أسمي وأعظم ما يسعي إليه الانسان في الحياة الدنيا محبة الله ورضاه عز وجل فهي تجعل الانسان يسعد في الدنيا ويفوز في الآخرة بجنة عرضها السماوات والأرض, ومحبة الله سبحانه وتعالي للعبد علي دلائل وإشارات وأمارات علي العبد تظهر في قوله وفعله وسرا وعلانية, حيث يكون مفضلا ما أحبه الله تعالي علي ما أحبه في ظاهره وباطنه. يقول الدكتور حامد عبده الفقي وكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بطنطا: إن حب الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم فرض, ومن لا يحب الله ورسوله لا يكون مؤمنا, وعلامات حب الله تعالي للعبد تظهر في فعله وقوله فيكون قوله موافقا لما جاء في القرآن الكريم والهدي النبوي الشريف, فلا يكذب ولا يغش ولا يقول الزور, وأما فعله فتكون جوارحه خاشعة لله تبارك وتعالي فلا يغتصب مالا, ولا يسعي بقدمه إلي الحرام, وأن يواظب علي الطاعات لأن المحبة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء, وأن يكون مفضلا ما أحبه الله تعالي علي ما يحبه في ظاهره وباطنه, ويؤدي الفرائض ويتقرب بالنوافل قال تعالي قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. ويضيف د. الفقي أن الإمام الغزالي ذكر في كتاب إحياء علوم الدين أن زليخا لما آمنت وتزوج بها سيدنا يوسف عليه السلام انفردت عنه وتخلت للعبادة وانقطعت إلي الله تعالي فكان يدعوها إلي فراشه نهارا فتدافعه إلي الليل وإذا دعاها ليلا سوفت به إلي النهار, وقالت: يا يوسف إني كنت أحبك قبل أن أعرفه فأما وقد عرفته فما أبقت محبته محبة لسواه, وما أريد به بدلا, حتي قال لها سيدنا يوسف عليه السلام إن الله جل وعلي أمرني بذلك وأخبرني أنه مخرج منك ولدين. فقالت: إذا كان الله تعالي أمرك بذلك وجعلني طريقا إليك. فطاعة لأمر الله تعالي, وعندها سكنت إليه. ومن علامات حب الله تعالي للعبد ما ذكر في القرآن الكريم إن الله يحب التوابين ويجب المتطهرين وقال عليه الصلاة والسلام إن الله تعالي يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ومن أعطاه الدين فقد أحبه. ومن علامات حب الله تعالي أيضا أن يكثر الانسان من ذكر الله تعالي. قال عليه الصلاة والسلام من تواضع لله رفعه ومن تكبر وضعه ومن أكثر من ذكر الله أحبه. فحب الله تعالي للعبد معناه أن يستقيم علي أمر الله تعالي وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام قال الله تعالي في الحديث القدسي لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها. ويقول الدكتور محمد الطيب عميد كلية الدراسات الإسلامية السابق فرع كفر الشيخ: إن أعظم ما يستدل به علي بيان حب الله تعالي لعبد من عباده أن يكون العبد أولا محبا للناس كافة لأن الأساس أن الله عز وجل نادي الناس جميعا من آمن به ومن كفر. قال تعالي يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم فجعل سبحانه وتعالي القاعدة بين خلقه التعارف, وختم عز وجل أن الحبيب إليه من كان كريما مع الناس, وكان أتقي الناس في معاملة الناس امتثالا لهذه الآية الكريمة. لأن القاعدة أن الناس جميعا بخلقهم وأخلاقهم المختلفة هم خلق الله تعالي وحكمته تعالي أن يكونوا مختلفين في الفكر والمعتقد والخلق, وأن الحبيب إلي الله من أحب خلق الله علي هيئتهم, فإحسان الناس إلي الناس من أعظم ما يحبه الله عز وجل في الناس. ويستطرد د. الطيب: حينما وصف الله عز وجل الرسول صلي الله عليه وسلم في القرآن الكريم ما وصفه إلا بما كان عليه من معاملة الناس سواء من آمن به أو كفر, ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالي يصف رسوله مادحا لا بكثرة سجود أو ركوع, وإنما وصفه بالخلق الحسن العظيم مع الناس قال تعالي وإنك لعلي خلق عظيم أي أن الرسول عليه الصلاة والسلام تعدي الخلق الحسن في معاملة الناس إلي الخلق العظيم. ومن الثابت أن الرسول عليه الصلاة والسلام حينما كان يزوره المخالفين له في المعتقد كان يهيئ لهم مكانا يتعبدون فيه حتي ولو كان ذلك في مسجده ومن أبرز الأمثلة علي ذلك, وفد نجران حينما زار الرسول( صلي الله عليه وسلم) في مسجده بالمدينة المنورة وكان يوم أحد أمر الصحابة أن يهيئوا لهم مكانا بالمسجد ليصلوا فيه صلاتهم. ومن هنا كان أعظم دليل للعبد علي حب ربه سبحانه وتعالي له أن يقيس قدر حبه لخلق الله. وهذا هو مقياس العبد عند الرب عز وجل, فإنه بحب العبد لخلق الله فهذا مقدار حبه عند الله عز وجل. وعجبا لأمة تقدر حب الله سبحانه وتعالي للعبد بركوع وسجود أو دعاء ثم تتآمر علي خلق الله لاختلاف في رأي أو فكر أو معتقد. فالدين لله ومعاملة الناس هي ميزان حب الله للناس فقدر ما تحب الناس يحبك رب الناس. ويقول الدكتور عبد المهدي عبد القادر أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر يحرص المؤمن علي أن يطيع الله ويتقيه ويبتعد عن نواهيه فإن الله تبارك وتعالي أمرنا بإطاعته وبحسن التقرب إليه يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول والله تبارك وتعالي أمرنا بأن نجتهد في التقرب إليه من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا, ومن أتاني يمشي أتيته هرولا, ويقول أحد العلماء إذا أردت أن تعرف قدرك عند الله فانظر قدر الله عندك. فكلما كان الانسان معظما أوامر الله تعالي فيتبعها ومعظما نواهي الله تعالي فيجتنبها كان علي الصراط المستقيم, وكان ممن يحبهم الله ويشير د. عبد المهدي إن الله تبارك وتعالي إذا أحب عبدا فتح عليه أبواب الخير ووجد نفسه مقبلا عليه ومقبلا علي العبادة يحبه أهل الخير ويبتعد عنه أهل الشر, وفي الحديث القدسي إذا أحب الله عبدا نادي جبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ويوضع له القبول في الأرض. فكلما كان العبد يزيد في إقباله علي الله وحرصه علي الطاعات وحبه للصالحين وحب الصالحين له فهذا من حب الله تعالي له.