في بلاط صاحبة الجلالة.. سنوات تمر دون أن ندري بها, تذوب أيامنا دون أن نشعر وتزداد خبراتنا دون أن نهتم وتحتلنا هموم ليست همومنا, ولكننا اخترنا تحملها طواعية, فعند الصحفي الحقيقي لا فرق بينه وبين الوطن, ولا فرق بينه وبين المواطن البسيط, يدفعه إيمانه بالقضية إلي تبنيها والدفاع عنها حتي لو دفع روحه وراحة باله ثمنا لها, ويعتبر أقرب الناس إلي قلبه الغائب حتي يعود والضعيف حتي يقوي والمظلوم حتي ينتصر, يأخذ علي عاتقه رسالة التنوير والتوعية, فمصطلح قيادة الرأي العام لم يأت من فراغ, بل جاء تعبيرا عن عمق رسالة مهنة الصحافة السامية وقدرتها علي بناء أمة واعية معتزة بماضيها المشرق وشعب قادر علي بناء حضارة حقيقية, وتربية عقول مبدعة ونفوس راقية. ولي أن أحمد الله حمد كثيرا علي نعمة الانضمام لهذه المؤسسة العريقة لأكون من بين صفوف كتابها ومفكريها العظام, تلميذة لأساتذة كبار تعلمنا منهم كيف نلتزم بالمهنية ونتمسك بالمثل ونعلي مصلحة الوطن علي أي مصالح شخصية, ونلتزم بقواعد وقيم لا تعرفها إلا المؤسسات القومية الراسخة منذ عقود بل وقرون, مبادئ لم يستطع كثيرون التمسك بها فانجرفوا لتيارات المصالح المتضاربة والاتجاهات المتعارضة فباعوا أقلامهم وضمائرهم لمن يدفع أكثر من رجال الأعمال الذين أصبحوا يتحكمون الآن في الإعلام الخاص, فيمولون اليوم جريدة ويغلقونها غدا, بدون الالتزام بأي قوانين أو قواعد تلزمهم بحفظ حقوق العاملين معهم. ربما كنت من بين الملتحقين حديثا بجريدة الأهرام المسائي بعد سنوات من العمل بمجلة نصف الدنيا, صحيح كان الأمر مختلفا في إيقاع العمل وتنوعه, ولكنه لم يختلف أبدا في نظام وروح العمل الذي يلتزم بنفس المبادئ ويراعي نفس الأصول, فالعمل في إصدارات المؤسسة العريقة تختلف فيه التخصصات ولكن لا تختلف القناعات والمسئوليات, لأسعد بالعمل في هذه الجريدة العريقة فأكتشف في نفسي جوانب أخري تصقل خبرتي الصحفية وتثير داخلي آفاقا أخري للفضول تمنحني دافعا قويا للاستمرار في العمل تحت ظل صاحبة الجلالة في خدمة وطن أشرف بانتمائي له وأدعو الله أن تكون كلماتي لبنة في بنائه الحديث.