ذكرنا في الجزء الأول كيف عاقبت أمريكا نيوزيلندا عام1985 لرفضها استقبال السفن النووية الأمريكية في موانيها ورفضها للتجارب النووية الفرنسية في المحيط الهادئ, واليوم نلقي الضوء علي حادث استرالي ولماذا تعاقبها أمريكا. دعونا نتذكر حادث احتجاز مسلح لرهائن في أحد مطاعم مدينة سيدني, كان الحادث غريبا بالطبع علي تلك القارة الهادئة, ولكن إذا عرف السبب سيبطل العجب. فقد كانت للمعارضة الأسترالية- والحكومة أحيانا- دورا تاريخيا في دعم القضية الفلسطينية, حتي أن استراليا تبرعت بعشرة مليون دولار لقطاع غزة في أغسطس الماضي ووعدت بمساعدة فلسطين بحوالي56 مليون دولار أخري خلال عامي2015,2014 لتحسين سبل معيشة الشعب الفلسطيني, وندد زعماء المعارضة ومسئولين بالحكومة علي حد السواء ببناء اسرائيل لمستوطنات في القدس والضفة مؤكدين علي اعتبارها مستوطنات غير قانونية. كما أن نائبة عن حزب العمال بالبرلمان الأسترالي تقدمت بمشروع قرار للبرلمان للاعتراف بالدولة الفلسطينية في4 ديسمبر الماضي, أي قبل حادث سيدني بعدة أيام. ولكن الموقف الرسمي من القضية الفلسطينية كان متذبذبا بسبب تضارب تصريحات وزيرة الخارجية الأسترالية جوليا بيشوب, وتضارب المواقف الرسمية الاسترالية من القضية بصورة أثارت تعجب واستياء مسئولين فلسطينيين, ومع ذلك ليس صعبا استنتاج خوف المسئولين الأستراليين علي مصالح الدولة من تهديدات حقيقية, ربما كان أوضحها ذلك الفيديو المنشور علي الانترنت خلال شهر أكتوبر الماضي لمراهق أسترالي يدعي عبد الله الأمير,هرب مع صديقه من استراليا إلي تركيا لينضم لداعش في سوريا, هدد من خلاله أسترالياوأمريكا بعمليات إرهابي لعدائهما لجيش الدولة الإسلامية, وبالفعل يتم تنفيذ تهديد المراهق في منتصف شهر ديسمبر لينتهي الأمر بانصياع أستراليا للإرادة الأمريكية والتصويت ضد مشروع إنشاء الدولة الفلسطينية أواخر العام الماضي. إلا أنه كان هناك ما يزعج أمريكا من أستراليا أكثر من مساندتها لإسرائيل, وهو التقارب الأسترالي الصيني الذي بدأ يأخذ شكلا جديدا, ففي18 نوفمبر زار الرئيس الصيني شي جين بينغ كل من نيوزيلندا واستراليا واستقبله بحفاوة حزب العمال الأسترالي الشيوعي, وخلال الزيارة أعلن الرئيس الصيني رفع مستوي العلاقات الصينية مع استراليا إلي شراكة استيراتيجية, الأمر الذي يغضب بالطبع أمريكا التي تعتبر استراليا ونيوزيلندا أيضا حلفاء قدامي في المحيط الهادئ منذ الحرب العالمية الثانية, وفي عام2011 اتفق أوباما مع رئيس الوزراء الأسترالي علي نشر قوات أمريكية علي سواحل أستراليا الشمالية لإقامة معسكرات تدريب للقوات الأمريكية ومركز لخدمات الإمداد والتموين, هذا بالإضافة لعقد أمريكا عدة اتفاقيات أمنية مع الفلبين وماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها, تعطي للسفن العسكرية الأمريكية بموجبها حق استغلال المرافئ البحرية لهذه الدول ونشر قوات أمريكية في بعضها لمواجهة تطلعاتونفوذ الصين في المنطقة وخاصة بعد اكتشاف حقل ضخم للغاز الطبيعي في المياه العميقة لبحر الصين الجنوبي الأمر الذي يزيد من قوة الصين النسبية ويضمن لها مزيد من الاستقلالية, فاتخذت أمريكا اجراءات سريعة اعتبرتها الصين محاولات استفزاز واضحة للصين وفقا لتصريحات مسئول بالجيش, ولا شك أن أي تقارب بين أسترالياوالصين يشكل خطرا يهدد المصالح الأمريكية في تلك المنطقة,, وقد حذرت بعض القوي السياسية في أستراليا من توتر علاقة أسترالياوالصين نتيجة التحالف العسكري مع أمريكا خاصة وأن استطلاعا رسميا أظهر أن الشعب الأسترالي يعتبر الصين أقرب دول آسيا لهم قبل اليابان نفسها. لذلك فكان من المحتم أن تلقن أمريكا درسا قاسيا لأستراليا, كرسالة تهديد للشعب ولحزب العمال بل ولرئيس الوزراء توني أبوت الذي رحب بالشراكة الاستيراتيجية مع الصين. وفي الجزء الثالث والأخير نصل إلي حادث شارل إبدو لنعرف خطيئة فرنسا التي دفعت أمريكا لمعاقبتها..!!