في خطاب تاريخي إلي الأمة أكد الرئيس حسني مبارك أنه سيكلف الحكومة الجديدة بتكليفات واضحة ومحددة للتعامل الحاسم مع أولويات المرحلة الراهنة. وأكد الرئيس عدم تهاونه في اتخاذ أي قرارات تحفظ لكل مصري ومصرية أمنهم وأمانهم, وسوف يدافع عن أمن مصر. وقال الرئيس مبارك: إن أحداث الأيام الماضية أحدثت في قلوب الأغلبية الكاسحة الخوف علي مصر ومستقبلها, وإن شباب مصر هو أغلي ما لديها, ونتطلع إليهم كي يصنعوا مستقبلها, وحذر الرئيس من الانزلاق إلي الفوضي والانتكاس, بينما أكد حرصه علي دعم سياسات محاصرة البطالة وتحسين مستوي المعيشة, ومكافحة الفقر, والتصدي بكل حسم للفساد. وفيما يلي نص الخطاب: الإخوة المواطنون.. أتحدث إليكم في ظرف دقيق يفرض علينا جميعا وقفة جادة وصادقة مع النفس تتوخي سلامة القصد وصالح الوطن.. لقد تابعت أولا بأول التظاهرات وما نادت به ودعت إليه.. كانت تعليماتي للحكومة تشدد علي إتاحة الفرصة أمامها للتعبير عن آراء المواطنين ومطالبهم.. ثم تابعت محاولات البعض لاعتلاء موجة هذه التظاهرات والمتاجرة بشعاراتها, وأسفت كل الأسف لما أسفرت عنه من ضحايا أبرياء من المتظاهرين وقوات الشرطة. لقد التزمت الحكومة بهذه التعليمات, وكان ذلك واضحا في تعامل قوات الشرطة مع شبابنا, وقد بادرت إلي حمايتهم في بدايتها احتراما لحقهم في التظاهر السلمي طالما تم في إطار القانون وقبل أن تتحول هذه التظاهرات لأعمال شغب تهدد النظام العام وتعيق الحياة اليومية للمواطنين. إن خيطا رفيعا يفصل بين الحرية والفوضي وإنني إذ أنحاز كل الانحياز لحرية المواطنين في إبداء آرائهم أتمسك بذات القدر بالحفاظ علي أمن مصر واستقرارها.. وبعدم الانجراف بها وبشعبها لمنزلقات خطيرة تهدد النظام العام والسلام الاجتماعي ولا يعلم أحد مداها وتداعياتها علي حاضر الوطن ومستقبله. إن مصر هي أكبر دولة في منطقتها سكانا ودورا وثقلا وتأثيرا وهي دولة مؤسسات يحكمها الدستور والقانون. علينا أن نحاذر مما يحيط بنا من أمثلة عديدة انزلقت بالشعوب إلي الفوضي والانتكاس.. فلا ديمقراطية حققت ولا استقرار حفظت. أيها الإخوة المواطنون لقد جاءت هذه التظاهرات لتعبر عن تطلعات مشروعة لمزيد من الإسراع لمحاصرة البطالة وتحسين مستوي المعيشة ومكافحة الفقر والتصدي بكل حسم للفساد. إنني أعي هذه التطلعات المشروعة للشعب وأعلم جيدا قدر همومه ومعاناته.. لم انفصل عنها يوما وأعمل من أجلها كل يوم لكن ما نواجهه من مشكلات وما نسعي إليه من أهداف لن يحققه اللجوء الي العنف ولن تصنعه الفوضي وإنما يحققه ويصنعه الحوار الوطني والعمل المخلص والجاد. إن شباب مصر هو أغلي ما لديها, وهي تتطلع إليهم كي يصنعوا مستقبلها وتربأ بهم أن يندس بينهم من يسعي إلي نشر الفوضي ونهب الممتلكات العامة والخاصة وإشعال الحرائق وهدم ما بنيناه. إن اقتناعي ثابت لا يتزعزع بمواصلة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي من أجل مجتمع مصري حر وديمقراطي يحتضن قيم العصر وينفتح علي العالم. لقد انحزت وسوف أظل للفقراء من أبناء الشعب علي الدوام مقتنعا بأن الاقتصاد أكبر وأخطر من أن يترك للاقتصاديين وحدهم وحرصت علي ضبط سياسات الحكومة للإصلاح الاقتصادي كي لا تمضي بأسرع مما يحتمله أبناء الشعب أو ما يزيد من معاناتهم. إن برنامجنا لمحاصرة البطالة وإتاحة المزيد من خدمات التعليم والصحة والإسكان وغيرها للشباب والمواطنين تظل رهنا بالحفاظ علي مصر مستقرة وآمنة.. وطنا لشعب متحضر وعريق.. لا يضع مكتسباته وآماله للمستقبل في مهب الريح. إن ما حدث خلال هذه التظاهرات يتجاوز ما حدث من نهب وفوضي وحرائق لمخطط أبعد من ذلك لزعزعة الاستقرار والانقضاض علي الشرعية. إنني أهيب بشبابنا وبكل مصري ومصرية مراعاة صالح الوطن وأن يتصدوا لحماية وطنهم ومكتسباتهم.. فليس بإشعال الحرائق والاعتداء علي الممتلكات العامة والخاصة تتحقق تطلعات مصر وأبنائها, وإنما تتحقق هذه التطلعات للمستقبل الأفضل بالوعي والحوار والاجتهاد من أجل الوطن. أيها الأخوة المواطنون: إني لا أتحدث إليكم اليوم كرئيس للجمهورية فحسب, وإنما كمصري شاءت الأقدار أن يتحمل مسئولية هذا الوطن وأمضي حياته من أجله حربا وسلاما.. لقد اجتزنا معا من قبل أوقاتا صعبة تغلبنا عليها عندما واجهناها كأمة واحدة وشعب واحد وعندما عرفنا طريقنا ووجهتنا وحددنا ما نسعي إليه من أهداف. إن طريق الإصلاح الذي اخترناه لا رجوع عنه أو ارتداد إلي الوراء.. سنمضي عليه بخطوات جديدة تؤكد احترامنا لاستقلال القضاء وأحكامه.. خطوات جديدة نحو المزيد من الديمقراطية والمزيد من الحرية للمواطنين.. خطوات جديدة لمحاصرة البطالة ورفع مستوي المعيشة وتطوير الخدمات وخطوات جديدة للوقوف إلي جانب الفقراء ومحدودي الدخل. إن خياراتنا وأهدافنا هي التي ستحدد مصائرنا ومستقبلنا وليس أمامنا من سبيل لتحقيقها سوي بالوعي والعمل والكفاح.' نحافظ علي ما حققناه ونبني عليه ونرعي في عقولنا وضمائرنا مستقبل الوطن. إن أحداث اليوم والأيام القليلة الماضية ألقت في قلوب الأغلبية الكاسحة من أبناء الشعب الخوف علي مصر ومستقبلها والتحسب من الانجراف الي مزيد من العنف والفوضي والتدمير والتخريب, وإنني متحملا مسئوليتي الأولي في الحفاظ علي أمن الوطن والمواطنين لن أسمح بذلك.. أبدا لن أسمح لهذا الخوف أن يستحوذ علي مواطنينا, ولهذا التحسب ان يلقي بظلاله علي مصيرنا ومستقبلنا. لقد طلبت من الحكومة التقدم باستقالتها اليوم وسوف اكلف الحكومة الجديدة اعتبارا من الغد بتكليفات واضحة ومحددة للتعامل الحاسم مع أولويات المرحلة الراهنة. وأقول من جديد إنني لن أتهاون في اتخاذ أي قرارات تحفظ لكل مصري ومصرية أمنهم وأمانهم, وسوف أدافع عن أمن مصر واستقرارها وأمان شعبها, فتلك هي المسئولية والأمانة التي أقسمت يمينا أمام الله والوطن بالمحافظة عليها. حفظ الله مصر وشعبها وسدد علي الطريق خطانا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.