هناك الكثير من الاضطرابات النفسية التي ترهق حياتنا وحياة من حولنا, ولا يدرك المجتمع أي شيء عنها, أو عن كيفية التعامل معها.. وعلي سبيل المثال: اضطراب الشخصية الحدية.. وهو نوع من الاضطرابات المزعجة.. حيث يعاني المريض من المزاج الاكتئابي بسبب شعوره بالوحدة, وعدم القدرة علي تحديد مفهوم ذاته, فضلا عن فشله في العلاقات الشخصية المتبادلة. ويعتمد المعالج النفسي عند التشخيص علي أربعة جوانب أساسية.. أولاها.. الوجدان, ويشمل شعور المريض بالعجز واليأس, والقلق. ثانيا.. مستوي التفكير, حيث تكون أفكار المريض شاذة وغريبة ولا ترتبط بالواقع, مع شعوره أنه مضطهد من الآخرين, مع إدراك غير واقعي للأمور. ثالثا.. السلوك المندفع ويبدو في الميل للانتحار, والرغبة في إيذاء الذات, والانحرافات الجنسية. وأخيرا.. فشل المريض في تكوين علاقات متبادلة ناجحة, حيث تتسم علاقاته بعدم الاستقرار, وتتراوح بين التطرف في الحب والتطرف في الكره, والتسلط, والاعتمادية, والغضب لأتفه الأسباب, والشجار والعراك المتكرر.. كما يمتاز أصحاب الشخصية الحدية بالأنانية, والخوف المبالغ فيه من الانفصال, وتناقض في المعرفة والإحساس, وتأنيب الذات بشكل مبالغ فيه.. ولذلك صنف هذا المرض علي أنه خلل في العقل والأعصبة. وقد تعددت الأسباب المفسرة لاضطراب الشخصية الحدية.. خاصة أن أعراض هذا الاضطراب تتداخل مع اضطرابات أخري.. فقد يرجع الأمر لأسباب وراثية, أو بسبب بيولوجي كزيادة بعض النواقل العصبية, أو لأسباب نفسية مثل: انفصال الأب عن الأم بالطلاق أو الموت أو السفر.. وقد يكون السبب هو خلل في التربية, مثل تعرض الطفل للصدمات الناتجة من العنف اللفظي, والجسدي... الخ. ولا يشخص هذا الاضطراب قبل بلوغ سن ال18 من العمر, لأن شخصية الفرد تصبح أكثر تحديدا.. أما عند الأطفال فإن اضطراب الشخصية الحدية غير معروف كثيرا. أما العلاج.. فهو يشمل العقاقير المضادة للعصاب, وعلاج القلق, ومضادات الاكتئاب والهوس, وأدوية للحد من عدم الضبط السلوكي.. ولا يوجد دواء محدد لعلاج اضطراب الشخصية الحدية, ولذلك يفضل استخدام الأدوية بشكل انتقائي ولفترات قصيرة.. كما يحتاج المريض إلي العلاج النفسي.. وهو من الأمور المرهقة.. حيث يتردد صاحب الشخصية الحدية بين الحب والكراهية للمعالج, فأحيانا يتقبل طرح المعالج ويبدو إيجابي.. وأحيانا تبدو الحالة مستقرة وثابتة.. لكن سرعان ما يتغير الحال.. ويرفض المريض الاستمرار في العلاج.. أما الجلسات الكهربائية فهي غير مفيدة.. إلا في بعض الحالات التي تظهر أعراضا تحتوي علي الاكتئاب.. وقد لوحظ أن المريض يقاوم عادة العلاج, حيث يضيق من الالتزام بقواعد سلوكية تحد من استمراره في الحياة كما يريد, وتشعره بالقيود بشكل يهدد توازنه النفسي.. وفي كل الحالات.. لا يستطيع المريض تعديل سلوكه, ولكنه يحاول التخلص من بعض السلوكيات بشكل مؤقت.. وهذا في حد ذاته ليس علاجا. ورغم معاناة أفراد الأسرة من سلوك المريض الشاذ.. فإنهم يرفضون لا شعوريا أنماط العلاج, وعندما تزداد المضاعفات والمخاطر نجدهم أمام الأمر الواقع, ولا مفر من الامتثال لأوامر المعالج.