وزير التعليم العالي يؤكد حرص مصر على تقديم كل أشكال الدعم للدول الإفريقية    خبراء استراتيجيون: الدولة وضعت خططا استراتيجية لتنطلق بسيناء من التطهير إلى التعمير    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    خبراء استراتيجيون: الدولة وضعت خططا استراتيجية لتنطلق بسيناء من التطهير إلى التعمير    الحكومة توافق على 11 قرارا مهما.. أبرزها شركة مشروع رأس الحكمة    الحكومة توافق على إنشاء منطقتين حرة واستثمارية وميناء سياحي بمدينة رأس الحكمة    محافظ بني سويف: إزالة 30 حالة تعد على أملاك الدولة بالمرحلة الثالثة    120 ألف وظيفة حكومية جديدة في تخصصات مختلفة.. اعرف موعد التقديم    الترويج للاستثمار في الطاقة الجديدة والمتجددة والربط الكهربائي لتحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة    «القاهرة الإخبارية»: اعتداءات إسرائيلية على جنوب لبنان وحزب الله يرد ب10 عمليات    برنامج الغذاء العالمي: قطاع غزة سينزلق إلى المجاعة خلال 6 أسابيع    واشنطن تدعو العراق لاتخاذ «إجراءات لازمة» لحماية قواتها    «نيوزويك» عن متظاهري جامعة كولومبيا المنددين بحرب غزة: لن نشارك بمفاوضات مع إدارة الجامعة    البنتاجون: بدء بناء ميناء غزة مطلع مايو 2024    ثنائي مانشستر يونايتد يقتربان من الرحيل وسط ترقب سعودي    «كهرباء الإسماعيلية» يتقدم بشكوى احتجاجا على قرار لجنة المسابقات    جِمال الوادي الجديد تحصد مراكز متقدمة بمهرجان سباق الهجن بشمال سيناء.. صور    إصابة 16 شخصا في انقلاب سيارة ربع نقل ببني سويف    استعدادا لامتحانات النقل.. مصدر ب "التعليم": التصحيح داخل المدارس بعد إضافة أعمال السنة    العدل تبدأ الجلسة الرابعة ل"اختراعات الذكاء الاصطناعى وملكية الاختراع"    الحبس عامين لربة منزل تسببت في وفاة نجلها لضربه وتأديبه بالإسكندرية    ضبط 4 أشخاص بسوهاج لقيامهم بالحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار    أفلام موسم عيد الفطر تحقق 19 مليون جنيه خلال أسبوعها الثاني في دور العرض    قصور الثقافة تقيم احتفالية الذكرى 42 لتحرير سيناء في روض الفرج غدًا    جولة سينمائية للفيلمين الفلسطينيين «مار ماما» و«حمزة» في أميركا    توقعات برج الجدي في آخر أسبوع من إبريل 2024: «حدد أولوياتك للحفاظ على استقرارك المادي»    نقل الفنانة نوال الكويتية للمستشفى بعد تعرضها لوعكة صحية    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    قد تكون قاتلة- نصائح للوقاية من ضربة الشمس في الموجة الحارة    "تحليله مثل الأوروبيين".. أحمد حسام ميدو يشيد بأيمن يونس    أرض الفيروز بقعة مقدسة.. حزب المؤتمر يهنئ الرئيس السيسي بذكرى تحرير سيناء    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    كشف غموض العثور على جثة شخص بالقليوبية    "التجديد بشرطين".. مهيب عبد الهادي يكشف مصير علي معلول مع الأهلي    عمرو الحلواني: مانويل جوزيه أكثر مدرب مؤثر في حياتي    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    إبادة جماعية.. جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بغزة    7 أيام خلال 12 يومًا.. تفاصيل أطول إجازة للعاملين بالقطاع العام والخاص    عند الطقس الحار.. اعرف ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    « إيرماس » تنفذ خطة لتطوير ورشة صيانة الجرارات بتكلفة 300 مليون جنيه    بالصور- وصول 14 فلسطينيًا من مصابي غزة لمستشفيات المنيا الجامعي لتلقي العلاج    أليجري يوجه رسالة قوية إلى لاعبي يوفنتوس بعد الهزيمة أمام لاتسيو    بالسعودية.. هشام ماجد يتفوق على علي ربيع في الموسم السينمائي    الزفاف يتحول إلى جنازة.. اللحظات الأخيرة في حياة صديقة عروس كفر الشيخ    النقل: تقدم العمل بالمحطة متعددة الأغراض بميناء سفاجا    حظر سفر وعقوبات.. كيف تعاملت دول العالم مع إرهاب المستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغربية؟    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    نائب وزير الإسكان يفتتح معرض إدارة الأصول في نسخته الخامسة    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    ريانة برناوي أول رائدة فضاء سعودية ضيفة «يحدث في مصر» الليلة    رئيس «المستشفيات التعليمية»: الهيئة إحدى المؤسسات الرائدة في مجال زراعة الكبد    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معارك الجيش المصرى خارج الحدود
نشر في الأهرام العربي يوم 26 - 12 - 2014


عرفه عبده على
صفحات من تاريخ الجيش المصرى فى العصر الحديث، حافلة بالفتوحات والانتصارات العظيمة، وبعض الانكسارات العظيمة أيضاً، وستظل المؤسسة العسكرية المصرية درع الوطن والصخرة المنيعة لحماية الأرض المصرية المصرية فى مواجهة البربرية قديماً، وحديثاً!
الجيش المصرى، أقدم مؤسسة عسكرية فى التاريخ، والعنصر الأساسى فى الدولة التى عرفتها مصر منذ آلاف السنين، جسد عبر تاريخه عظمة مصر وعبقرية شعبها، فالمحاربون المصريون حاربوا من أجل الدفاع عن حضارة مصر.
ففى عصور الأسرات الفرعونية، كان للجيش المصرى دور عظيم فى الحفاظ على الأمن القومى للإمبراطورية المصرية، سواء بصد غزوة الهكسوس ومحو آثارهم، أم بالحملات العسكرية باتجاه الشرق وباتجاه منابع النيل، وسجلت شواهد أمجاد الفراعنة أسماء أبطال خلدهم التاريخ مثل: كاموس، أحمس، تحتمس الثالث، رمسيس الثانى، وهؤلاء العظماء تؤكد سيرتهم وعطاءهم على التواصل الحضارى لشعب مصر وجيشه العظيم، الذى دعم السيطرة السياسية على حوض البحر المتوسط فى عصور البطالمة، والعصر اليونانى – الرومانى، إلى العصر الإسلامى، خصوصاً فى عهد الدولة الأيوبية وعهد سلاطين المماليك، عندما تحطم المد المغولى – بعد اجتياح المشرق – فى موقعة «عين جالوت» التاريخية، ويخلد التاريخ أبطال مثل: سيف الدين قطز، والظاهر بيبرس، وتحطمت حملات الصليبيين وفرسان المعبد بسيوف فرسان الجيش المصرى فى ملاحم خلدها التاريخ، حتى كان الغزو العثمانى لمصر عام 1517م وعلى الرغم من الهزيمة فى «الريدانية» وضعف الإمكانات، فإننا لم ننصف الملحمة الأسطورية التى قادها السلطان المصرى البطل «طومان باى» لمقاومة الاحتلال العثمانى، حتى إن السلطان سليم فكر فى الرحيل عن مصر، وقائع جسدت روح مصر الأصيلة!
إلى أن كان عصر العظيم «محمد على باشا» وابنه القائد البطل «إبراهيم باشا» اللذين أعادا بناء الجيش المصرى من أبناء مصر، فكان عصر الفتوحات العظيمة فى بلاد الحجاز ثم فى بلاد الشام وانتصاراته الرائعة على جيوش «المملكة الشاهانية» حتى وصل على مسافة 50 ميلاً من العاصمة «الآستانة»!، وعمت شهرة الجيش المصرى أوروبا، واستقبل «إبراهيم باشا» فى باريس وروما ولندن بكل مظاهر الحفاوة والعظمة والتبجيل، كما ظهر تميز أداء وبسالة الجيش المصرى فى «المورة» و»كريت» وحتى فى المكسيك!، وكلها كانت لتحقيق ودعم استقلال مصر عن «الباب العالى»، ثم الفتوحات الإفريقية، والتى ما زالت صفحة مطوية للأسف وغيرها كثير!، والتى تواصلت فى عصر إسماعيل باشا العظيم حتى وصلت حدود الدولة المصرية جنوبا ً إلى منابع النيل!
حرب "المورة".. وبداية شهرة الجيش المصرى فى أوروبا!
فى عام 1820 اشتعلت ثورة اليونان ضد الحكم العثمانى، آملين فى الاستقلال عن "المملكة الشاهانية" واستولى الثوار على كثير من الحصون والقلاع وأبادوا الحملة العسكرية التى وجهها السلطان بقيادة خورشيد باشا لإخماد الثورة، كما تمكن الثوار من تدمير سفن الأسطول العثمانى أمام جزيرتى "صاقز" و"ساموس"، انزعج السلطان محمود من أخبار فشل الحملة فى إخماد الثورة، وكانت قد تشكلت "جمعيات محبى اليونان" و"جمعيات الحرية لليونان" ضمت عدداً من أمراء أوروبا والشخصيات البارزة وعلى رأسهم الأديب الفرنسى "فيكتور هيجو" والشاعر الإنجليزى لورد "بايرون"!، فأخذ فى التدبير لمحو هذا العار الذى لحق ب"الباب العالى" وبدأ بإصدار فرمان عالى بتولية محمد على باشا على "المورة" و"كريت" ورسم له بقتال ثوار اليونان وإرجاعهم إلى طاعة السلطان، وأرسل إليه "خلع الرضا السامى"، بعد أن إقتنع بآراء مستشاريه "بتعزيز قوة السلطنة التى فقدها بقوة جديدة ويصبح لها رأس محمد على وذراع إبراهيم باشا الفولاذية"!، كما أراد بهذه الحرب أن يشغل محمد على عن طموحاته ورغبته فى الاستقلال بملك مصر والحجاز وبلاد الشام، ولبى محمد على من فوره نداء الباب العالى – خصوصاً بعد الضربات القاصمة التى نزلت بالأسطول والجيش العثمانى – فسير جيشا ً بقيادة ابنه إبراهيم باشا، قوامه 17 ألفا ً من الضباط والجنود، وصلوا فيما بعد إلى 42 ألفا ً، و63 سفينة حربية و100 سفينة لنقل الجنود والمعدات والذخيرة.
ونجحت الحملة المصرية فى إخماد الثورة فى جزيرة كريت بعد احتلالها عام 1821، وفى العام التالى نجحت الحملة فى وأد الثورة فى جزيرة قبرص واحتلالها، ثم توجهت إلى جزيرة "رودس" ليلتقى الأسطول العثمانى بقيادة "خسرو باشا" عدو محمد على ووالى مصر الأسبق، احتدمت المعارك البحرية مع ثوار اليونان فآثر خسرو الانسحاب تاركا ً المصريين وحدهم، ولجأ إبراهيم باشا إلى خطوة تكتيكية بالارتداد إلى جزيرة كريت حتى تحين الفرصة عندما نشبت الخلافات بين قادة اليونان والبحارة بسبب انقطاع رواتبهم، فتخلوا عن حماية شواطىء بلادهم، فأنزل إبراهيم باشا جنوده أولا ً فى "فتون" فى 26 فبراير 1825، ثم احتل "كورون" فى الثانى من مارس، وفى الخامس والعشرين من مارس حاصر "نافارين" التى تحصن بها نحو 10 آلاف يونانى خاضوا معارك رهيبة حتى استسلموا فى 18 يونيو 1825 ونجح إبراهيم باشا فى 23 يونيو فى الإستيلاء على "تريبولتزا" عاصمة المورة، واستعدت القوات المصرية والتركية للإجهاز على ثورة اليونان فى "ميسولونجى" التى كان يحاصرها القبطان العثمانى "رشيد باشا" من 25 إبريل 1825، فبادر إبراهيم باشا إلى نجدته، خصوصاً عقب وصول عدة قطع حربية لدعم الأسطول المصرى فى 17 أكتوبر 1825 مما أسهم فى سقوط "ميسولوجى" فى 23 إبريل عام 1826 وكان محمد على باشا مقتنعا ً أن تسليم "ميسولوجى" سيكون فاتحة مفاوضات مع اليونانيين تنتهى بتسليم شبة الجزيرة اليونانية،
أزعجت أنباء الانتصارات المصرية عواصم أوروبا، وتناست خلافاتها مؤقتا ً، واتفقت إنجلترا وفرنسا وروسيا القيصرية على بذل جهود مشتركة لإجبار الطرفين على عقد هدنة، مع محاصرة "المورة" بأساطيلهم البحرية لمنع وصول إمدادات جديدة لإبراهيم باشا، وحاصرت أساطيل "التحالف الدولى" بقيادة الأميرال البريطانى "كورنجتون" الأسطول المصرى فى خليج "نافارين"، حيث دارت وقائع المعركة التاريخية الشهيرة، التى دمر فيها معظم الأسطول المصرى، كانت الصدمة عنيفة على محمد على باشا، لكنه تقبلها بصبر جميل، وفى الثامن من أغسطس 1829 وقع اتفاقا ً بسراى رأس التين مع الأدميرال الإنجليزى "بولتنى مالكوم" بجلاء القوات المصرية عن المورة وترحيلها على سفن إنجليزية ونمساوية، وفى الرابع من سبتمبر وقع السلطان محمود معاهدة صلح "أدرنة" حيث اعترف باستقلال – محدود – لليونان.
وتجدر الإشارة، إلى أن محمد على باشا كانت تربطه أواصر الصداقة بقنصل عام اليونان فى مصر "توسيزا" وكان يشمل اليونانيين والجاليات الأجنبية عموما بعنايته، وأوصى إبراهيم باشا قبيل إبحاره إلى المورة، أن يلتزم الحكمة والعدل فى معاملة أهل كريت والمورة، وأن يتبع سياسة التسامح الدينى وأن هدفه نشر السلام فى الجزر اليونانية، وخسرت مصر فى حرب المورة نحو ثلاثين ألفا ً من جنودها، وبلغت نفقاتها عشرين مليون فرنك، غير أنها حققت مكسبا ً سياسيا ً، فقد كانت المرة الأولى التى فاوضتها فيها دول أوروبا مباشرة دون مخاطبة "الباب العالى" وأصبح لمصر دور فاعل فى السياسة الدولية، وكما أشارت تقارير القناصل الأجانب فى ذلك العصر، أن حرب المورة كانت أول حرب أوروبية يخوضها الجيش المصرى اكسبته خبرات عملية فى فنون الحرب وأساليبها الحديثة، وأثبتت أن الجيش المصرى يضارع أقوى الجيوش الأوروبية، ونال الجيش المصرى شهرة عززت من طموحات محمد على باشا فى الاستقلال عن "المملكة الشاهانية" ولو بطريق الحرب ضدها!
القرم.. جيش محدود العدد
مع حلول القرن السابع عشر، كان الحكم العثمانى قد أظل شبه جزيرة القرم بالكامل، حيث انتشر الإسلام بين الأرستقراطية الحاكمة فى "البوسنة والهرسك" وجموع من المزارعين، وكان لديهم جميع ً حساسية شديدة تجاه أى تدخل أجنبى حتى من الباب العالى، مما أدى إلى اشتعال انتفاضات عدة قادها ملاك الأراضى خلال العقدين الثانى والثالث من القرن التاسع عشر، ومع توالى ثورات شعب البوسنة والهرسك، اضطرت المملكة الشاهانية إلى إرسال جيوشها عام 1850 فى عملية كانت أشبه بإعادة فتح شبه الجزيرة وإعادة سلطة الدولة عليها!
فى عهد الوالى عباس حلمى الأول عام 1853، طلب السلطان العثمانى الدفع بالجيش المصرى لمساعدة حلفاء تركيا: إنجلترا وفرنسا ضد روسيا فى حرب القرم، بعد أن تحولت الحرب ضد الثائرين فى صربيا والبوسنة والهرسك إلى حرب عثمانية – روسية، وسافر الأسطول المصرى بقيادة الأميرال "حسن باشا الإسكندرانى" بينما سافرت التجريدة العسكرية بقيادة "سليم باشا فتحى" ورحل الوالى عباس عن دنيانا والحرب لا تزال مستعرة، وأشاد المؤرخون الأوروبيون "ببسالة الجيش المصرى وشجاعتهم وحسن نظامهم واستيعابهم لنظم الحرب الحديثة، خصوصاً فى الدفاع عن "سلستريا" و"ايباتوريا" فى حرب القرم".
عاد الأسطول المصرى إلى الآستانة عام 1855 لإصلاح بعض سفنه الحربية، غير أن سرعة الرياح، والضباب أديا إلى ارتطام السفينة "مفتاح جهاد" بالسفينة "البحيرة" فانكسرتا وغرق من فيهما من ضباط وجنود، وكان عددهم 1920 مقاتلاً، لم ينج منهم إلا 130 جنديا ً، وكان بين الغرقى قائد الأسطول: حسن باشا الإسكندرانى والأميرال سنان بك ( أصدر سعيد باشا أمرا ً بتولى أحمد باشا المنكلى قيادة الأسطول خلفا ً لحسن باشا، وتولى رئاسة أركان حرب الأسطول الأميرآلاى "على باشا مبارك" الذى كان ناظراً للمهندسخانة ) ووضعت الحرب أوزارها عام 1856 عقب هزيمة روسيا القيصرية وعقد معاهدة باريس التى أقرت "القوانين والحدود التى وضعتها أوروبا بشأن البوسفور والدردنيل"!
وتجدر الإشارة إلى أنه فى الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، فى عهد محمد على باشا، وخلال ما عرف بحروب الشام بين الدولة المصرية والدولة العثمانية، كانت روسيا أو دولة "الموسكوب" طبقاً لتعبيرات ذلك العصر، تخطط للسيطرة على مضيقى البوسفور والدردنيل للخروج من البحر الأسود إلى البحار الدافئة المفتوحة، ولم يكن الأمر ليتم دون الاستيلاء على الآستانة، ومن المدهش، أنه خلال حروب الشام وبعد أن زحف الجيش المصرى حتى وصل إلى مشارف المضايق، سارعت روسيا بالتدخل بعقد معاهدة "هنكار أسكله سى" مع الدولة العثمانية عام 1833 تعهدت فيها "بحماية المضايق من المصريين"!
تصاعدت مرة أخرى ثورات شعب شبه جزيرة القرم عام 1875، تحولت إلى حرب عثمانية – روسية عام 1877، وإذا كان عباس الأول أرسل قوات مصرية لمساعدة الدولة العثمانية عام 1853 انطلاقا من السعى لمنع الباب العالى من التعدى على وضع مصر، الذى كفلته معاهدة "لندرة" لندن 1841 باتفاق مع إنجلترا وفرنسا، فإن الخديو إسماعيل باشا عندما لبى طلب الباب العالى بمساعدة حربية مصرية فى حرب 1877، كان يسعى إلى مزيد من أسباب الإستقلال عن المملكة الشاهانية، واستمر هذا الحاكم العظيم يمارس هذه اللعبة بامتداد عهده وحصل من ورائها على مزايا عديدة لمصر لم يسبقه إليها سوى جده محمد على باشا، على الرغم من المتغيرات شالسياسية فى تلك الحقبة وتنامى التدخل الدولى فى مصر مع تفاقم الأزمة المالية،
ويلاحظ محدودية حجم المساهمة العسكرية التى قدمها إسماعيل باشا فى حرب القرم عام 1877 وبلغت 11,530 ألف مقاتل برغم أهمية هذه الحرب فى تقرير مصير الدولة العثمانية، بينما وصل عدد القوات المصرية التى أرسلها لإخماد ثورة جزيرة كريت عام 1866 إلى 23,529 ألف مقاتل، ولا تفسير لذلك سوى أن إسماعيل باشا كان فى الحرب الأولى يساوم على مزيد من الصلاحيات له ودعم استقلال مصر، بينما فى الحرب الثانية "القرم" أو البلقان لم يكن لدى الباب العالى ما يساوم عليه!، وعلى متن قطع بحرية مصرية سافرت الحملة بقيادة الأمير "حسن باشا" الابن الثالث للخديو إسماعيل، إلى الآستانة ومنها إلى "وارنه" على البحر الأسود، وأبلت أحسن البلاء فى هذه الحرب حتى انتهت فى مارس عام 1878، وكانت السابقة الأولى فى تاريخ البرلمان المصرى أن ناقش مجلس شورى النواب الموافقة على اشتراك مصر فى حرب القرم، وتقدير عدد "العساكر" المقدر إرسالهم وفرض ضريبة جديدة سميت "ضريبة الحرب" للاتفاق على الحملة العسكرية، ولحماية مصالح إنجلترا وفرنسا فى مصر، اجتمع وفدين يمثلان الدولتين فى القاهرة لبحث تأمين مصر من مخاطر تلك الحرب، وتوصلوا إلى قرار بأن أى مساعدة يقدمها الخديو للباب العالى ينبغى أن تكون فى إطار الالتزامات التى تحكم العلاقة بين مصر والدولة العثمانية.
وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد أرسلت إلى قيصر روسيا تنبهه إلى المصالح التجارية والمالية لأوروبا فى مصر، وردت الخارجية الروسية بأن "مصر فى حالة حرب مع روسيا، لأنها جزء من المملكة العثمانية وجيوشها فى ميدان الحرب، وعلى الرغم من ذلك فهى لا تريد أن تدخلها فى أعمالها الحربية بالنظر إلى مصالح أوروبا فيها خاصة انجلترا"!، والنتيجة أن روسيا فى حربها ضد الدولة العثمانية لم تكن "دبا ً" كما لم تكن بريطانيا فى موقفها من تلك الحرب "أسدا ً"!
إخماد ثورة بلاد "العسير"
إذا كانت الدولة العثمانية قد استنجدت بمحمد على باشا لدرء الخطر الوهابى، فإنها لجأت إلى حفيدة إسماعيل باشا لإخماد ثورة بلاد العسير بجزيرة العرب، بقيادة أمير العسير "محمد بن عائض" والذى عقد العزم أيضا ً على احتلال "تهامة"، وكان السلطان العثمانى "عبدالعزيز" قد ارتبط بصداقة قوية مع إسماعيل باشا، خصوصاً بعد الزيارة التاريخية للسلطان إلى مصر فى إبريل عام 1863، وهو الذى منح إسماعيل باشا لقب "خديو" بفرمان 8 يونيو عام 1867.
بادر إسماعيل باشا إلى إنقاذ طلب صديقه "الباب العالى" فى عام 1865 فأرسل ثلاث أورط من المشاة والمدفعية وثلاث كتائب من الفرسان، بقيادة الميرالاى "إسماعيل صادق بك" وعند وصولهم إلى جدة اتفق واليها وصادق بك على إرسال الحملة المصرية بمرافقة الحامية العثمانية للهجوم على ثوار عسير من جهة "قنفدة"، وكان لهجوم المصريين المباغت وقع الصاعقة على بدو عسير وفنى أكثرهم، فبادر "ابن عائض" إلى طلب العفو وتقديم الطاعة، ولم يجرؤ على فعلها مرة أخرى، ثم توسط إسماعيل باشا فى العفو عنه لدى السلطان العثمانى، فعفا عنه وأقره فى إمارته، وأرسل الباب العالى كتاب شكر وثناء على أداء "الجنود المصرية"!
"أورطة" مصرية فى المكسيك!.. سعيد باشا يساعد نابليون
في عام 1861، فى جمهورية المكسيك، كانت ثورة الشعب المكسيكي قد بلغت ذروتها ضد الرئيس " جوارز " وانتهز الفرصة إمبراطور فرنسا " نابوليون الثالث " لدعم الثائرين متذرعاً بما لحق ببعض الأوروبيين، خصوصاً الفرنسيين، من خسائر مادية طالب بها الحكومة المكسيكية التي رفضت فحاول تأليب إنجلترا وإسبانيا عليها، لكنهما سرعان ما تخليا عن هذه " المشكلة المعقدة " فانفرد نابوليون الثالث بالأمر، فأرسل إلى المكسيك جيشاً لم يستطع وحده قمع الثورة ومني بخسائر فادحة، فاستنجد بصديقه " سعيد باشا " والي مصر الذي بادر بإمداده بأورطة ( كتيبة ) معظمها من الجنود السودانيين، قوامها 1200 مقاتل، بقيادة: البكباشي جبرة الله محمد والصاغ محمد أفندي الماس واليوزباشي إدريس نعيم والبكباشي عبد الله سالم أفندي، وأبحرت " الأورطة " إلى المكسيك حيث وصلت إلى ميناء " فيراكروز " فى 23 فبراير 1863 بعد رحلة استغرقت 47 يوماً!، واشتهرت هناك بأدائها القتالي المتميز، وأشاد المارشال " فورييه " قائد الجيش الفرنسي ببساله وشجاعة الأورطة المصرية قائلاً: " إن هؤلاء ليسوا جنوداً بل هم أسود "!
في 17 مايو 1863، كان للأورطة المصرية الدور الأبرز فى سقوط مدينة " بيوبلا " وفي 22 إبريل 1864 أرسل قائد الجيش الفرنسي تقريراً أشاد فيه ببطولة وبسالة الفرقة المصرية " التي ضربت المثل الأعلي فى الشجاعة واحتمال المشاق وفنون القتال " وتوالت التقارير بهذا المعني والتي غطت 48 معركة خاضتها الأورطة المصرية وانتصرت فيها جميعاً، كما توالت الترقيات – بعد أن أقرها الخديو – وكذلك الأوسمة من الجانب الفرنسي!
وكان أداء الأورطة المصرية سبباً فى إضعاف الثورة، حتي إن الحكومة الفرنسية ولت " الأرشيدوق ماكسيمليان " النمساوي إمبراطوراً علي المكسيك عام 1864 ولكن كان النصر فى النهاية للشعب المكسيكي وقتل الثوار الإمبراطور ماكسيمليان رمياً بالرصاص فى فبراير عام 1867، وقتل قائد الأورطة البكباشي جبرة الله وخلفه الماس أفندي، وتم جلاء القوات الفرنسية والأورطة المصرية التي عادت إلى فرنسا ( فقط 300 مقاتل! ) وفي باريس، استعرضها نابوليون الثالث بصحبة القائد المصري شاهين باشا، وأعجب الإمبراطور بنظامها وهنأ الماس أفندي علي أداء وشجاعة الأورطة ومنح الأوسمة لبعض ضباطها، ووصلت الأورطة إلى الإسكندرية فى منتصف مايو 1967 فاستعرضها إسماعيل باشا فى سراي رأس التين، وأمر بترقية أفرادها مرة ثانية، وأقام لهم لطيف باشا ناظر (وزير ) البحرية " مأدبة حافلة ".
جزيرة «كريت»..دعم الدولة العثمانية
عندما تولى إسماعيل باشا عرش مصر فى 19 يناير 1863، كانت الدولة العثمانية لا تزال مشغولة بإخماد الفتن والثورات المتعاقبة فى بلاد البلقان، فلجأت إلى إسماعيل باشا لإمدادها ببعض فرق الجيش المصرى، لتعسكر فى "مناستير" على البحر الأسود حتى لا تتفاقم ثورات شعوب الجبل الأسود والبوسنة والهرسك، فأرسل إسماعيل باشا فرقة بقيادة الأميرآلاى "على غالب باشا" واستعرضها السلطان فى الآستانة، حتى نشبت ثورة عامة فى جزيرة "كريت" عام 1866 وأخفق الجيش العثمانى فى إخمادها فلجأت من جديد إلى مصر.
وأرسل إسماعيل باشا فى البداية، خمسة آلاف مقاتل بقيادة الأميرالاى "شاهين باشا" ومعه "إسماعيل صادق باشا" وتولت عمارة من الأسطول المصرى – 10 قطع – نقل الحملة إلى كريت الثائرة، كما تولت نقل الفرقة المصرية المرابطة فى مناستير.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحملة ضمت عدداً من ضباط الثورة العرابية فيما بعد، كان أبرزهم: محمود سامى البارودى والذى تقلد نظارة "وزارة" الحربية ثم رئيساً للوزراء، والضابط "راشد بك حسنى" وغيرهم ممن اكتسبوا خبرة قتالية فى كريت، اشتبك جنود الحملة مع الثوار فى موقعة "أبو قرون" حيث جرح إسماعيل صادق باشا ونقل إلى مصر، ومن الطرائف المرتبطة بهذه الحملة، فإن سياسة إسماعيل باشا بتقديم الدعم الحربى للدولة العثمانية، كانت وسيلته للحصول على فرمانات جديدة بامتيازات جديدة تحقق استقلال مصر بالفعل، فطلب من الباب العالى أن يمنحه حق تعيين سفراء لمصر لدى الدول الأجنبية، لكن الباب العالى أدرك أن غاية إسماعيل باشا هى تعجيل انفصال مصر عن الدولة الشاهانية فرفض طلبه وغضب إسماعيل و"هدد بسحب الجيش المصرى من كريت أو أن يستحوذ عليها إن لم يجب مطلبه"!
وتذهب بعض الروايات التاريخية إلى أن الخديو إسماعيل أوعز سرا ً إلى "شاهين باشا" قائد الحملة بالعمل على ترغيب سكان كريت فى الانفصال عن الدولة العثمانية والانضمام إلى مصر!، فشرع يتردد على البطاركة فى الكنائس ويفرق عليهم الأموال والهدايا، وعلمت الحكومة العثمانية فطلبت عزل القائد شاهين باشا، فاستدعاه إسماعيل باشا، وأرسل مكانه الفريق "إسماعيل سليم باشا" وزير الحربية!، الذى اشتبك مع ثوار الجزيرة فى معارك طاحنة انتهت بنصر ساحق للجيش المصرى وأخمدت الثورة، الأمر الذى دعا الخديو إسماعيل إلى إرسال رسالة بليغة من إنشاء "عبدالله باشا فكرى" الكاتب والشاعر ووزير المعارف فى وزارة الثورة العرابية فيما بعد، أثنى فيها على أداء وبسالة جند مصر، وأنعم الخديو إسماعيل برتبة "الأميرالاى" على راشد بك حسنى كتقدير خاص لكفاءته وشجاعته، وعادوا إلى مصر فاستقبلهم إسماعيل باشا "استقبال الفاتحين" وأقام لهم "الولائم الفاخرة" تكريما ً لهم!
الدرعية.. صعود أسطورة «إبراهيم باشا»
عندما استفحل الخطر الوهابي إلى حد الاستيلاء علي مكة المكرمة عام 1803 تم اجتياح المدينة المنورة، وفرضوا تعاليم دعوتهم علي أهل الحجاز وواصلوا فرض سيادتهم علي بلاد العرب، وفى عام 1809، بلغت حدود المملكة الوهابية صحراء سوريا شمالا، وبحر العرب جنوبا والخليج العربي شرقاً وساحل البحر الأحمر غرباً ( تجدر الإشارة إلى أن المؤرخين والمثقفين السعوديين يرفضون مصطلح « الوهابية « والذي انتشر فى أوروبا مع بداية القرن التاسع عشر واستخدمه الرحالة الأوروبيون فى جزيرة العرب منهم علي سبيل المثال: لويس بيلي، الكابتن سادلير، شارلز داوتي، وليم بالجريف، ويقول هؤلاء المؤرخون إن مصطلح « الوهابية « خطأ تاريخي ، وأن الاسم الحقيقي هو « الدعوة السلفية الإصلاحية « وأن أكبر أخطاء المستشرقين اعتبار العقائد والأحكام الإسلامية الصحيحة مذهباً خامساً باسم: المذهب الوهابي )!
ورأي السلطان العثماني الاستعانة بمحمد علي باشا لصد هذا الخطر، خصوصاً علي الأماكن المقدسة، ولبي الباشا طلب " الباب العالي " وشرع فى تجهيز حملة عسكرية بقيادة ابنه "أحمد طوسون " باشا عقب مذبحة المماليك وخلا له حكم مصر، وضمت الحملة المصرية 6 آلاف من المشاة وألفين من الفرسان ومثلهم من المدفعجية.
وصل طوسون باشا إلى " ينبع " فى العاشر من سبتمبر عام 1811 واستولي عليها ثم غادرها إلى " بدر " ثم إلى " الصفراء " ومنها إلى " الحديدة " حيث التحم بالجيش الوهابي الذي كانت له الغلبة فى البداية، حتي وصل مدد جديد من القاهرة، فتغلب عليهم ثم واصل زحفه إلى " المدينة المنورة " وهدم أسوارها وأرغم الحامية الوهابية علي التسليم فى نوفمبر 1812، مما كان له أكبر الصدي فى سائر أنحاء الحجاز، ثم واصل زحفه إلى "مكة المكرمة " وطرد منها الوهابيين فى بداية عام 1813، وفتح طريق الحج وأرسل قائد حامية مكة إلى والده، الذي بعث به مخفوراً إلى الأستانة فأعدم علي الفور، وكانت هناك معارك رهيبة بين الطرفين، وبدأ الوهابيون يستعيدون بعض ما خسروه، ورأي الباشا محمد علي أن الأمر يتطلب ذهابه بنفسه إلى ساحات القتال، فوصل علي رأس حملة قوامها 30 ألف مقاتل إلى جدة فى 28 أغسطس 1813، تقدم الأمير طوسون نحو "نجد " معقل الدعوة الوهابية، غير أنه أوقف الزحف لنفاذ المؤن، ووصلت أنباء عن مؤامرة تدبر فى القاهرة ضد نظام الباشا، فاضطر إلى العودة، ثم شرع فوراً فى إعادة بناء الجيش علي النظام العسكري الفرنسي أو " النظام الجديد "!
كان إبراهيم باشا يتمتع بالكثير من مزايا والده – كما تصفه المصادر الأوروبية فى حينها – كما كان قاسياً، جباراً، جريئاً وشعاره: " تقدم بطئ لكن علي أساس متين " وشرع فى إعداد جيشه ومعه عدد من المستشارين الأوروبيين .
فى يناير عام 1815، عهد محمد علي باشا إلى ولده إبراهيم باشا بقيادة الحملة المصرية، بعد أن عاد الأمير طوسون إلى القاهرة عندما أصيب بالحمي وسرعان ما فارق الحياه.
وصل إبراهيم باشا إلى " ينبع " بجيش قوامه خمسون ألفاً من الجنود المدربين علي النظام الجديد، ويدعمهم أسطول من المراكب الحربية و"الشواني " الكبيرة، وفتح فى طريقة عدد من المدن والبنادر، بعد أن أعمل فى أهلها القتل والنهب حتي وصل إلى "الموتان" حيث التقي الجيش الوهابي، وكانت معركة دموية بين الجيشين، انتهت بانتصار الحملة المصرية وتم أسر عدد من زعماء الوهابية وشيوخ القبائل – واتجه الكثير منهم نحو " الدرعية " ثم واصل إبراهيم باشا زحفه إلى " الشقرا " ونجح فى استمالة الكبار من شيوخ العشائر، بعد أن أغدق عليهم الأموال والهدايا، ففتحوا له الدروب المؤدية إلى "الواحات " الوهابية فى نجد، وقام بغارات قصيرة فى " القصيم " وغربي جبل شمر، ووصل فى يوليو 1817 إلي " الرس " التي حاصرها لمدة أربعة اشهر عجاف حتي استسلم أهلها، ثم مضي إلى " الدرعية " وبعد قتال عنيف حاصرها، وضيق عليهم الخناق، وتشير بعض المصادر إلى فقدان الحملة المصرية لنحو ثلاثة آلاف مقاتل خلال تلك المعارك الرهيبة!
ووصل إلى إبراهيم باشا مدد جديد مكنه من اجتياح الدرعية وتدميرها بالكامل، وأسر من تبقي من الوهابيين وكانوا نحو الأربعمائة وأرسلهم إلى القاهرة، حيث أسكنهم الباشا فى المكان المعروف ب " القشلة " بحي الأزبكية (حتي يومنا هذا، يحرص المؤرخون السعوديون ولهم كل الحرية علي استخدام مصطلحات منها: " الاحتلال المصري " وقطائع إبراهيم باشا فى الدرعية،مع تناولها بأدق التفاصيل .
عاد إبراهيم باشا إلى القاهرة التي دخلها من باب النصر فى موكب حافل فى يوم مشهود، وصعد بموكبه إلى قلعة الجبل، حيث التقي الباشا والده وألبسه خلعة فاخرة، ثم عاد إلى مقره بالروضة الذي تزاحم علي بابه المهنئون ومدحه الشعراء، ومن ذلك الحين " ظهرت كلمته واتسعت شهرته وهابه الكبراء والأمراء" ووصلت أنباء انتصارات الحملة المصرية إلى " الباب العالي " الذي سر بها سروراً عظيماً وخلع علي محمد علي وإبراهيم باشا " الخلع النفيسة والهدايا والتحف الغالية " وأمر بإقامة الاحتفالات فى الآستانة بعد القضاء علي الوهابيين وكافأ السطان العثماني البطل إبراهيم باشا بتعيينه والياً علي الحجاز والحبشة!، ولتبدأ صفحة جديدة فى العلاقات بين القاهرة وأسطنبول بعد أن استشعر " الباب العالي " قوة محمد علي باشا وجيوشه، وبدأ العمل مع قيصر روسيا من ناحية وإنجلترا وفرنسا من ناحية أخري لتحجيم طموحاته!
ويمكننا أن نوجز تلبيه محمد علي باشا لطلب السلطان العثماني ب " تأديب الوهابيين " فى عدة أهداف: أولها تعزيز مكانته فى العالم الإسلامي بدرء الخطر الوهابي وبسط نفوذه علي البقاع المقدسة، والثاني أن يعلم السلطان قدر قوته ويكف عن مثاوئته، والثالث التخلص من الجنود العثمانيين والألبانيين الذين كانوا دائماً مصدر اضطراب وقلق للباشا، ورابعاً أن يؤدي انتصاره علي الوهابيين إلى تأليب رجال الحكم فى الآستانة علي " خورشيد باشا " والي دمشق، العدو اللدود لمحمد علي، فيعزل لفشله فى دحر الوهابيين، وهذا ما تحقق بالفعل عندما عزله الباب العالي عقب دخول الحملة المصرية إلى الحجاز.
حروب الشام.. المسألة المصرية .. ومنابع النيل
مرة أخرى – طلب الباب العالى – السلطان محمود تدخل محمد على باشا لوأد الفتن والثورات فى بلاد الشام، بسبب ضجر الأهالى من عسف وظلم الحكم العثمانى، وأحكام الإعدام الفورية – الشهيرة – التى كانت تباشرها الحاميات العثمانية ضد آلاف الثائرين وغير الثائرين!، واستغل الباشا الفرصة ، وأدار ما عرف ب"حروب الشام" لحساب المملكة المصرية!
استغرقت حروب الشام السنوات من 1829 حتى 1839 واتبع الجيش المصرى بقيادة إبراهيم باشا والجنرال سيف "سليمان باشا الفرنساوى" أحدث أساليب الحرب وكان أداؤه رائعا ً، وتحولت فتوحات الشام إلى حرب ضد الدولة العثمانية، وتوالت هزائم الحاميات التركية فى: يافا وحيفا، وعكا بعد حصارها لمدة ستة أشهر، وتوالت انتصارات الجيش المصرى فى: صور وصيدا وبيروت ثم دمشق وحمص وحماة وحلب، وأنطاكية وبيلان – ولتعود بلاد الشام وقبلها الحجاز إلى السيادة المصرية مثلما كانتا فى عصرى الدولة الأيوبية ودولة السلاطين المماليك – ثم أدرنة واجتاز جبال طوروس حتى وصل إلى قونية، إلى أن وصل الجيش المصرى إلى كوتاهية فى 22 فبراير 1833، بعد أن حقق انتصارات ساحقة ووقع "الصدر الأعظم" أسيرا ً بأيدى جنود مصر!
وعبرت الصحف الأوروبية عن انبهارها بانتصارات الجيش المصرى، وقالت: "إن محمد على يرغب فى إحياء عرش البطالمة العتيد وعصرهم المجيد"!،كما أشادت بالقائد "إبراهيم باشا" وبشخصيته المتميزة، والخبرات والمواهب الحربية التى اكتسبها، وأشارت إلى كفاءته الإدارية فى تنظيم الحكم المصرى فى بلاد الشام وتوطيد دعائم فيها، وطبقت شهرته آفاق أوروبا واقترن اسمه بأسماء كبار القادة والفاتحين، وخلال زياراته لباريس وروما ولندن قوبل بالحفاوة والتقدير، حتى إن الملكة "فيكتوريا" عام 1826 أحاطته بمظاهر خاصة من التبجيل والعظمة الواجبة!، توقف تقدم الجيش المصرى من قلب آسيا الصغرى نحو ضفاف البوسفور، وكان على مسافة 50 ميلا من الآستانة!، فبادرت دول أوروبا إلى التحرك سريعا ً لوقف توغل الجيش المصرى فى ممتلكات "الرجل المريض" والتى خططت لاقتسامها فيما بعد، وفيما بينهم!، وأن تحرم محمد على باشا من قطف ثمار فتوحاته، وساندت فرنسا محمد على، بينما تحالف قيصر روسيا مع السلطان العثمانى، واجتمع سفراء دول: فرنسا، إنجلترا، بروسيا، النمسا، روسيا فى الآستانة، وواصلوا اجتماعاتهم فى "فيينا" برئاسة "ميترنخ" من أجل إيجاد "حل للمسألة المصرية" طبقا ً لتعبيرات الصحف الأوروبية فى وقتها!
ووجهت أوروبا تهديداتها وضغوطها نحو محمد على باشا، والذى قال قولته الشهيرة: "أمن مصر يبدأ من جبال سوريا"!، كان محمد على أميا ً ولم يعرف القراءة والكتابة إلا فى سن الخامسة والأربعين، أدرك مبكرا ً نظرية الأمن القومى خارج الحدود، وكان أكثر مصرية من الإخوان والجماعات الإرهابية!
بعد مفاوضات بين دول أوروبا والسلطان العثمانى وروسيا، وضغوط على كلا الطرفين، وقع الباب العالى "اتفاقية كوتاهية" فى 15 مايو 1833 بضمان الدول الأوروبية، والذى يقضى بمنح محمد على باشا حكم بلاد الشام حتى جبال طوروس، مع زيادة الجزية السنوية، وقررت أوروبا أن "المسألة المصرية قد حُلت"!، ووضع إبراهيم باشا ضمانات حدود الدولة الجديدة وشيد حصوناً وقلاعاً فى مدن الشام، وبطول جبال طوروس!
ومع امتداد المملكة المصرية إلى بلاد الشام، وبلاد الحجاز، أدرك محمد على العظيم أن وحدة وادى النيل السياسية مرتبطة ارتباطا ً وثيقا ً بوحدته الجغرافية، فشجع حركة الاكتشافات الجغرافية والأبحاث العلمية عن منابع النيل، وفتح الطرق التجارية إلى داخل إفريقيا، واكتشاف مناجم الذهب والأحجار الكريمة، وامتدت السيادة المصرية على النيل الأبيض والنيل الأزرق، بدءا ً بالسودان وكردفان والصومال الكبير وأوغندا وجزء من بلاد الحبشة، واستمر النفوذ المصرى حتى عهد عباس حلمى الثانى، وعندما أرادت بريطانيا فى عهد إسماعيل باشا ترسيم الحدود الجنوبية لمصر، كانت قولته الشهيرة: "حدود مصر الجنوبية تبدأ من منابع النيل"!
فلسطين.. الحرب التى مهدت لثورة يوليو
خانت بريطانيا وعودها للعرب بمنحهم الاستقلال عن الحكم التركى وتلاعبت عن طريق مكتب الاستخبارات البريطانى: ديكسون، جيرترود بل، لورانس، فيلبى، فى الموصل وجزيرة العرب، بجميع القادة والزعماء!، إلى أن صدر عن وزير خارجيتها – عندما نظر بعين العطف – إلى انشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، فيما عرف ب"وعد بلفور" فى 2 نوفمبر 1917.
وعلى الرغم من التعاون الوثيق بين الوكالة اليهودية وبريطانيا، فإن الحركة الصهيونية لم تنجح إلا فى الاستحواذ على 6 % من مساحة فلسطين، وتوالت الهجرات اليهودية إلى أرض الميعاد واشتعلت ثورات الشعب الفلسطينى، خصوصاً ثورة 1936 التى قوبلت بالحديد والنار من سلطات الانتداب البريطانى، واتبعت المنظمات الصهيونية الإرهابية سياسة التطهير العرقى بارتكاب أبشع المجازر فى تاريخ الإنسانية، وتصاعدت الأحداث حتى كان قرار تقسيم فلسطين، الذى أوصى بإنشاء دولة يهودية على 54 % من أرض فلسطين، والباقى للعرب، مع تدويل القدس تحت إدارة منفصلة!
كانت العصابات الصهيونية أفادت من التدريبات والقتال مع الجيش البريطانى خلال الحرب العالمية الثانية، مما أكسبها خبرات قتالية، بالإضافة إلى التسليح الجيد من مخازن الجيش البريطانى، وحتى بداية حرب 1948 كان قد تشكل جيش صهيونى قوامه 64 ألف جندى وضابط مدربون طبقا ً لأحدث أساليب الحرب وقتها!،
ومما يثير دهشتى، إصرار وسائل الإعلام المصرية والعربية حتى يومنا هذا، إذا تذكرت نكبة فلسطين وحرب 1948، على مقولة انتصار الجيش الإسرائيلى على "الجيوش العربية مجتمعة"!!، دون أدنى تفكير فى أن البلاد العربية – المحتلة أصلا ً – لم يكن لها جيوش حتى تجتمع، وإنما بعض القوات الرمزية، حتى مصر، كان تعداد جيشها 18 ألف جندى، طبقا ً لتعليمات سلطات الاحتلال البريطانى!، واستجابة لغضبة الشعوب العربية وتظاهراته، دخلت قوات نظامية صغيرة من بعض البلاد العربية، ولم يحارب سوى القوات المصرية وكتائب المتطوعين المصريين، فعند اندلاع الحرب، لم تشارك القوة العراقية بحجة "ماكو أوامر"!، أما الفيلق الأردنى بقيادة الجنرال "جلوب" البريطانى، فلم يطلق رصاصة واحدة!.
وتؤكد المصادر التاريخية أن القوات العربية لم تتجاوز ثلث القوات الإسرائيلية!، اشتبكت القوات المصرية فى معارك شرسة مع الجيش الإسرائيلى، بالإضافة إلى خدعة الهدنة، كان احتلال "اللد" و"الرملة" من الفصول المأساوية فى تاريخ فلسطين، عقب انسحاب الفيلق الأردنى، وهجوم الصهاينة من الشمال والشرق، وواصلوا سياسة المذابح ولم تخل قرية فلسطينية من القتل والتدمير والترويع.
وخلال المعارك، استشهد البطل "أحمد عبدالعزيز" فى واقعة مريبة وبرصاصة مصرية!، وفقدت القوة المصرية – فى النهاية – قدرتها على القتال، وتحت رعاية الأمم المتحدة، ثم توقيع اتفاقيات هدنة بين الجانب الإسرائيلى ومصر ثم الأردن ولبنان ثم سوريا، وعقب توقيع الاتفاقيات، احتل الجيش الإسرائيلى – دون طلقة رصاص واحدة – النقب الجنوبى حتى وصلت إلى "أم رشراش – إيلات الحالية"! ورفع العلم الإسرائيلى على رأس خليج العقبة!، وقبيل توقيع إتفاقية الهدنة مع الأردن، تنازل الملك عبدالله عن 436 ك.م.مربع من أخصب الأراضى الفلسطينية، وطبقاً لشروط الهدنة، خرجت القوات المصرية المحاصرة فى "الفالوجا" بكامل سلاحها، وكان من بينهم بعض الضباط الأحرار، وتخطت إسرائيل خط التقسيم فى جميع الجهات باحتلالها ما يزيد علي 24 % من مشروع التقسيم فى مساحة تبلغ 6,300 ك.م.مربع، ليصل مجموع المساحة المحتلة 78 % من أرض فلسطين!، إلى أن ضاعت كل فلسطين فى حرب الخامس من يونيو عام 1967 ومعها سيناء وهضبة الجولان!
وتجدر الإشارة إلى أن الملك فاروق كان متحمسا ً لخوض الحرب ضد العصابات الصهيونية وإنقاذ الشعب الفلسطينى من المؤامرة الدولية، مما يعلى من مكانته بين الشعوب العربية والإسلامية، لكن حلفاءه غدروا به، فالمشاركة العربية – فى الجبهة المشتركة – تكاد لا تذكر أو تتضمن خيانة!، فقد خدعه الملك عبدالله وعقد صفقة مع الإسرائيليين فى "اللقاء المشبوه" مع مندوبة الموساد!، وعقب ثورة يوليو 1952، اتهم الملك بتدبير صفقة الأسلحة الفاسدة الشهيرة، وثبت براءته منها، كما قيل: كان ينبغى على جلالته أن يدرك أن جيشه – المحدود – غير قادر على كسب معركة مع اليهود، فالجيش المصرى فى ذلك الحين كان مدرباً تدريباً جيدا ً، حسن التنظيم وروحه المعنوية مرتفعة، وهو ما شهد به الصهاينة أنفسهم!، لكن الأهم، أن الجيش دخل حرب فلسطين ومخزونات الإمداد والتموين لا تكفى أكثر من ثلاثة أيام، وعندما وصل إلى غزة كانت الذخيرة قد نفدت!، وبشىء من الإعداد والتخطيط الجيد كان يمكن توفير المزيد من الذخائر والأسلحة والعتاد، ولو من السوق السوداء!، خصوصاً مع توافد العشرات من تجار السلاح الدوليين إلى المنطقة ليعرضوا بضاعتهم، وكان على رأسهم "لطفى توزان" السفير التركى السابق فى اليونان، والذى كان يقول عن نفسه: "أنا لا أهتم بأية صفقة سلاح تقل عن مليون جنيه"!،
والملك فاروق ليس مسئولاً عن مؤامرات "حلفائه" ولا عن نقص الإمداد والتموين وتعبئة الموارد!، وتحمل الملك وطأة الاتهامات، وخرج الملك من هذه الحرب الفاشلة بعزم قوى لإجراء إصلاحات جذرية فى الجيش المصرى، تبدأ بالتخلص من "محمد حيدر باشا" القائد العام ووزير الحربية، ومجموعته!، باعتبارهم المسئولين عن الهزيمة، اقتنع الملك بضرورة إعادة بناء الجيش، بالاستعانة ببعض الخبراء العسكريين الألمان السابقين، وبالفعل بدأت لقاءاته السرية بالجنرال "آرتور شميت" أحد قواد جيش "روميل"، وصل شميت إلى القاهرة فى 11 يوليو 1949 باسم: "الهر جولد شتاين"!
كان أول طلب للجنرال شميت: دراسة أوضاع الجيش المصرى على الطبيعة، وانتقد تفكير "حيدر باشا" بإنشاء فرق منفصلة للدبابات والمدفعية والمشاة!، وهذا وحده كفيل بعرقلة أى هجوم!، ولا يتوافق مع أساليب الحرب الحديثة، وطلب تقارير الحرب للوقوف على أسباب هزيمة 1948 بالإضافة إلى صور من الأوامر الأساسية التى أصدرتها القيادة العليا للجيش، فرفض حيدر باشا بشدة!، كما انتقد ضعف أركان الحرب وأسلوب إدارة الحرب فى فلسطين بأساليب القرن التاسع عشر!
والحديث يطول عن خطط الجنرال شميت، بالاستعانة ببعض المستشارين العسكريين الألمان، وطموحاته فى إعادة بناء جيش مصرى قوى، وفقاً لأحدث أساليب الحرب، وإحداث نقلة نوعية فى فرق المدرعات والمدفعية، والعمل على إنشاء قوة جوية لا تقل عن 2000 طائرة حربية!
وقد لا يعرف الكثيرون أن "حيدر باشا" بطل هزيمة 1948 هو خال المشير "عبدالحكيم عامر
على كل حال كانت هذه الحرب سببا مباشرا لتأسيس ... الضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر ومن ثم الشهيد لثورة يوليو 1952.
اليمن..الحرب المثيرة للجدل
فى السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 قاد " عبد الله السلال " قائد حرس الإمام البدر حميد الدين انقلاباً عسكرياً، وبادرت القيادة السياسية فى مصر بتأييد " الثورة " ضد الحكم الملكي، كانت ثورة ضعيفة لم تحظ بتأييد القبائل والعشائر فى اليمن، وبدأ إرسال قوات من الجيش المصري، أول دفعة كانت ألف جندي وضابط، وصل عددهم خلال السنوات التالية إلى نصف مليون جندي، حارب الجيش المصري فى أجواء بالغة الصعوبة، وفي مواجهة قبائل شرسة متحفزة تحتمي بالجبال، بلغ عدد مقاتليها أكثر من 200 ألف، ومعها مرتزقة من كوبا وأمريكا اللاتينية، دعمتهم بريطانيا والمملكة السعودية ( إبان العداء مع نظام ناصر ) بالمال والسلاح وصل عددهم إلى أكثر من 25 ألفاً بالاضافة إلى القوات اليمنية التي بقيت علي ولائها للإمام، الذي لجأ للسعودية!.
أدركت القيادة السياسية والعسكرية فى مصر متأخراً صعوبة الاستمرار فى هذه "المغامرة " علي الرغم من الترويج الإعلامي، وبدأ سحب الجيش المصري بالتدريج، خصوصاً عندما لاحت نذر الحرب مع الكيان الصهيوني عام 1967، وقتل فى هذه الحرب اكثر من 200 ألف يمني، وخسرت مصر 26 ألفاً من حنودها، بخلاف العتاد الحربي، هذه الحرب أثارت ومازالت تثير الجدل بأنها أثرت علي قدرات لجيش المصري واستنزفت قواه.
حرب الكونغو..دعم حركات التحرر
كان بين أهداف نظام عبدالناصر – خصوصاً فى الستينيات – دعم حركات التحرر عربيا ً وإفريقيا ً، ففى عام 1960، وعقب الحرب الطاحنة التى خاضها شعب الكونغو ضد الاحتلال البلجيكى المدعوم من الغرب، وتولى الثائر "باتريس لومومبا" الحكم الوطنى للبلاد، اغتيل بمؤامرة مخابراتية غربية قادها العميل "تشومبى" وتوترت الأحوال وبدأت حرب أهلية بين الولايات الثلاث للدولة، وصدر قرار مجلس الأمن بإرسال قوات حفظ سلام دولية.
وافقت مصر على إرسال قوة مصرية مشاركة من 500 جندى وضابط، ضمن القوات التابعة للأمم المتحدة، وكان قائد القوة المصرية "العقيد سعد الدين الشاذلى" ونقلت القوة المصرية على طائرات أمريكية C130.
ومع سطوع نجم عبدالناصر فى سماء إفريقيا، تم تجهيز القوة المصرية بمطبوعات – بالعربية والفرنسية – وأعلام مصر، ومبلغ 50 ألف دولار للصرف منها على بعض الزعامات المؤثرة فى حركة التحرر، وتم اختيار موقع القوة المصرية بعناية من أجهزة استخبارات العرب، وبالتحديد فى أقصى الشمال الغربى للكونغو بعيد ً عن العاصمة "ليوبولدفيل" بأكثر من ألف كيلو متر!، أضف إلى ذلك الحملة الإعلامية المدبرة للهجوم على مصر وعبدالناصر، مما أدى إلى تصاعد العداء ضد مصر بين الشعب الكونجولى!
تجدر الإشارة إلى أن ثلث الكتيبة المصرية كانوا من الجنود السوريين، إبان الوحدة بين مصر وسوريا، وطبقا ً لتصريحات الفريق أول سعد الدين الشاذلى، فيما بعد، أنه وبتوجيهات من القيادة السياسية فى مصر، ولدعم حركة التحرر فى الكونغو عسكرياً وسياسياً، كان "الكولونيل الشاذلى" يصطحب فى طائرته "اليوشن 14" ما بين 10 و20 من جنود القوة المصرية، فى كل رحلة إلى مطار العاصمة "ليوبولدفيل"!، حتى علم الجنرال "راهنور" قائد قوات حفظ السلام فى الكونغو، فإستدعى "الشاذلى" وطلب منه سحب الجنود المصريين وعودتهم إلى موقعهم المحدد فى شمال البلاد، رفض "الشاذلى"، وتأزم الموقف، إلى أن عقدت جلسة مفاوضات بالاشتراك مع د "مراد غالب" سفيرنا فى الكونغو فى ذلك الوقت، ومندوب عن أمين عام الأمم المتحدة "داج همرشولد" وتمت تسوية الموضوع ببقاء القوة المصرية – التى سربها الشاذلى – داخل خيام فى منطقة نائية من المطار!
عاصفة الصحراء..بطاريات « آمون « وتحرير «الكويت» من حفر الباطن
قادت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تحالفاً دولياً ( 35 دولة ) لخوض حرب تحرير الكويت المعروفة ب " عاصفة الصحراء " فى الفترة من 17 يناير حتي 28 فبراير عام 1991، وشاركت مصر فى ذلك التحالف وتصدرت قواتها مشهد انطلاق العاصفة!
أرسلت مصر فرقاً من المشاة الميكانيكية والصاعقة والمدرعات قوامها 35 ألفاً من الجنود والضباط، بقيادة اللواء أركان حرب محمد علي بلال ثم استبدل باللواء صلاح حلبي.
وصلت القوات المصرية إلى منطقة " حفر الباطن " شرق المملكة السعودية، علي أربع مراحل:
القوات الخاصة
الفرقة الثالثة الميكانيكية
الفرقة الرابعة المدرعة
وحدات الإسناد الإداري والفني
تمركزت القوات المصرية فى أقصي يسار الحدود الكويتية العراقية، وتحدد دورها فى الاندفاع علي محور حفر الباطن مطار علي السالم مدينة الكويت، ثم الالتفاف يساراً تجاه الحدود بهدف عزل جنوب الكويت عن شمالها، واشتبكت معها القوات العراقية اشتباكاً عنيفاً بالدبابات والمدفعية أثناء مرحلة فتح الثغرات، ووضح خطأ الحسابات العسكرية للعراقيين، عندما حشدوا قواتهم فى المنطقة المواجهة للقوات المصرية، ولم يخطر ببالهم عملية التطويق التي قامت بها القوات الأمريكية، والتي استهدفت بشكل خاص قوات الحرس الجمهوري العراقي فى جنوب الناصرية!
خسرت مصر أحد عشر جندياً، وتم شطب جزء من ديونها، والأهم إشادة قادة التحالف الدولي بمنظومة " آمون " المصرية التي أظهرت كفاءة عالية فى إسقاط صواريخ كروز العراقية، الصينية الصنع، فبادرت الكويت إلى طلب التعاقد لجلب المزيد من بطاريات آمون، والتي حازت على إعجاب الجنرالات الأمريكان، فطلب البنتاجون عقد صفقة مع مصر لتوريد المنظومة مقابل طائرات الآباتشي!
حروب «الإمبراطورية المصرية» بأفريقيا فى عهد الخديو إسماعيل
قد يختلف المؤرخون فى « إسماعيل باشا » لكنهم يتفقون على عظمة شخصيته التى لم تعرف المستحيل، وهو الذى آثر الإصلاح القوى العنيف من أجل الأخذ بأساب الارتقاء الحضارى فى جميع المجالات، بالإضافة إلى طموحاته فى جعل مصر إمبراطورية عظيمة كما كانت قى سالف الزمان!
عقد الخديو إسماعيل العزم على توسيع حدود مصر الجنوبية وامتدادها فيما يعرف فى تاريخنا المعاصر ب « القرن الإفريقى»، وهو الذى كان حريصاً ف مفاوضاته مع الإنجليز والفرنسيين حول ترسيم الحدود الجنوبية على التأكيد بأن « حدود مصر الجنوبية تبدأ من منابع النيل»! وكانت الحملة التى وجهها جده محمد على إلى السودان فى يونيو 1820 بقيادة ولده إسماعيل باشا – الذى قتل هناك – وقد وصلت إلى سنار وكردفان بعد وقائع رهيبة !
كانت البداية عندما أعلن عن عزمه على القضاء على تجارة الرقيق، كانت غاية إنسانية بلا شك، لكنها كانت تحمل فى طياتها تحقيق أهدافه السياسية فى نفس الوقت، كانت الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية قد أوفدت «أسبيك « و»جرانت « ثم «صامويل بيكر « لاكتشاف منابع النيل، واكتشفت بحيرة «إيكردى « والتى سميت بحيرة « فيكتوريا نيانزا « فى 28 يوليو 1862 إلى أن اكتشف « ص . بيكر «بحيرة « إلبرت « فى 14 مارس 1864 من أعجب إسماعيل بشخصيته الرجل واكتشافاته وطلب منه الدخول فى خدمة الحكومة المصرية، وخلال احتفالات افتتاح قناة السويس فى 17 نوفمبر 1869 عهد إليه بقيادة « تجريدة « هدفها لإنشاء محطة عسكرية فى « فاشودة « قوامها 1654 جندى وضابط و200 من الخياله، وجاء فى « الأمر العالى» الصادر للسير ص . بيكر : « نحن إسماعيل خديو مصر نظراً لشراسة أخلاق القبائل المقيمة فى حوض النيل، ونظراً لعدم وجود حكومة ولا قوانين ولا أمن فى تلك الأصقاع، ونظراً لان الانسانية تجأر بضرورة الضرب على أيدى صيادى الرقيق، ونظراً لأن نشر التجارة فى تلك الأصقاع يعتبر خطوة عظيمة فى سبيل المدنية مما يؤدى حتماً إلى فتح طريق الملاحة البخارية فى البحيرات الكبرى الواقعة فى منطقة خط الاستواء فى أواسط أفريقيا وقيام حكومة نظامية دائمة، قد قررنا وأصدرنا أمرنا بما يأتى :
أعداد تجريدة تكون غايتها أولا : إخضاع الأصقاع الواقعة فى جنوبى غوندوكرو لسيادتنا، ثانياً كمنع تجارة الرقيق، ثالثاً: إدخال نظام لنشر التجارة، رابعاً : فتح البحيرات الكبرى فى منطقة خط الاستواء للملاحة، خامساً : إنشاء سلسة محطات عسكرية فى أوساط إفريقيا ومستودعات تجارية وأن تكون غندوكرو قاعدة الأعمال الحربية « .
كانت المهمة شاقة وبالغة الصعوب، خصوصا فى عملية نقل أجزاء البواخر النيلية الجديدة إلى ظهور الإبل ( 30 سفينة ) عبر صحراء النوبة، بالإضافة إلى المعدات الثقيلة وبطاريات المدفعية، فى 8 فبراير 1870 وصلت الحملة إلى مثلث نهر السوباط جنوبى « فاشودة» وتأسست « محطة التوفيقية العسكرية « ثم واصل بيكر طريقه إلى غوندوكرو التى وصل إليها فى 15 إبريل 1871 وفى 26 مايو أقيم احتفال كبير أعلن فيه رسمياً ضم هذه البلاد إلى المملكة المصرية، وتلى بيكر الاعلان الرسمى تحت سارية العلم المصرى التى بلغت 80 قدماً ثم رفع العلم المصرى وأدى الجنود التحية وأطلقت المدافع تحية لهذه المناسبة، وقام بيكر بتغيير اسم جوندوكرو إلى « الإسماعيلية» !
فى 22 يناير 1872 واصل تقدمه فى النيل الأبيض وأسس نقاطاً عسكرية « حاميات « فى أعالى النيل أشهرها « الابراهيمية « على بحر الجبل وشيد حصوناً أخرى، واجتاحت الحملة المصرية مملكة « أونيورو» المتاخمة « لبحيرة ألبرت شرقاً وأعلن بيكر ضمها إلى أملاك مصر فى 14 مايو 1872 ثم واصل التقدم فى مملكة « أوغندا « وسرعان ما أعلن ملكها «أميتسي» ولاءه لخديو مصر، وتبادل الهدايا مع السيربيكر الذى أشار فى مذكراته إلى اعتناق ملك أوغندا الإسلام كما أنشأ مسجداً كبيراً « وفتح الطريق بين أعالى النيل و»زنجبار»وفى ابريل 1873 انتهت خدمة بيكر وعاد إلى القاهرة وأنعم عليه الخديو بالنيشان العثمانى، وأنعم على القائمقام « عبد القادر بك حلمى « أركان حرب الحملة برتبة الأميرالاى باعتباره «صاحب المواقع المحمودة فى الدفاع عن سلطة مصر فى السودان « ... وتجدر الإشارة إلى ما ذكره السير ص . بيكر فى مذكراته: «كان الأمن العام فى عهد إسماعيل مستتباً فى جميع بلاد الخديو وكان المسافر المسيحى على طول الطريق من الاسكندرية إلى الخرطوم يشعر بطمأنينة وأمان قد لا يشعر به أحد من أبناء لندن فى حديقة هايد بارك ليلاً « !
ثم عهد إسماعيل إلى الجنرال « جوردون باشا « بتولى منصب مدير مديرية خط الاستواء، وهو صاحب الوقائع الشهيرة التى انتهت بمصرعه خلال الثورة المهدية .. تصاعدت مخاوف أوروبا من السياسة التوسعية للخديو فى السودان وما حوله، وأدركت وزارات الخارجية الأوروبية قوة مصر فى عهد إسماعيل، خصوصا بعد إنجاز مشروع قناة السويس ورغبته فى الاستقلال عن تركيا وخططه التوسعية فى إفريقيا، بالإضافة إلى استعانته بالضباط الأمريكان فى تنظيم الجيش المصرى بدلاً من الضباط الإنجليز أو الفرنسيين المعروفين بخدمة الأطماع السياسية لبلادهم فى مصر فى 20 فبراير 1874 أصدر الخديو أمر عال بتعيين الأمريكى الكولونيل «شالى لونج « رئيساً لأركان حرب الجنرال جوردون « من أجل المحافظة على المصالح المصرية « وخلال مقابلته مع الخديو، أكد له إسماعيل أن إنجلترا أعدت حملة بقيادة « ستانلى « هدفها الحقيقى: رفع العلم البريطانى على ربوع أوغندا، وطلب منه سرعة التحرك إلى جوندوكرو « وأسبق حملة لوندره « وفى كتابه « مصر ومديرياتها الضائعة « كتب لونج» لقد توصلت إلى إصابة الهدف السياسى من وراء المهمة التى كلفت بها ونجحت فى ذلك وعقدت معاهدة مع الملك اميتسى اعترف فيها بوضع مملكته تحت حماية مصر واتخذت أساساً للمذكرة الرسمية الصادرة عن شريف باشا ناظر الخارجية المصرية إلى قناصل الدول وبعد ذكر المواقع الحربية التى خاضها الجيش المصرى «، وعلى ذلك قد تم إلحاق جميع البلاد الواقعة حول فيكتوريا وألبرت بالمملكة المصرية وفتحت البحيرتان وروافدها ونهر السومسرت للملاحة وصارت ممهدة للاستكشافات التى يقوم بها جوردون باشا «! وتجدر الاشارة إلى أن الكولونيل لونج هو مكتشف بحيرة « كيوجا « والتى أطلق عليها « بحيرة إبراهيم».
امتد النفوذ المصرى من بحر الغزال إلى كردفان وتم تعيين الزعيم السودانى « الزبير رحمت « حاكماً على مديرية بحر الغزال ، بعد أن أنعم عليه الخديو بالبكوية .. ومضت سنوات طل فيها العلم المصرى يرفرف على ربوع السودان، حتى أزعمت مصر على توقيع اتفاقية عام 1899 بجعل حكم السودان شراكة بين مصر وإنجلترا، إلى أن كانت أحداث عام 1924 واغتيال السردار « لى ستاك « فتقرر إخراج الجيش المصرى من السودان!
فتح سلطنة دارفور
على الرغم من الفرمانات التى صدرت فى عهد محمد على باشا التى أدخلت دارفور وغيرها « اسما «ضمن أملاك مصر، فإنها فى واقع الأمر كانت خارج النفوذ المصرى، وظل « الزبير رحمت « يرغب إسماعيل باشا أيوب « حاكم السودان فى فتح دارفور .. وعقب معارك ضارية شارك فيها جيش الزبير وعدده 20 ألف مقاتل، تم فتح دارفور وضمت إلى أملاك مصر بعد أن دخل الجيش المصرى بقيادة إسماعيل أيوب باشا مدينة الفاشر قى 11 نوفمبر 1874، وابتهج الخديو وأمر بإطلاق المدافع، ومضى أيوب باشا فى تعمير دارفور وإقامة الحصون وأسواق للتجارة ودار للحكومة .
وواصل جوردون السير جنوباً إلى بحيرة البرت واستكشف شواطئها ثم استقدم ما يلزمه من البواخر النيلية ومن معدات الترسانة المصرية فى الخرطوم وعمالها وأنشأ فى « الدفلاى « شمالى البحيرة ترسانة لتنظيم الملاحة فى أعالى النيل، كما شيد عدة حصون على شواطئ النيل : سوباط، شامبه، يوره، اللادو، الرجاف، الدفلاى، مكركه، مرولى .
فى بلاد الحبشة
أدرك إسماعيل باشا الأهمية التجارية والجغرافية والحربية لمدينتى: زيلع وبربرة فى بلاد الحبشة، وإخضاعهما لمصر يعنى التحكم فى الملاحة يخليج عدن إلى مضيق باب المندب، ووجه الخديو خمس آليات لفتح المدينتين وضمهما إلى أملاك مصر لتمتد حدودها على سواحل البحر الأحمر من « سواكن « إلى « جردفون « على المحيط الهندى، وحرص الخديو على نشر العمران بهذه الجهات وأقام فيها عدة منشآت مدينة كلفته طبقاً لتقدير جوردون باشا « 70 ألف جنيه «! وتمكن من حمل « الباب العالى « على التنازل له عن زيلع وبربره التابعين للواء الحديدة بمقتضى فرمان أول يوليو 1875
ثم اتجهت نية إسماعيل باشا إلى الاستيلاء على سلطنة « هرر « شرقى بلاد الحبشة وكانت آنذاك إمارة إسلامية يبلغ تعداد سكانها نحو المليونين تقريباً، وكان أميرها ظالماً غشوماً، ورحب أهلها بجنود مصر بقيادة « محمد رؤوف باشا « الذى دخل العاصمة هرر فى 11 أكتوبر 1875 وأعلن ضم السلطنة إلى المملكة المصرية، وظل الحكم المصرى قائماً ، حتى أمرت الحكومة البريطانية الخديو توفيق بسحب الجنود المصريين وموظفى الحكومة فى سبتمبر 1885 .
فتح بلاد الصومال
لم يكتف إسماعيل بذلك، فكلف الكولونيل لونج بتجهيز حملة عسكرية جديدة وطلب منه السفر إلى السويس فى 16 سبتمبر 1875 ثم جاءه رسول خاص فى منتصف الليلة التالية وسلمه تعليمات سرية جداً مع التشديد بأ لا يفض الأختام إلا على مسافة 500 ميل جنوبى السويس!
كانت التعليمات تقضى بضرورة الوصول إلى « جوبا « وفتح طريق برى للتجارة بين البحيرات والمحيط الهندى ورفع العلم المصرى فوق مصب مصب نهر جوبا .. وصلت الحملة إلى خليج عدن ومنه إلى رأس جردفون ثم إلى براوة حتى وصلت جوبا فى 16 أكتوبر، وتوجه جزء من الحملة إلى مدينة « كسمايو « التى اشتهرت إعلامياً كأحد معاقل حركة الشباب الارهابية فى الصومال، واستولت الحملة على قلعتها بعد استسلام حاميتها وأنزل علم « زنجبار « .. وفى 29 أكتوبر وصل أمر عال إلى قائد الحملة بالتوجه جنوباً إلى نقطة تسمى « فورموزا « .. وفى 7 سبتمبر 1877 عقدت الحكومة البريطانية مع وزارة الخارجية المصرية معاهدة اعترفت فيها بامتلاك مصر سواحل بلاد الصومال حتى « رأس حفون « .. ولما ساد الضعف بلاد الحبشة وكثرت الأطماع، وجه إسماعيل باشا بإرسال حملة قوامها 1500 مقاتل بقيادة السويسرى « منزنجر « الذى عينه إسماعيل محافظا لمصوع، قاصدة مدينة « سنهيت « عاصمة إقليم البوغوص، الذى تم الاستيلاءعليه كله باسم حكومة خديو مصر !
وامتدات السياسة الحضارية للخديو إلى مناطق النفوذ المصرى فى إفريقيا، بفتح الطرق البرية وإقامة منشآت إدارية ومدارس ووحدات صحية .. إلى أن تحالفت أوروبا على عزل الخديو إسماعيل، ليس بسبب ديون إسماعيل، ثم احتلال مصر فى عهد ولده توفيق لتصبح مستعمرة بريطانية ! .. وكانت الدول الأوروبية تعد العدة – بعد عزل إسماعيل ونفيه – إلى اقتسام بلاد السودان والقرن الإفريقى والمعرفة فى الدوائر السياسية الأوروبية ب « كعكة الشوكولاته « ! .. كانت موانئ الساحل الغربى للبحرالأحمر بكامله يرفرف عليها العلم المصرى حتى عام 1885 بالإضافة إلى مدن السودان، ومصرع وسواكن وزيلع وبربره وهرر وعصب وجيبوتى وجميعها كانت تعتبر « مديريات مصرية « !
وعقب سقوط الخرطوم بأيدى المهدى، ظهرت الأطماع الاستعمارية لأوروبا فى ممتلكات مصر « كعكة الشوكولاتة « فبادرت إنجلترا إلى احتلال سواكن وزيلع وبربرة، واحتلت فرنسا أوبوك وتاجورة وكسمايو، واحتلت إيطاليا ميناء ومدينة مصوع، واحتلت ألمانيا مدينة عصب وما حولها، وتطلعت روسيا القيصرية بتحريض من صحفها إلى موطئ قدم على سواحل البحر الأحمر!
التفاصيل كثيرة جداً عن الإمبراطورية المصرية فى إفريقيا – فى عهد الخديو إسماعيل – وأجد لزاماً أن أشير إلى ما دونه « ص . بيكر « فى مذكراته : « هذا هو إسماعيل العظيم الذى أوصل مصر إلى حدودها الطبيعية « طالباً منا أن نقارن بين حدود الدولة المصرية فى عصر إسماعيل وحدودها الحالية !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.