركات التشكيل التي تحدد بدقة معني وحركة الحرف أثناء نطقه. الأمر بهذا العرض يبدو بدهيا ولكنه حال مقارنته باللغات الأوروبية حيث نجد ان الكلمة تنطق كوحدة واحدة كما نجد أن للحروف المكونة للكلمات نطقا يختلف حسب الكلمة بلا قاعدة لذلك; يصبح وساما علي صدر لغتنا! ولا يقف الأمر عند هذا بل يتعداه إلي وجود أصوات في اللغة الإنجليزية مثلا ليس لها حرف محدد بل يتكون الصوت من تتابع حرفين او اكثر لتوليد ذلك الصوت, والذي يولد أحيانا أكثر من صوت! العجيب أننا حال مقارنة لغتنا بغيرها نهمل هذه التراكيب المكتملة للغة ولا نعيرها كثير اهتمام. لم تلتفت الغالبية إلي ما بين أيديها من آلية لغوية نقية تتجانس أشكال حروفها مع بعضها بدرجة تنم عن كونها وليدة حضارة واحدة في حين لا تتجانس أشكال حروف اللغات الأوروبية مع بعضها مما يدل علي عدم نقاء مصادرها وأنها نتاج تفاعلات حضارية مختلفة. هذا الأمر غاب عن درسنا العربي وبات بعضنا يستسهل استخدام الحرف الغربي في تعاملاته علي شبكات التواصل الاجتماعي ليعيد تذكيرنا بمحاولة وزير الحقانية عبدالعزيز فهمي في القرن الميلادي المنصرم لنبذ الحرف العربي واستبدال الحرف اللاتيني به والتي وئدت نتيجة جهود عباس العقاد وإخوانه والتي لولاها لكنا انقطعنا عن ثقافتنا وتراثنا العربي, كما بات بعضنا ينقل العامية إلي ساحات لا تطرقها في ممارسات الشعوب المتقدمة بادعاء أننا نمارسها في تعاملاتنا العادية فنقلوها إلي الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب وإلي قاعات الدرس بل ودرس اللغة العربية في المدارس والجامعات بل وفي أقسام اللغة العربية في جامعاتنا, هذا المشهد العام لا يخلو من استثناءات نجد فيها من يتمسك بلغته العربية في مختلف المحافل العامة وفي قاعات الدرس بل وأسريا ولكن هذا النموذج لا يتم تصديره إعلاميا ولا يتم الترويج له! لقد تغلغلت العاميات وتغلغل الحرف الغربي في العديد من أمور حياتنا حتي بات الفرد منا يتذكر محاولات مستشار التعليم والمندوب السامي الانجليزيين الذين نجحا جزئيا في نشر العامية وتحجيم مجالات استخدام اللغة العربية فبتنا نحن وبأيدينا نكمل ما بدآه! حرفنا العربي الجريح يئن من الاستهتار به ونبذه وغض الطرف عنه بل وإهماله لدرجة بات معها الخوف علي كيان الوطن أمرا محتملا حيث بدأت الشعوبية تطل برأسها هنا في مصر فوجدنا من ينادي باستخدام اللغة النوبية والأمازيغية والهيروغليفية ومن يتعصب لاستخدام الإنجليزية والفرنسية في قاعات الدرس ليس فقط الجامعي بل وفي الحضانة برهان علي الماضي أكثر منه علي المستقبل تحت دعاوي عدة متناسين حقوق الوطن وحقوق الأمة وحقوق الأفراد في حياة كريمة يستشعر فيها الفرد بعظم انتمائه العربي ولكن البعض يأبي إلا تفتيت المجتمع! أني لمن يريد أن يصب جهود المجتمع في بوتقة واحدة لا تتنافر جزئياتها بل تتكامل أن يفعل ذلك ويهندس مجتمعه! قضيتنا اللغوية باتت من الأهمية بمكان اجتماعيا وقوميا وعلميا وتعليميا وثقافيا وللأسف لا تنال أي اهتمام في ظل استخدام اللغة الأجنبية واللهجات العامية ولحسن الحظ في بعض أعمالنا الرسمية وليس جميعها! أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]