أيتها الجدة التي تدعي الحكمة يا أرضي التي تتخلي عن جذوري ( اتحدثيني أم احدثك؟) ثمة شمس تغرب وتشرق من نفس النقطة تقريبا تضيء وتطفئ وثمة دائما مدينة تتجهز للنسيان بالتأكيد.. كان دائما في البلاط عراف يحاول ببسالة ان يغير مسارات النجوم او يتلمس بشارة في مداراتها المعتمة بينما الامبراطور الأخير المطرز بالهزائم يتثاءب في سراويله الداخلية ليصرفه من مجلسه ( يدرك ببصيرة إلهية أن الأمور استقرت علي هذا النحو) ********* في الليلة الأخيرة كان الامبراطور قسطنطين بلا زينة وبلا أصباغ يرسم الخرائط لرجاله وهويرقب الأفاعي النائمة بين جفونهم وحين ودعهم للحرب قال لنفسه: أعرف ان ذهبهم أحب اليهم من مجد المسيح وانني لن انتصر بهم لكن علي أن أصون الشرف ********** حين سقط الامبراطور بجرحه المميت تشبث بقدم أحد جنوده وتوسل: أكملها يافتي وخلص روحي بحربتك قبل أن يدركني سيف تركي يدنس شرفي ( هكذا حدثنا عنه جيبون) ********* وبمثل ذلك حدث سلطان الترك نفسه بعد قرون وهو وحيد في عباءته بين رجاله. يتنفس ضجره في وجوههم ليصرفهم عن مجلسه صارح ضيفه: هي حكمة غيب لا أعلم اسراره لكني أعرف أن اللعبة اكبر من سيفي وأدرك أن رجالي اعدائي وقد أكون آخر حبة في مسبحة السلاطين ختام الصلاة السجدة الأخيرة ********** أجاهد بدهائي ان أنقذ شرفي ( هكذا حدثنا عنه أغاخان) ********* نفس المكان.. القسطنطينية مرة ومرة أخري باسم اسطنبول مرة باسم المسيح ومرة باسم الإسلام ( شمس تطفئ وتضئ) ********** بالتأكيد.. بقي في المدينة رجل تعففت عنه السيوف اي خيبة وأي انكسار لذلك العائد من الموت مضي وهو يدق الطبول بعزم ويمني نفسه بوقفة شامخة في الميدان لكن الموت هزمه حين تخلي عنه وصرفه السلطان من الأسر بابتسامة هازئة سلبه فخار التحدي وأعاده لأيام الحمد هو ذا في أبهة العفو يمضي بقايا أيامه بين المرايا المتقابلة يتسمع صليل سيوف تتقاطر عبر الأزمان وينازل نفسه كأضحوكة ******** وهناك دائما رجل يشبهني ووجع يشبه وجعي **** بالتأكيد.. كان في المدينة عاشق (يشبهني) هرب بوجعه من بلد إلي بلد لاعنا أولئك القساة الذين يبنون مجدهم بأشلاء المحبوبات ***** بالتأكيد.... بالتأكيد سيركع في النهاية أمام السلطان ( هاتوا المجنون..) يسبح رحمته وحكمته حين حرره من عبودية الصور ووهب جسد المحبوبة للنسيان بالتأكيد... سيحاول أن يكون لطيفا وهو يعبر عن رغبته في رد المعروف (من ذا الذي يجرؤ أن يتم الكلام؟) كلمات ثم الصمت وليس سوي السلطان من يصغي لسكوت المجنون ******* أقمار تتقلب في شرفات اسطنبول أقمار... أقمار... والسلطان في سماوات أرقه يتقلب بين سؤال وجواب وهو يفكر في المجد الذي سيورثه للأحفاد أحفاد... أحفاد... ثم يهب عليهم من خلف الآفاق سيف يطلب مجدا (نفس السيف) يقتحم سقوفهم ويهد البنيان ( نفس السيف) أقمار... أقمار... ويطوف السلطان الشيخ حزينا بمقاصير جواريه وهو يفكر في قدر يسكنه غير سيوف الحرب يدهمه ذات أوان لا يعلمه ويهد البنيان ****** بالتأكيد... تؤرقه تسابيح المجنون علي الأبواب: بيدك بنيت وبيدك هدمت (من أنت؟) * نص للروائي الكبير محمد ناجي من تسابيح النسيان الذي صدر عن دار العين هذا الأسبوع