نواصل ما تعرضنا إليه في المقال السابق ونقول: نعم إيران تحركت بذكاء وسرعة, لتبدو أيضا أنها ترد الجميل لوقوف عمان إلي جانبها في خلال فترة العقوبات الدولية التي خضعت لها, ومستثمرة سلبيات انخفاض أسعار النفط بالنسبة للسلطنة, ومن ثم لم يكن مصادفة أن تسعي إيران إلي الاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم المطلة علي المحيط الهندي والتي ستكون واحدة من أهم المراكز اللوجستية في المنطقة خلال السنوات القادمة فإيران الحريصة علي الاستفادة من الحوض الجاف لإصلاح السفن في الدقم, ستبدأ أيضا في إنشاء مصنع للسيارات الإيرانية في الدقم مع شركاء عمانيين, كما سيتم إنشاء خط لنقل الغاز من إيران إلي سلطنة عمان, بين صحار وبندر عباس, وتم قبل أسابيع تدشين خط ملاحي لنقل السائحين والبضائع بين البلدين, كما تزيد إيران استثماراتها في محافظة مسندم المطلة علي مضيق هرمز, وتم زيادة عدد رحلات الطيران إلي رحلتين يوميا بين مسقط وطهران. ومعروف أن هناك استغلالا مشتركا لأحد حقول النفط في الخليج. وأمام هذا النشاط الإيراني, فانه لم يتم, ولم يعلن, حتي الآن علي الأقل, عن أية مشروعات استثمارية كبيرة من جانب دول مجلس التعاون في السلطنة. وإذا كانت ساحة الاستثمار العماني مفتوحة بترحاب أمام المستثمرين الخليجيين, فإن إنشاء بعض مراكز التسوق لا يعد استثمارا مفيدا للمجتمع العماني, بقدر ما يفيد صاحبه. وكان المنتظر ان تكون هناك خطط وبرامج استثمار خليجية مشتركة وكبيرة للاستفادة من الموقع الجغرافي العماني, خاصة وان مسقط تعمل بنشاط لتحويل المنطقة الاقتصادية بالدقم إلي منطقة لوجيستية بين الخليج والعالم, وبين وسط آسيا وإفريقيا أيضا. أما العشرة مليارات دولار التي خصصها مجلس التعاون لعمان والبحرين بواقع مليار دولار سنويا لكل منهما حتي عام2025 فان عمان قررت استخدامها لتمويل المشروعات ذات الارتباط بدول مجلس التعاون, مثل مشروع السكك الحديدية بين دول المجلس ومشروعات الربط الكهربائي. ومن ثم فانه يصعب اعتبارها استثمارا ذا أهمية بالنسبة لعمان, خاصة في الظروف الراهنة, ولطول فترة تقديمها أيضا. وفي ظل ضبابية الصورة, واهتزاز الثوابت, والتدهور الحاد الذي تشهده المنطقة في العلاقات بين عدد غير قليل من دولها, وهو ما يعد إرهاصات لمرحلة جديدة, فانه يمكن القول إن إدراك عمان أهمية مجلس التعاون الخليجي لها, ولدول المجلس وللمنطقة ككل, يجعلها متمسكة به, وحريصة علي تطوير التكامل من خلاله, ثنائيا وجماعيا, وفي إطار سياسة السلطنة ومواقفها, وهي معروفة ومحددة ومعلنة, وشفافة أيضا, منذ ما قبل إنشاء مجلس التعاون. وعلي ذلك فان عدم انضمام سلطنة عمان إلي عاصفة الحزم, والي التحالف العسكري الإسلامي, وتحفظها علي الوحدة النقدية لمجلس التعاون, ومعارضتها لفكرة تحويل مجلس التعاون إلي اتحاد, هي كلها ذات أسباب موضوعية ومحددة من جانب عمان, وهي أسباب لا علاقة لها بأية أبعاد طائفية, ولا باصطفاف في محاور أو تحالفات, لأن علاقات عمان هي بالفعل مفتوحة علي الجميع, وليست منغلقة علي طرف من الأطراف دون الآخر بشكل مبدئي. والعنصر الحاسم هو مبادلتها المواقف والمبادئ الحاكمة للعلاقات والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة ودون التدخل في الشؤون الداخلية. ولعل ما تتسم به عمان أنها واضحة وصريحة إلي حد قد لا يصدقه البعض, ولكن هذا هو ما اعتادت عليه السياسة العمانية التي وضعت علاقاتها مع إيران في إطار محدد وواضح وثابت أيضا, ولن يغير ذلك خط أنابيب غاز ولا مصنع سيارات ولا خط ملاحي بين ضفتي الخليج, فعمان تريد السلام والاستقرار والازدهار لها ولكل الدول المطلة علي الخليج, وتسعي للحفاظ علي علاقاتها مع كل الأطراف, شقيقة وصديقة, والإسهام النشط في تحقق ذلك, بعيدا عن سوء الفهم أو سوء التقدير.