الدول توجه جيوشها إلي الخارج لشن حروب ضد بلاد أخري لأسباب عديدة ليس منها الدفاع عن الوطن والذي هو مهمة الجيش الأساسية. فهناك من يبحث خارج حدوده المحدودة عن أسواق جديدة مثلما فعلت اليابان في الماضي. أو بحثا عن مصادر ثروات مثل البترول أو الماس أو المعادن كما فعلت الولاياتالمتحدة والعديد من الدول الأوروبية الأخري مثل فرنسا وبريطانيا, وهناك من يبحث عن احتواء عدو من خلال احتلال أراض لدول متآخمة له مثلما علت الولاياتالمتحدة, أو لمجرد احتلال أراضي لتوسيع رقعة المساحة التي يعيش عليها أهل البلاد كما تفعل إسرائيل. أو تلبية لنداء أصدقاء في دول أخري كما فعلت مصر علي مدي تاريخها المعاصر في القرن التاسع عشر, من حرب المورة في اليونان إلي الأورطة المصرية التي حاربت في المكسيك بناء علي طلب من نابليون الثالث ملك فرنسا, ثم في فلسطين ثم اليمن. ولكن القاسم المشترك بين كل تلك الحروب هي أن الجنوب تخرج في معارك هي لا تفهم أسبابها, وليس لها مع من تحاربهم أية خصومة أو عداء, والنتيجة هي كما لخصتها أم لجندي أمريكي حارب في فيتنام, فقالت: لقد أرسلت لهم ابنا طيبا, وأرسلوا لي قاتلا. لأن هؤلاء الذين يحاربون بلا عقيدة أو سبب أو مبدأ, هم في النهاية يتحولون إلي مجرد قتلي. فمن بين الأمثلة علي ذلك ماكتبه الصحفي الأمريكي سيمور هيرش, الذي كتب في النيويوركر عن مذبحة ماي لي في فيتنام قبل47 عاما, حيث قام الجنود الأمريكيون أعضاء كتيبة شارلي, كما كان يطلق عليها, بالهجوم علي هذه القرية المسالمة متصورين أن يجدوا فيها قوات الفيتنكونج, ولكنهم لم يجدوا إلا مواطنين عاديين يتناولون إفطارهم, ومع ذلك لم يتراجعوا عن خططهم, فقامت القوات الأمريكية باغتصاب النساء وحرق المنازل وقتل المواطنين العزل بمدافعهم, ثم ألقوا بهم في حفرة كبيرة. من بين الجثث, سمع الجنود صوت طفل في الثالثة يصرخ ويبكي, كان الوحيد الذي لم يقتل ربما لأن والدته حمته بجسدها, لكن القائد العسكري لهذه الكتيبة لم يرحمه, فأمسك به وألقاه مرة أخري إلي الحفرة وأطلق عليه الرصاص. ماحدث كما جاء في تحقيق سيمور هيرش الذي راح يبحث عن الضباط الذي قاموا بالمذبحة, هو حسب قول ميدلو, أحد الضباط كان مجرد انتقام. في مقال آخر اعترف فيه أحد الضباط الأمريكيين الذي خدموا في أفغانستان, أنه كان جزءا من فريق أطلق عليه فريق القتل, لأنهم حسب قول الضابط, كنا نقتل المدنيين العزل من الأفغان كنوع من أنواع ممارسة الرياضة. لأنه كما قال أمام القاضي, الخطة كانت أن نقتل!!! وأوضح الضابط كيف أنهم كانوا يختلقون المواقف لتبدو وكأنهم في معركة حتي يتمكنوا من قتل مدنيين, لم يكونوا يمثلون لهم أي تهديد. إن تلك الأمثلة ليست إلا بعضا من القصص العديدة التي تبدأ في الظهور بعد مرور سنوات وسنوات علي وقوعها, فهل تجدي الاعترافات الآن؟ نعم إنها تجدي, إذا ما قرأ الحكام والخبراء والقادة والرأي العام التاريخ جيدا, للاستفادة منه حتي لا تتكرر الأخطاء. فإن القاسم المشترك الثاني بين كل تلك القصص هي عودة كل هؤلاء الجنود والضباط من المعارك بكم ضخم من الأمراض النفسية التي تظل تلازمهم ما تبقي من عمرهم, لأنهم لا يستطيعون الجهر بها. أما القاسم المشترك الثالث, فهو أن لا أحد يعود منتصرا من تلك الحروب.