في ظل هذه الأجواء التي أصبحت سمتها الأساسية هي الفوضي, أصبح من الواضح أن منطقتنا العربية تتجه نحو حرب الجميع ضد الجميع وكأنه لم تكفنا تلك الجماعات المتطرفة التي سعت لعقود لتوظيف الدين كأداة في خدمة السياسة والأهداف المتعلقة بالوصول الي السلطة, والتي مهدت لظهور داعش, حتي يظهر الآن من يستخدم الدعوة لتجديد الفكر الإسلامي, كأداة للهدم لا التصحيح والتصويب, الأمر الذي لا يأخذ مجتمعاتنا الي طريق الإصلاح, بل يعبد الطريق الي مزيد من الاستقطاب, وإشاعة أجواء الفتنة وإنتاج أنواع جديدة من التكفير للآخر. في ظل هذه الأجواء التي لا تبشر بأي ضوء في نهاية النفق, تأتي كلمات الداعية والمجدد فتح الله كولن لتعطينا بعض الأمل. حيث كتب الأستاذ كولن مقالا مطولا قبل حوالي أسبوعين في جريدة اللوموند الفرنسية أثار فيه الانتباه الي الكثير من القضايا التي أصبحت غائبة عن ساحات النقاش, والتي تصب جميعها في تجديد الفكر الإسلامي وإزاحة الكثير من الأدران التي أصبحت تنسب للإسلام, وتتسبب في إراقة الدماء وارتكاب المذابح. يقول كولن إن وظيفتنا نحن المسلمون هي العمل جنبا إلي جنب مع الجميع من أجل إنقاذ البشرية من ويلات هذا الإرهاب من ناحية, والسعي لإزالة هذه الوصمة السوداء التي لطخت وجه الإسلام الحنيف من ناحية أخري. وأنه لا يمكن للبعض أن يدعي الانتماء إلي هوية معينة عبر استخدام بعض ألفاظها ورموزها, دون الولاء والإخلاص للقيم الأساسية التي تقتضيها هذه الهوية, وذلك بإظهار العناية في الحفاظ علي حياة الإنسان وكرامته. وفي تأكيد جازم لإقرار أحد أهم المبادئ الأساسية التي تم تغييبها تماما, يقول الأستاذ كولن إن إنسانيتنا تتقدم علي هويتنا العرقية أو القومية أو الدينية, ذلك أن المتضرر الرئيس من هذه الأعمال الوحشية هو الشخصية المعنوية للبشرية وهو إحياء للمعني الذي أرساه الرسول( صلي الله عليه وسلم) حين قام لمرور جنازة يهودي, ورد علي من سأله أليس نسما؟.. بمعني أليس روحا وإنسانا. يضع الأستاذ كولن في مقاله خريطة طريق ومعالم واضحة أولها: ممارسة النقد الذاتي, وان نعيد النظر في فهمنا للإسلام وممارستنا لعقائده ومعاملاته وأخلاقه في ضوء ظروف عصرنا الحاضر, وأن هذا الأمر لا يعني القطيعة والانعزال عن التقاليد الإسلامية والمصادر الأصلية, بل علي العكس يعني إدراكنا لانحرافاتنا المحتملة والانسلاخ منها, ومن ثم العودة مجددا إلي روح وجوهر القرآن الكريم والسنة النبوية. كما يحذر أيضا من اللجوء إلي نظرية المؤامرة التي تمنعنا من مواجهة مشكلاتنا الذاتية كما هي. وانه علينا أن نحاسب أنفسنا, وأنه لابد من عزل واعتزال التفسيرات والتأويلات المتشددة التي اجتزئت من سياقها لتحقيق أهداف وأغراض معينة, مع إتباع منهج شامل ونظرة كلية تكاملية في التعامل مع المصادر الدينية, ويتعين علينا أن نبدي الشجاعة اللازمة لإعادة النظر في الأحكام المستنبطة في الفترات التي تصارعت فيها الانتماءات السياسية والدينية وشهدت نزاعات استمرت قرونا طويلة..وأن تبني بعض المعتقدات الأساسية لا يعني الجمود الفكري. وهو في النهاية يرفض التوصيفات الخاطئة ويري أن ما يجري الآن من قتال ليس إلا صراع بين الإنسانية والهمجية وليس صراعا بين الحضارات كما يروج له دعاة العنف والذبح والقتل.