تعاليم الإسلام تحافظ علي أفراد المجتمع, فقد جاء الإسلام ليحمي الانسان من كل ما يؤثر بالسلب علي مشاعره وأحاسيسه. فلا يليق بمسلم أن يغمز بعينه أو يلمز بلسانه استهزاء أو استحقارا أو تقليلا من شأن أخيه, فالإسلام حافظ علي المجتمع من حيث الشكل والمضمون أو المظهر والجوهر, ونهي عن التناقض بينهما, ولذلك كان الهمز واللمز من أوسع أبواب الشيطان. يقول الدكتور حسن السيد البنا من علماء الأوقاف إن الإنسان اجتماعي بنظرته, ولابد أن يعيش مع الجماعة ويتآلف ويتضامن معها, ولقد اتخذ من الإسلام التآلف والتعاون وإصلاح ذات البين أساسا للأخوة, وتقوية الروابط الاجتماعية, ولكن توجد بعض المعوقات التي تحول بين المجتمع وبين تطبيقات التآلف والتواد بين أفراده. ومن أبرزها والتي أشار إليها المنهج الإسلامي, ونهي عنها الرب العلي ما جاء في قوله تعالي ولا تلمزوا أنفسكم واللمز هو أن يعيب الانسان أخاه في وجهه بكلام ولو غير صريح. وهو عيب الغير باليد أو اللسان أو العين أو الإشارة الخفية, أما الهمز لا يكون إلا باللسان فقط لقوله تعالي ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم واللمز آفة ومرض وسبب من أسباب انتشار الحقد والضغائن في القلوب بين المسلمين. فمن حق المسلم علي المسلم ألا يلمز أخاه بيده أو لسانه أو عينه أو حتي بالإشارة الخفية. ويضيف البنا أن الله سبحانه وتعالي يلفت القلوب النقية والعقول الذكية في هذا النهي ولا تلمزوا أنفسكم جعله كأنه يلمز نفسه.. لماذا؟ لأن المؤمنين كالجسد الواحد. فالمؤمن إذا لمز أخاه فكأنما لمز نفسه. والآثار المترتبة علي الهمز واللمز سيئة للغاية حيث اللمز قبيحة اجتماعية تورث الأحقاد وتقطع أواصر الأخوة, وهو من ظلم الانسان لأخيه الانسان. والهمز يعتبر فسقا وصاحبه يعتبر فاسقا لأن استبدل اسم المؤمن بالفاسق قال تعالي بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان والإصرار عليه وعدم التوبة ظلم قال تعالي ولا تظلموا أنفسكم. وقال تعالي ويل لكل همزة لمزة وقيل إن الويل واد في جهنم وقيل: عذاب شديد, وربطت الآية الكريمة بين الهمز واللمز وجمع المال لأن بعض الناس إذا جمع مالا وأغناه الله احتقر الناس وتكبر عليهم, وعابهم وشمت فيهم واستهزأ بهم فكان جزاؤه الحطمة وهي النار التي تحطم العظم في اللحم والدم. ويقول الدكتور علي الله الجمال من علماء الأوقاف: نبعث برسالة خطيرة ومهمة لكل ساخر وهماز ولماز, وذلك عندما قال الرسول عليه الصلاة والسلام أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته, وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار. ولقد ذم القرآن الكريم الساخرين والمستهزئين وبين أن الساخرين سيندمون يوم القيامة أشد الندم قال تعالي إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلي أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ويوضح الجمال أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعانا أن نوقف هذا اللسان إلا في الخير. قال عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وقال أيضا ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ, وقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دقيق الساقين وعندما هبت ريح وكشفت عن ساقيه ضحك بعض الصحابة فقال الرسول عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد ويقول عبد الله بن مسعود لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلبا وإني لأكره أن أري الرجل فارغا ليس في عمل آخر ولا دنيا. وقال أحد التابعين إني لأري الشيء أكرهه. فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافه أن ابتلي بمثله وقال ابن حجر لا تحتقر غيرك عسي أن يكون عند الله خيرا منك وأفضل وأقرب. ويقول الشيخ محمد فتحي الزعرب من علماء الأوقاف إن الهمز واللمز من الصور القبيحة المحرمة وعرفاهما العلماء فقالوا: الهمز هو السخرية من الناس بالإشارة, أما اللمز فهو السخرية من الناس بالقول كتسمية الشخص باسم يدل علي عاهة فيه أو مرض أو اتهامه بخلق سيئ. وقد نهي الله سبحانه وتعالي في القرآن الكريم عن الهمز واللمز. فقد أمر سبحانه وتعالي النبي صلي الله عليه وسلم بأن يستعيذ من همزات الشياطين وما يقومون به من حركات أو يخيلونه للإنسان من أعمال قال تعالي وقل ربي أعوذ بك من همزات الشياطين ونهي الله سبحانه وتعالي الرسول عليه الصلاة والسلام عن الاستماع إلي الهازين النمامين قال تعالي ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم. وتوعد الله تبارك وتعالي الهمازين بالويل والثبور قال تعالي ويل لكل همزة لمزة. ونهي القرآن الكريم عن الهمز واللمز والتنابز بالألقاب قال تعالي ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ويضيف الزعرب أن القرآن الكريم ندد بالذين يلمزون النبي والمؤمنين. حيث كان الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة يتصدقون بالقليل لأن أموالهم كانت قليلة, فكان المنافقون يتغامزون عليهم. فإذا أعطي الرسول( صلي الله عليه وسلم) المنافقين رضوا عن الإسلام. وإذا أعطاهم القليل تغمزوا واتهموا الرسول( صلي الله عليه وسلم) والصحابة بالبخل. قال تعالي ومنهم من يلمزك بالصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون التوبة, وقال تعالي الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم التوبة, وعندما دخلت السيدة صفية زوج النبي صلي الله عليه وسلم وهو جالس مع السيدة عائشة رضي الله عنها, والتي أشارت بعد خروج السيدة صفية رضي الله عنها علي أنها قصيرة وقالت للرسول( صلي الله عليه وسلم) أرأيت قامتها فقال: يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لمزجته, ولما عير أبو ذر الغفاري رضي الله عنه سيدنا بلال قائلا له يا ابن السوداء فاشتكي سيدنا بلال رضي الله عنه للرسول( صلي الله عليه وسلم). فقال عليه الصلاة والسلام معاتبا أبا ذر إنك امرئ فيك جاهلية والذي اعتذر عن قولته لدرجة أنه وضع رأسه علي الأرض مطالبا سيدنا بلال بأن يضع قدمه علي رأسه. فقال له بلال لا أضع قدمي علي رأس تسجد لله. ويوضح الزعرب عند فتح مكة عفا الرسول عن أهلها إلا أربعة وهم ابن الأخطل وعكرمة بن أبي جهل وابن صبابة وابن أبي السرح لكثرة ما فعلوه بالمسلمين من ابتزاز وقتل وخوض في عرض. فقال عليه الصلاة والسلام اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة, وابن أبي السرح استشفع بعثمان بن عفان رضي الله عنه وجاء معه إلي الرسول( صلي الله عليه وسلم). وقال عثمان: يا رسول الله بايع عبد الله بن السرح فإنه جاء مسلما. فنظر إليه الرسول طويلا دون أن ينطق بشيء, ووقف الصحابة يرقبون الموقف وطال الصمت. فكرر عثمان قوله. هنا مد الرسول( صلي الله عليه وسلم) يده موافقا علي المبايعة وانصرف ابن ابي السرح مسرورا. وما إن تواري عن الأنظار حتي التفت الرسول إلي أصحابه قائلا أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلي هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله فقالوا يا رسول الله ما ندري ما في نفسك ألا أومات إلينا بعينك فقال: إنه لا ينبغي لبني أن تكون له خائنة العين وهنا ما كان الرسول أن يومأ بطرف عينه خلاف ما يظهر حتي لا يتلبس بشيء من أفعال الغدر, وهي لا تصلح لمن اصطفاه الله تبارك وتعالي بالنبوة ولا يليق بالنبي أن يوهم الرجل بأنه سيتركه ثم يغمز بطرف عنه إلي أصحابه ليقتلوه. وبشأن الأنبياء أن يوافق ظاهرهم باطنهم وسرهم علانيتهم وعلي أي حال فقد كان العفو من مصلحة هذا الصحابي الجليل فقد حسن إسلامه وولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله وولاه عثمان بن عفان مصر وشارك في فتح كثير من البلاد. ومات وهو ساجد في صلاة الصبح.