لعله من سخريات التاريخ السياسي المعاصر أن تحتد الموجات الارهابية مجتاحة لعالم يختال ببلوغه مراتب حضارية لم تكتب للبشر من قبل, لكنه وفي الأصل يجب أن يستخزي لأن الاطلالة البربرية للارهاب من أي بقعة علي الكوكب الأرضي تنسف أي معني لوجود حضارة كانت تستوجب ارتقاء الانسان فكرا وروحا ونفسا قبل ارتقاء الأدوات والأشياء!! وليست كل أنماط العنف والارهاب تمارس لذاتها وانما قد صارت هي آلية مثلي لتفعيل المصالح في اطار كونها عملا منظما له بعد عالمي وعمق استراتيجي نظرا لارتباطه بجرائم تهريب السلاح وغسيل الأموال والمخدرات والاتجار بالبشر وضرب أسعار النفط خلال عمليات الاستحواذ والسطو, كما تتستر ملامح الارهاب الخفي في قوي المجتمع المدني المدعوم غربيا وبعض قوي المعارضة السياسية وبعض القوي الاجتماعية والفصائل الأيديولوجية, فكل يزعم ويشيع ان اهدافه تنحصر في تغيير المسار نحو التحول الديمقراطي وتجديد الروح العربية باحياء حقوق الانسان واثراء قيم التعددية, وما ينطوي في مضمونات كل ذلك من أفكار المخاطرة والدمار, وفاء لحقوق الدول المانحة من أطراف الكتلة الغربية في سيادة مصالحها القومية العليا بأدوات المحيط العربي التي راهنت علي تسليم أنقاض الأوطان وتركها نهبا لغوائل الارهاب... ذلك النجم السياسي الشرس والمتوج لهامة القرن الحادي والعشرين. فالارهاب قد تحول من كونه ظاهرة يتكرر حدوثها- بين آن وآن في الساحة الداخلية للدول الي مشروع مؤسسي غربي له بنية وهيكل وتمويل وأهداف ومجال زمني ومكاني وساحته الكبري هي الاقتصاد تدميرا والاعلام بلبلة والعقائد تسفيها والانسان طمسا واستقطابا. ولا يمثل كل ذلك الا حربا شعواء قد اخذت طورها التصاعدي الي أن بلغت الذروة المنطقية بمعايير القياس التاريخي مؤتنسة أيضا بمعايير الاستحواذ وطرائق الاستيلاب وشهوة الاغتصاب وابادة الحقوق واعلان فروض الطاعة والانصياع واللجوء في طلب الحماية من الدول المعادية, وتلك هي غاية الأماني السياسية للخصوم!! وعلي ذلك ما هو المفتاح الحقيقي الفاعل في مصر بالنسبة لتلك القضية لا سيما وهي البؤرة المستهدفة او هي السبب الأوحد الذي من اجله صيغت القضية وأحكمت أبعادها حتي تكون النتائج حتمية قبل أن تكون مؤكدة. ولعل المرادف الثقافي والمعرفي للارهاب في هذه اللحظة التاريخية هو ما اصطلح علي تسميته بحروب الجيل الرابع التي تستثمر فيها مفهومات القوة الناعمة, تلك التي تجعل هذه الحروب أكثر شراسة وضراوة من غيرها وتستغل فيها العلاقات العضوية بين أبناء المجتمع الواحد في اطار استراتيجة التحريض من الداخل, لكن يظل السبيل الأوحد لخروج مصر من تلك المآزق المحدقة بها تحقيقا للطموح القومي هو رأس المال الثقافي والفكري والحضاري الذي يتواجه بالتوعية المضادة للفكر الهدام خلال استراتيجية صارمة تكون بمثابة ثورة ثقافية تحقق الحماية الكاملة لثورتين يعتقد انهما بلا غطاء أيديولوجي- وتدعم الروح الوطنية وتوقظ الحس الأخلاقي وتقيم أواصر التقارب بين أبناء الوطن بكل طبقاته وطوائفه وفئاته وفصائله, ذلك بجانب ترجمة مفهوم الانتماء واحياؤه واعتباره قيمة معاشة وليس معني نظريا يستدعي الهتاف والخطابة, كل ذلك في ظل سيادة تيار تنويري متواصلا مع المستقبل ومثريا للفكر ومؤكدا علي وحدة الربط وعمق العلاقة وحيويتها بين تاريخ مصر وجغرافيتها وحضارتها وطابعها الفكري العام واحتضانها للتعددية العقائدية في اطار تلافيف النسيج الثقافي المميز للشخصية المصرية والمحتوي لتوجهات عدة. ان تراجع مصر حضاريا قد بات ظاهرة مخيفة مرعبة, فالعارف المحيط بتاريخية الدول الصغري ووضعيتها المعاصرة لابد ان تنتابه الدهشة وأطياف الذهول من تلك الانطلاقة الجبارة, كما لابد أن تملأه الغيرة والحسرة علي ذلك الجمود والركود والتقزم بين أعضاء الكيان الدولي, فما لم نأخذ بالتوجهات العقلانية وننغمس في مفهوم التقدم وزحزحة فكرة المستحيلات الحضارية بنسف آليات الفوضوية الحياتية وستظل مصر نهبا لحروب الجيل الرابع, فلا انتظار لمستقبل لم نعد له وكل يوم رهن بسابقه....... أليس كذلك؟!