نعم.. لماذا يظل المشروع الاسلامي هو الحلم المستحيل الذي يراود مخيلة الكتلة العربية انطلاقا من كونه المشروع الاصلاحي المستوجب لمعالجة واقع مترد في كافة أبعاده وأصعدته؟ وهل يكفي أن يعد هذا المشروع أنموذجا في ذاته بينما تتداعي متغيرات الواقع وتنسحب في مسار سلبي ؟ وهل يعني تصعيد المشروع الاسلامي واحاطته بهيكل الواقع واختراق دخائله حتمية اقامة دولة الخلافة؟ والا ما تظل الجملة المنقوصة سارية في التاريخ العربي.. تلك الجملة التي يغيب فيها الفاعل ويتصدرها المفعول به؟ وكيف للمشروع الاسلامي المستنير أن ينهض في ظل تراجع لغة الخطاب الديني؟ واذا كان فشل المشروعات الغربية يمثل الباعث الأول في التشدق بتلابيب المشروع الاسلامي, فما هي آليات انجاح هذا المشروع في اطار الضبابية المقتحمة للعقل الاسلامي؟ ان اشكالية المشروع الاسلامي في أن يكون مشروعا حضاريا جديدا بالالتفاف حوله بل الدأب والاصرار من أجل تدشينه ليكون قاطرة النهضة انما تكمن في نقاط عدة أولاها: غياب الصياغة الحضارية للمنظومة المفاهيمية بمعني ضرورة اعادة بلورة وصياغة المصطلحات والمفاهيم الدينية بطرائق معاصرة تبتعد كلا وجزءا عن التوجهات الفكرية والمرامي العقائدية والمذهبية التي تستخدم فيها الأديان كمطية للمآرب الخاصة وهو ما يطرح فكرة أن التعامل مع الدين يتم من منطلق نفعي ذي مردودية, وهو ما تلفظه وتمقته أدبيات العقائد علي اجمالها والاسلام منها بشكل خاص. ثانيها: امكانية تضييق الفجوة الخلافية بين كل القوي والتيارات سواء كانت هذه الفجوة قائمة علي تسيد فكرة الخلاف لذاته والتشدق بامتلاك الحقائق وتسفيه الآخر أو اعلاء الكينونة وطغيانها حتي يكون الخلاف بناء مثمرا فعالا له روح الاكتمال أكثر من كونه يتمتع بروح التضاد والتناقض تلك التي تحرض علي الاستعداء والتحفز وترقب السقطات, فالخلاف هو آلية حضارية, لكن عند أي درجة منه؟ وفيما يكون؟ وماهي طبيعته؟ وأي نتيجة تنتظر منه؟..... وتلك هي القضية؟ وثالثها: أن بؤرة المشروع الاسلامي ومحوره تتمثل في تطبيق الشريعة ولا خلاف بالضرورة حول أهمية التطبيق, لكن القناعة بهذه الأهمية وحدها تعد غير كافية لأنها تتقوقع في اطار التشبع النظري بينما القضية تمتد لأكثر من ذلك, اذ من يناط بهذا التطبيق تحديدا؟ وما مدي توافر أهلية من يقوم به لاسيما وهي ترتبط بالامكانية الدينية والفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية أكثر من ارتباطها بالتلويحات الدائرة حول أن اللجوء للشريعة هو الحل الأوحد لاجتياز عثرات الواقع وتأزماته ذلك دون التعرض لبعض أدوات الاستفهام ومنها كيف ومتي؟ ورابعها: تجاهل ضرورة النهوض بالمسئولية الانسانية والعقائدية في توازن طرفي المعادلة التاريخية بين الاسلام والواقع باختبار قدرات الاسلام في تصحيح مسار هذا الواقع وتقويمه بالشكل الذي تبدو فيه الفاعلية والحيوية بما ينسف ذلك التحدي الغربي في امكانية واستطاعة الاسلام في تغيير الواقع العربي وانهاضه. ولعل كل ذلك هو بعض من حصاد المأزق الفكري والثقافي الذي يعايشه العالم الاسلامي منذ أمد والمتمثل في جدليات لم يتوصل الي ازاحة شفراتها بينما هناك من الفوارق العظيمة ما يسمح بعدم الخلط أو المقارنة لا بين الدين والعلم ولا بين الواقع والدين. وخامسها: الاصرار الفظ علي كراهية القانون الوضعي انطلاقا من فكرة الدين له طابع منظومي يحمل جميغ الحلول الحاسمة... من ثم فما الحاجة الا للقانون الديني وهي لا شك مقارنة غير منطقية حتي في أسمي نتائجها تعد خاسرة لا محالة اذ أن الجمع بين الالهي والانساني في قالبية واحدة هو تناقض مذر مخل حتي بطبيعة تكوين العقل الاسلامي ذاته فمقارنة الثابت بالمتغير تعد مغالطة تنطوي علي نوع من التطرف الفكري المطيح بمكانة الدين اضافة الي أن اعمال القانون يعني عصمة الدين من مناقشة التفصيلات الهزلية للحياة اليومية التي تترفع الأديان عن الخوض فيها تأسيسا علي كل ما تضمنه من مبادئ عامة وقيم سامية ومعان رفيعة ومقاصد فوقية تتفق معها أدبيات التراث الاسلامي المؤكدة في شتي مناحيها علي أن الشرع يكمن حيث مصلحة البشر. ولعل ملامح اشكالية هذا المشروع الاسلامي في كل من تركيا ومصر انما تتشابه تشابها خطرا حين توجهت نحو منعطفات غير مرضية تنأي بها عن أن يكون مشروعا اسلاميا خالصا لا شائبة فيه, فضلا عن أنه لا يعد ممثلا لجوهر العقيدة أو مثالا رائدا يحتذي لدي الأنظمة والسياسات والشعوب التي تتوسم في النهضة والاستقرار عن طريق تصعيد روح الاحياء الديني, فهاهو هذا المشروع في تركيا تتصدع أركانه ويتهاوي داخل العقل الاسلامي حين لم يعتمد سيادة السلام الاجتماعي منهجا اصيلا وانما اعتمد مبدأ قمع الحريات العامة واغتيال حقوق الانسان كقيمة محورية تدور في فلكها كافة المجتمعات المتحضرة بجانب محاولات استقطاب القضاء واخضاعه للسلطة السياسية وترسيخ الميول السلطوية وهو ما يعوق حركة المسار الديمقراطي ان لم ينسفها من الأساس, ولعل هذا هو شأن الديكتاتوريات المستبدة لا الديكتاتوريات المنتخبة!! ان النجاحات الاقتصادية التي حققها المشروع الاسلامي التركي لا تعد شفيعا أمام السقوط السياسي الذي مثلته الموجة العارمة من الاحتجاجات والتمردات, فليس بالخبز وحده يحيا الانسان في المسيرة الطويلة, انما سيظل يردد دوما اعطني الحرية أو الموت كما قال توماس جيفرسون قديما, فالطفرة الاقتصادية والتنموية كانت لابد أن تمثل صحوة ويقظة ودافعية للنظام نحو الانطلاق لا نحو الاخفاق السياسي والاستراتيجي!! أما المشروع الاسلامي المصري فقد اصابته عدوي مزدوجة حين حقق استياء مجتمعيا أفرز موجات احتجاجية عريضة ومتوالية اثر الركود الاقتصادي والفتور الثفافي والهوان الاجتماعي والتخبط السياسي الذي جر المجتمع المصري الي مشكلات متعاظمة تحتاج الأنظمة المتفوقة الي عقود وعقود حتي تجتازها, لكن وفي كل الأحوال يظل المشترك العام بين المشروعين هو غياب السلام الاجتماعي وتآكل جذور الثقة والتواصل مع المستقبل. وهي أخطر الآفات الحضارية التي يتعرض لها مجتمع صنع ثورة ليتصل مع مستقبله لكن تحتم عليه أن يكون في قطيعة معه ما لم يظل ثائرا لتصحيح مضمونات مشروعه الاسلامي. رابط دائم :