طالب الدكتور حسين شحادة- رئيس منتدي¢ المعارج¢ لحوار الديان والثقافات ببيروت- المسلمين بسرعة العودة إلي المنهج القرآني والتوحّد تحت رايته وعدم الوقوع في ¢فخ¢ الطائفية المذهبية التي أصابتنا بالفشل في كل مناحي حياتنا, مؤكداً أن المراهن علي قوة الاحتماء بالمذهبية في مواجهة العدو الخارجي خاسر. وحذّر من مشروع¢ الشرق أوسطية¢ واصفاً إياه بالتجلي الأمريكي الأخير في القضاء علي هويتنا العربية والإسلامية والمسيحية, مؤكداً أن فلسطين هي ¢أم¢ القضايا والقدس هي رمز وجودنا جميعاً. وقلّل من خطورة العولمة إذا قيست بخطر تحريم النقد ووقف الحوار وفصل الفكر عن الفقه, مؤكداً أن إرادتنا كفيلة باستعادة إنتاج حضارة جديدة منطلقة من السابقة. وفيما يلي الحوار الذي أُجري معه خلال مشاركته في أعمال الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي الذي عُقد مؤخراً بالقاهرة: * بداية, ما هو الهدف من إنشاء منتدي المعارج؟ * * شعارنا في منتدي المعارج لحوار الأديان والأكاديمية العربية لحوار الأديان¢ اعرف الإسلام بالمسيحية. واعرف المسيحية بالإسلام¢ لأن معرفتي بهما شرط جوهري للاتصال بمنابع الهوية والانتماء ولنا أن نستظل جميعا بملة شيخ الأنبياء إبراهيم عليه السلام فيما نستوحيه من الآية المباركة: ¢ملة أبيكم إبراهيم¢ أُم القضايا * وما هي قضية القضايا في الحوار المسيحي الإسلامي من وجهة نظرك؟ * * بلا تردد إنها قضية القدس الشريف وقضية فلسطين. ومن ورائها قضية هويتنا بكل خصائصها ومميزاتها ومقوماتها الحضارية واحتمال ثقل الأصالة والإيمان فيها, ولقد أردت دمج قضايانا دمجاً في قضية القدس لأنها الرمز المضئ لمركب كياننا السياسي والثقافي والديني ولأنها المطاف الحيوي لذاكرتنا المسيحية- الإسلامية, فما تلك القدس في صميمها إلا ميدان ممانعتنا العاملة علي بتر الإخاء الديني بين أبناء الأمة التي أرادها الله سبحانه وتعالي خلية واحدة سمحاء. وها نحن أولاء المسيحية- الإسلامية في مواجهة الصهيونية- المسيحية نخوض قضية الصراع بين تجزئة الدين ووحدته. والآن وفي الوقت الذي تهددنا فيه القوة النووية الإسرائيلية بأن تمحو عواصمنا محواً من الوجود يتحول الحوار الإسلامي- المسيحي ليكون ابلغ جواب علي هذا التحدي شريطة أن تستيقظ القوة المسيحية- الإسلامية علي مصادر القوة الرادعة لعدوان نراه بأم أعيننا في واضحة النهار, وعدوان مخبوء في عقول الحاخامات يذهب بعيداً بقوته الي جنون استخدام القوة خبط عشوائي في مشهد من مشاهد قابيل وهابيل كما ذكرها القرآن الكريم. فهل يوقظ الحوار المسيحي ? الإسلامي ضميرنا الديني إزاء تحديات الحاضر الراهن والمصير المشترك. فنخرج بالحوار رسلا لحضارة إنسانية عالمية واحدة بدل أن يصمنا الزمن الأتي بوصمة الجهل والتخلف والغباء؟! تحديات الحوار * في ظل التعددية الدينية والثقافية والحضارية للمجتمع الواحد.. كيف تري هواجس التكفير وتحديات الحوار بين الأفراد؟ * * لا يخفي أن بناء الوحدة الوطنية يتضامن بمفهوماته المتنوعة مع الشرط الجوهري لمسألة الهوية والمواطنة في مجتمع متعدد ينزع نحو تطوير العلاقة المثلي بين المجتمع والدولة. فلا معني لوحدة وطنية لا تستند علي وعي الذات والهوية. ولا معني لبنية هذه الهوية من غير إيمانها بشرعية التعدد والاختلاف حيث الانتماء لعمق الوطن وتاريخه وحضارته طالع أبدا من ثمار التفاعل الحيوي بين مختلف أديانه وطوائفه المؤسسة لمفهوم التآخي بين تعدد المذاهب الدينية ضمن رسالة الدين الواحد والوطن الواحد. لا من منطلقات ثقافة التسامح فحسب بل من أصول الإيمان المشترك بحق الحرية في المعتقد وحق الحرية في المغايرة الدينية. وبصدد استشراف المستقبل الجديد لآمال الحوار وتطلعاته يجب أن نعترف بأخطائنا المنهجية في حواراتنا القديمة. في ماضي اللاهوت وعلم الكلام كان يتم الحوار باستحضار نصوص المحاور وتغييب شخصه ولذلك نجد في تراثيات هذا الحوار التداخل المركب بين ضمير المتكلم وضمير المخاطب. فلم يكن في الحوار طرفان أحدهما يتكلم والآخر يستمع. وكأن منطق الحوار القديم كان مؤسسا علي نمو الذات المجتمعية للآخر وتذويبه لينتهي المشهد بالحوار بسكرة الأقلام المنتشية بتبرير واقع القطيعة وبذلك أسدلت أغطية من الحجب التي حالت دون الإعلان عن وحدة الدين في ينابيعه الصافية. ووحدة الوطن في رسالته وحضارته. وما بين حوار كان يعتمد في مرجعيته علي العقل الأرسطي وحوار يعتمد في رجعيته علي التفسير الحرفي للنصوص اتسعت حقول الألغام للمجاهيل الدينية ليصبح مصيرنا الإنساني معلقا في مغامرات المتكلمين بتسييس الدين فما يقال عن هرطقة إسلامية أو ضلال مسيحي فإن الهرطقة ليست في الإسلام الدين والضلال ليس في المسيحية الدين. وإنما في لغة الحوار الذي لم يكتشف بعد وشائج الوصل بين معني الدين ومعني الإنسان. فهل من الحوار أن يتم التضحية بالإنسان علي مذابح الحوار. ولقد استنفذ اللاهوت وعلم الكلام كل ما لديهما من قراءة السماء في غيوبها وقراءة الأرض في ماضيها ولكنهما لم يكتبا بعد جملة مفيدة تتحسس الوجع الإنساني في آلامه وآماله علي طول الهيمنة الأمريكية وعرضها. ولا أبالغ إذا قلت إن من عوامل فشل العقل العربي في تثبيت هويته الدينية هو نزوعه إلي اعتماد الطائفية بالتكفير المعادي لظاهرة التعددية بدلا من الاعتراف بواقعها والحوار معها علي آداب الدعوة القرآنية, إلي الحوار وتصليب عناصر التوحد في برامجه في إطار مفهوم التنافس- الذي اقترحه القرآن الكريم بديلا عن مفهوم ?التصارع- الداخلي وتأجيج عداوته. وإذا كان هاجس التكفير منغلقا علي فكرة ترسيم الحدود الدينية بين الذات والآخر فليس من هدف القرآن ترسيم تلك الحدود بذهنية إقصائية تفسر الدين من موقع الحيز الطائفي الصارم الذي لا يري في خريطة الحضارة الدينية والإنسانية إلا كيانه الخاص. مبادئ الانتماء * إذا كانت الهوية الإسلامية مركبة من عدد من الانتماءات فما هي المبادئ التي تصلح لتكون أساسا لتنظيم تلك الانتماءات علي اختلاف مجالاتها الحيوية والمشروعة؟ ولماذا يبدو مشهد الاجتماع الإسلامي في غياب مبدأ الشوري ومبدأ الحوار وكأنه كتل ثقيلة يضغط كل منها علي الآخر وينضغط به؟ * * ربما نستنبط في الفقه السياسي والإداري جوهر التوازن المطلوب في علائق الهوية الإسلامية المرتبطة بهدف واضح المعالم يسعي إليه الجميع, فما دام المقصود ماثلا في أنشطتهم علي تباينها وفي أفكارهم علي اختلافها وتعارضها كان ذلك دليلا علي أن الأمة سائرة نحو جادة الهوية, فالهوية الإسلامية إذا ما قلنا عليها أنها موحدة الثقافة وأن ثقافتها موحدة الهدف فلسنا نعني بذلك أن جميع الأفراد متفقون علي رأي واحد أو متساوون في الأدوار التي يؤدونها في تلك الحياة, وإنما نعني أن ثمة روح مشتركة تنبض في قلوب الجميع هي روح الولاء للعقيدة وروح المسئولية عن الأرض والأمة والوطن. ولنأخذ مثلا لها: تلك الذروة التي بلغتها في عصر المأمون وامتداد صداه الذي فتح باب الثقافة الإسلامية لتستقبل كل الثقافات الأخري من شرق وغرب لتنسج الخيوط جميعا في نسيج مصبوغ بصبغة الله, أي بصبغة ميثاق الوحدة المجافية لصبغة التفرّق في الدين, ومطبوع بطابع الهوية الإسلامية الأصيلة, فلم يعترض أحد علي هذا الانفتاح ولم يعتبره أحد بأنه غزو ثقافي يهدد الهوية الإسلامية بالدمار. وبذلك فإني لا أري خطورة علي بنيان هويتنا من التنوع والاختلاف ولكني أري الخطر كل الخطر في تحريم النقد والحوار وفي فصل الفكر عن الفقه, وفي عراك الهوية مع ذاتها المعزولة عن العالم فلا هي تعرف لنفسها هدفاً ولا هي شاهدة علي أرض ولا هي غائبة في سماء. ولعل المبدأ الضامن لإعادة المنهجية إلي حوارنا الإسلامي الإسلامي هو مبدأ القرآن الكريم الذي يدعو إلي تجريد الحوار من ذاتية المتحاور بمعني أن يكون الحوار بين فكر وفكر يلتقيان معا بهاجس البحث عن الحقيقة فيحركان الشك المشترك في طريق الأمل المشترك بالوصول إلي اليقين فيما نستظهره من آداب الحوار النبوي. إننا نشعر بأن علينا أن نجعل الأمة تتنفس روح الحوار في الحوار, في الهواء الطلق بعيدا عن ذهنيات التعصب المذهبي والفكري والسياسي لندرس في مناخ الحوار الأسباب التي أدت إلي اختلافاتنا فلا نتهرب من مشكلة الخلاف بل نواجه انقساماتها بشجاعة الباحثين عن عواملها تمهيدا لمعالجتها وصولا إلي وقفة إسلامية عالمية تطرح الإسلام التوحيدي ?وليس الإسلام المذهبي- في مواجهة المسألة الحضارية والصراع الحضاري. إنقاذ الهوية * والآن وعلي ضغوط الظروف الراهنة.. كيف يمكن تخليص الهوية الإسلامية من التبعية والاستحواذ العسكري والاقتصادي والسياسي. أو نصير اسما دون مسمي؟ * * إن خيارنا الوحيد يتأكد الآن وأكثر من أي وقت مضي بطلب الوحدة السياسية. الأمر الذي يتطلب تجاوز ذهنيات التصنيف المغلقة والتي انتهت إلي تشظي الهوية بتطرف اليسار واليمين معا وتراشق التهم تحت وطأة شعارات كتبناها بدماء مجانية كانت تسير لترسيم الحدود الفاصلة بيننا باسم تصنيف وجودنا القاتل إلي وطنيين وخونة. ثم إلي قوميين وقطريين وصولا إلي استسلاميين وصامدين وعلي مدي هذه التوظيفات السلبية للتنازع والاختلاف بالرأي تعرّت الهوية من مضمونها لنحرم أنفسنا من نعمة غطائها الذي كنا نستتر به. وبسقوط هذا الغطاء ستظل آفاق المستقبل الإسلامي مفتوحة علي جميع احتمالات الهزيمة. ووسيلتنا الممكنة للخروج من تبعاتها وأعبائها النهوض بولادتنا من جديد من خلال تأسيس الوحدة الاقتصادية وهي وحدة لا تتعارض مع مطامح ومصالح العولمة والتي يبدو من شركاتها العملاقة أنها تفضل التعامل مع مجموعات قادرة علي التعاون علي حل مشاكلها بدلا من الارتباط بدول قطرية منفردة أصبحت عبئا علي نفسها. وإلي أن تستعيد الأمة الإسلامية إرادتها ستظل فكرة هذه الوحدة الاقتصادية المسموح بها من أضعف الإيمان. ويبقي التحدي الجديد الأكبر أن ثمة هوية مقترحة لشعوب منطقتنا. منطقة المشرق العربي ? الإسلامي هي: الهوية الشرق أوسطية, وهي التجلي الأخير للمشروع الأمريكي في اللعب علي الهوية العربية- الإسلامية باتجاه اختراقها ومصادرتها بل وتزويرها لضرب فاعليتها في الممانعة ضد مصالحه المتجددة والدائمة فوق صدورنا. تجديد الخطاب الديني * كثر الحديث عن التجديد في الخطاب الديني.. فما هي رؤيتكم لهذا التجديد والعقبات التي تعترض طريقه؟ * * ثمة عوائق ومشكلات تعترض التجديد في آفاقه التي أرجو ألا تكون مسدودة أذكر منها.. أولا: اختزال الإسلام القرآني في حدود الموروث التاريخي الذي لم يبتدأ بعد مهمات المراجعة الشاملة لإنتاج البيئات المعرفية المعاصرة بروح العقيدة والأخلاق. ثانيا: اختزال الحلول بوهم التجديد علي منازع التلفيق الفاشلة بين نمطين أولهما: مستنسخ من تجربة الحاضر في نموذج الغرب المتفوق. وثانيهما: مستنسخ عن تجربة الماضي في نموذج الإسلام التاريخي. ولعل أخطر ما منيت به أفكار التجديد في الخطاب الديني الإسلامي.. هو نزعة الرفض بين من يدعو إلي القطع مع العالم الحديث بحجة جاهليته. والآخر يدعو إلي القطع مع التاريخ بذريعة تخلفه. إذن وبكلمة موضوعية يجب الاعتراف أن مسألة التجديد في خطابنا الإسلامي وفكره لم تطرح من منظور يرفض منجزات السلف الصالح. كما لم تطرح من منظور يرفض منجزات الحضارة الحديثة. بل علي العكس لقد طرحت قضايا التجديد في إطار الإجابة عن أسئلة الهزيمة والجهل والتمزق والأمية التي استشرت بواقع المسلمين فتداعي عليهم الأمم تداعي الأكلة إلي قصعتها, ما يعني من وراء ذلك كله أن هواجس التجديد الإسلامي تنشد إصلاح الواقع الإسلامي المأزوم في سياق الهداية القرآنية إلي التغيير, وها هنا سنكتشف علاقة التجديد بالأخلاق القرآنية من منطق أن شروط التغيير من منظور قرآني يجب أن تشق طريقها من داخل النفس "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" ومن هنا يأتي التجديد كشكل من أشكال تصحيح الرؤية الإيمانية في إطار التوحيد والوحدة حيث التجديد المرتجي يرسم الطريق إلي الخلاص .. إلي المستقبل علي قاعدة الهداية القرآنية بإتباع الأحسن والأكمل. والآن بعد أن استنفذت القطيعة بين المذاهب حلم الوحدة الإسلامية وبتنا نعيش فيما يشبه الفراغ الروحي بفعل الانفصال عن مشروعنا الإنساني الحضاري وإجهاضه في ملاعب العداوات والخصومات. فإن تجديد الخطاب الديني يجب أن يبحث هذه المرة في مقومات الشخصية الإسلامية واستنهاضها بقوة الوعي. وعي الانتماء إلي عقيدة واحدة وأمة واحدة. وآن أن نعترف أن الاحتماء بالذات المذهبية ضد الخطر الخارجي لا يمكن الرهان عليه طالما أن العدو يرتكز علي هذه النزعة بالذات لإحكام قبضته الاستعمارية التي اختبرناها من شعاراته المخادعة لحماية الأقليات وهو من المصطلحات الغازية التي تم استغلالها منذ حروب الفرنجة ولا يزل. حوار لا صدام * وما ردك علي من ما يقول بنظرية صدام الحضارات؟ * * ها هي ذي الصهيونية المسيحية تُحبك اليوم خيوط السياسة الدولية علي منوال صدام الحضارات والأديان والثقافات مستفيدة من فجوات القطيعة بين المسلمين والمسيحيين لإشعال الفتن الدينية هنا أو هناك. وفي مدي تلك الحرائق التي شهدتها حروب القرن الماضي نتطلع إلي هدفين في آن معا. هدف التحرير من شطحات العقل وكبريائه. وهدف التحرر من سبحات الدين وكبريائه. فكم وكم نحن بحاجة إلي حكمة العقل وهدي الدين علي درب الصراط المستقيم لإقامة بناء اجتماعي جديد متعدد لا يكون الدين فيه نقيضا للعلم أو الحضارة أو الحياة. ولا قيام لمثل هذا البناء إلا بالحوار, حوار الخلية الواحدة في جسم رسالة واحدة. وما من شك في أن رسالة الحوار وثقافة الحوار هي هدفنا النبيل إلي سد الفجوة الفاصلة بين طرفي الدين الواحد.. وليس من بد أمام المستنيرين من مسيحيين ومسلمين لكي يحققوا هدفنا الغالي من إيقاد روح الوعي والتسامح والإخاء بشتي المنابر والوسائل, ومن هذه الوسائل: تركيزهم علي إحياء معني الكلمة السواء وترجمتها في الوجدان الشعبي لتزهر في حياة الناس بأدق معاني الحياة المشتركة بين المسيحيين والمسلمين. متطلبات المرحلة * وما هي طبيعة مقتضيات المرحلة الحالية ومتطلباتها؟ * * إنه ليجدر بنا في هذه المرحلة من تحديات النهضة العربية أن نُذكّر بضرورة فتح الحوار النظري علي الحوار العملي الملتزم بأداب الحوار وصدق الحوار. وفتح حوار النخبة علي حوارات العامة من أبنائنا وبناتنا تمييزا لعصرنا من أعصر سلفت كان الحوار فيها مقصورا علي صفوة المتكلمين باسم الدين لا تكاد تمسك من خيوط الحوار خيطا بين أصابعها حتي يفلت منها ويتواري خلف ابتسامات المجاملة التي لا مدلول لها في الوجود الحي المترامي لعذابات المسيحيين والمسلمين المهمومين بوصل أطرافهم بعضها ببعض.. علي أن هذه اللقاءات القصيرة التي تجمع بين قادة الفكر المسيحي والإسلامي في الندوات والمؤتمرات لا تؤدي إلي الغاية المنشودة من الحوار إن لم تكن ماسة بحياة المجتمع ومشكلات الناس! العولمة لم تهزمنا * أخيرا هل يسيطر عليك اليأس من الهزيمة الحضارية التي نشعر بها أمام العولمة ومستحدثاتها؟ * * صحيح أننا نبدو الآن علي صورة المهزوم لكن الهزيمة في زمن العولمة أدخلتنا إلي رحاب العالم ولم تطردنا منه. لقد صرنا كمهزومين جزءاً مكملاً لشخصية المنتصر ومصالحه وعلاقات قواه وبهذا المعني أصبحنا جزءا من العولمة علي الأقل بنسبة ما يراد لنا من دور في عمليات الاستتباع وبهذا المعني أيضا أسمح لنفسي الجزم بأننا لم نفقد أنفسنا كموضوع له أهميته الإستراتيجية في إستراتيجية الغرب العليا. لا نزال مصدر قلق ودهشة وهلع وتحير وتلك نعمة كامنة توجب علينا البحث عنها في إطار معادلة التحدي الضاغط بين تشاؤم الواقع وتفاؤل الإرادة. فنحن لسنا محكومين بالذوبان في نظام الحضارة الحديثة إلا إذا كنا لا نؤمن بدور الحرية وإرادة الإنسان. التي تتأثر بالطبع بشدة العوامل البيئية والتاريخية والاجتماعية. ولكنها ليست أسيرة لها. بيد أنه ليس بمقدورنا تجاهل كل هذه الإنجازات الباهرة "العلمية والاجتماعية والسياسية" لماذا لا نحاول إيجاد علاقة جديدة مع الوجود بذهابنا أبعد من الحاضر, من خلال التسلح بنقد الحداثة ونقد التراث معاً, وأن نكون أصحاب رؤية جديدة نقيم علي ضوئها حضارة جديدة. وأن نمثل نحن مرحلة جديدة في حياة الإنسان وفي ذات الوقت الذي نركز إلي ماضينا المنتج لحضارتنا ونستفيد من المعطيات الباهرة للحضارة الحديثة؟ خاصة ونحن نمتلك في التاريخ سابقة حضارية ونفوذاً ترك بصماته علي مصير العالم والإنسان, لماذا لا نحاول ثانية إيجاد حضارة أخري؟ وبطبيعة الحال ليس بالعودة إلي الماضي للوقوف عنده. وهي الرجعية بعينها. بل من أجل الارتكاز إلي قاعدة موثوقة ومطمئنة والانطلاق منها إلي ما هو أبعد من آفاق هذا العصر. نحث الخطي نحو مستقبل يستند إلي الحاضر والماضي.