تنازل جديد يجرد بريطانيا من مصداقية الادعاء بإتباع سياسة أخلاقية, تحترم القانون الدولي, تجاه الاحتلال الإسرائيلي والتسوية العادلة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. سياسة بريطانيا تقول: المستوطنات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة في الجولان والضفة الغربيةوالقدسالشرقية غير شرعية, وتخالف القانون الدولي وتعرقل عملية السلام, وتحول دون إقامة دولة فلسطينية.وكل شركة أو رجل أعمال يفكر في الاستثمار في هذه المستوطنات عليه أن يفكر في العواقب القانونية.لذلك, فإن هناك مخاطر واضحة مرتبطة بالأنشطة الاقتصادية والمالية في المستوطنات( المستعمرات) ونحن لا نشجع أو نعرض الدعم لمثل هذا النشاط. والتعاملات المالية والاستثمارات والمشتريات والمبيعات وغيرها من الأنشطة الاقتصادية, بما فيها المتعلقة بالخدمات مثل السياحة في المستوطنات(المستعمرات اليهودية)الإسرائيليةأو الانتفاع من المستوطنات الإسرائيلية تنطوي علي مخاطر قانونية واقتصادية ناجمة عن حقيقة أن المستوطنات(المستعمرات)الإسرائيلية, وفقا للقانون الدولي, أنشئت علي أراض محتلة ولا يعترف بها جزءا من أرض إسرائيل ووفق هذه السياسة, ظل أنصار حقوق الفلسطينيين لسنوات يدعون لمقاطعة منتجات المستوطنات غير المشروعة التي تصدر إلي بريطانيا, ويطالبون حكومتهم بمنع دخول هذه المنتجات السوق البريطانية.وحققت حملات المقاطعة نتائج مزعجة لإسرائيل.وشجع ذلك عددا من المجالس المحلية علي ممارسة حقها القانوني والسياسي, كهيئات منتخبة, لاتباع سياسةالاستثمار الأخلاقيالتي تحول دون استثمار أموال صناديق المعاشات في المستعمرات اليهودية غير الشرعية, أو التعامل بشراء منتجات أو خدمات من أي شركة تتعامل مع المستوطنات. لم تتوافر أرقام دقيقة عن حجم استثمارات المجالس المحلية في الشركات والمؤسسات الداعمة للاستعمار الإسرائيلي اليهودي في الأراضي المحتلة.غير أن التقديرات تشير, مثلا, إلي أن هذه المجالس تستثمر أكثر من ربع مليار جنيه استرليني في شركة بي آيه إي سيستيمز, أكبر شركة سلاح في بريطانيا وثالثة كبريات الشركات في العالم, والتي تدعم الاستيطان اليهودي غير الشرعي في الأراضي العربية المحتلة. ومع إمعان إسرائيل في سياساتها التي تنتهك قوانين حقوق الإنسان والقرارات الدولية بحماية حلفائها, ومنهم بريطانيا, اشتدت حملة مقاطعة إسرائيل لتمتد, بنفس القوة, من الاقتصاد والتجارة إلي قطاعي الثقافة والأكاديمية. وجاء تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش غير المسبوق, الشهر الماضي, عن آثار الاستيطان في فلسطينالمحتلة ليكشف الوجه القبيح الخفي للمتعاونين مع الاستعمار اليهودي الإسرائيلي في فلسطينالمحتلة.فقد شرح التقرير, بالتفصيل, كيف يجعل أكثر من نصف مليون مستعمر يهودي يحتلون أكثر من237مستعمرة في الضفة الغربيةالمحتلة بما فيها القدس, حياة الفلسطينيين جحيما.وأثبت التقرير, الذي وصف التعامل مع المستوطنات بأي شكل بأنهتجارة احتلال,وأن الشركات العاملة في هذه المستعمرات تساند إسرائيل في ظلم الفلسطينيين. وقالت المنظمة بوضوح:تسهم الشركات العاملة في المستوطنات لا محالة في سياسات إسرائيل التي تظلم الفلسطينيين وتمارس التمييز الغاشم ضدهم, مع الاستفادة من نهب إسرائيل للأراضي والموارد الفلسطينية الأخري.وطالبت هذه الشركاتبالكف عن العمل في المستوطنات الإسرائيلية ومعهالإثبات التزامها بحقوق الإنسان. استنجدت إسرائيل ببريطانيا, التي تلتزم حكوماتها المتعاقبة في العقود الأخيرة بمحاربة حملات المقاطعة بدعوي أن المقاطعة لن تساعد في إقناع إسرائيل بتغيير سياساتها. ولجأت الحكومة البريطانية إلي حيلة قانونية تدعي أن رفض المؤسسات العامة في بريطانيا, ومنها المجالس المحلية, التعامل مع الشركاتالإسرائيلية أو غير الإسرائيلية المتعاملة مع إسرائيل مخالفة لاتفاقية منظمة التجارة العالمية للمشتريات الحكومية. غير أن منتقدي الحكومة البريطانية يقولون إن الاتفاقية, التي تتيح للموقعين عليها حق الوصول للأسواق الدولية, لا تعترف بالمستوطنات, التي يجرمها القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة,باعتبارها أرضا محتلة وليست جزءا معترفا به من أرض إسرائيل. ومع ذلك, تجاوزت حكومة ديفيد كاميرون ما تراه المجالس المحلية خطا أحمر.فأصدرت التوجيهات الجديدة التي تنتهك حق المجالس في ممارسة حقها الديمقراطي في تحديد سبل استثمار أموالها في مشروعات ليست أخلاقية فقط, بل وتلتزم بنصيحة الخارجية البريطانية التي تحذر من التعامل مع الاستعمار اليهودي الإسرائيلي غير المشروع. وتحذر وزارة شئون مجلس الوزراء من أنأي هيئة عامة يثبت أنها تخرق القواعد(التوجيهات الجديدة), يمكن أن تتعرض لعقوبات قاسية. وتقول متحدثة باسم الوزارة, ردا علي تساؤلاتالأهرام المسائي, إن مقاطعة المجالس المحلية البريطانيةللمستعمراتتقوض العلاقات المجتمعية الجيدةوتغذي العداء للسامية.غير أنها لم تقدم أي أدلة أو تفسير لموقف الحكومة الذي يربط بين رفض سياسات الاستيطان والعداء للسامية.ولم تتمكن المتحدثة من تفسير التناقض بين التوجيهات الجديدة وموقف وزارة الخارجية البريطانية, التي تؤكد لالأهرام المسائيأن التحذير من التعامل مع الاستيطان بأي شكل محظور وفقا للقانون الدولي. وتفسر حملة التضامن مع فلسطين, التي تتزعم حملة المقاطعة, موقف الحكومة البريطانية الذي تصفه بالخطير, بأن وراءهنية لمنع مؤسسات القطاع العام من الامتناع عن الاستثمار وعن مقاطعة الشركات الضالعة في دعم الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرات غير القانونية...وقمع حقوقنا الديمقراطية في الدعوة لحقوق الإنسان في فلسطين.وترد الحكومة بأنها لن تسمح بمقاطعة إسرائيل. لندن مروان سلطان