تواتر حديث إخواننا وأصدقاؤنا في تونس عن النموذج التونسي ونجاحه خاصة بعد فوز رئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي(88 عاما) بالانتخابات الرئاسية التونسية التي جرت في22 ديسمبر الماضي, وخسارة الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي المتحالف مع حركة النهضة, والتي أعلن زعيمها راشد الغنوشي قبل الانتخابات بيومين أن قواعد حركته أكثر ميلا للمرزوقي دون السبسي. حيث نجح الأول في اجتذابها, فالنهضة وقفت مع المرزوقي الخاسر في النهاية, رغم سابق تصريحاته أن الحركة لن تؤيد مرشحا بعينه في هذه الانتخابات ولأفرادها حق الاختيار.. ولكن أحسن الغنوشي بعد إعلان النتائج بفوز السبسي وخسارة المرزوقي حين دعا التونسيين جميعا للابتهاج بنجاح التجربة الديمقراطية التونسية بغض النظر عن الفائز.. فسر البعض ما حدث بانتصار البورقيبية المدنية التعليمية في تونس, فالسبسي عمل مع بورقيبة المثقف الحاكم الشريف السابق, فأبرز ما يعرف عن بورقيبه ويذكره كل التونسيين أنه لم يكن فاسدا, عاش كما كان ومات كما كان, لذا لم يجرؤ المنقلب عليه والأقل كاريزمية زين العابدين بن علي علي التجرؤ علي مقامه وظلت البورقيبية ومنستير حيث بيته ومنزله محل إجلال واعتزاز من التونسيين! أنقذت البورقيبية الحداثية التعليمية تونس من تحالف الترويكا ومن النهضة ثم من المرزوقي الحليف معها, والمعارض بشدة لبورقيبة والكاره له كما ذكر في سيرته الذاتية, وحديثه عن والده المعارض لبورقيبة والمؤؤيد لليوسفي واضطراره للهجرة للمغرب بعد الاستقلال, وهو ما يشكك فيه بعض التونسيين.. من يتكلمون عن النموذج التونسي الخروج الديمقراطي الناعم للإسلاميين من الحكم في مقابل النموذج المصري الذي خرج فيه الإخوان ورئيسهم المعزول خروجا قسريا يتجاهلون نقطتين: أولاهما وحدة المسار: أن كلا الشعبين والمسار يحملان نفس الدلالة رفض التسلطية باسم الدين ورفض حكم الجماعة ورفض إيواء الإرهاب كحلفاء للسلطة! ورفض وصاية أحد علي هذا المسار. ثانيهما: الفارق بين المسارين هو الفارق بين الجماعتين: فالغنوشي مفكر ومثقف عاش في لندن ثمانية عشر عاما, وألف كتابا مهما عن الحريات ومنفصل عن مرجعية جماعة الإخوان وعن تنظيمها, وأسس حركته التي كان اسمها الاتجاه الإسلامي منفصلا عنها, ولذا استوعب الدرس مبكرا وخرج خروجا طوعيا وجماعته من الحكم والحكومة, أما جماعتنا فقطبيون, ورجال أعمال, وتحالف معهم جهاديون, هددوا الشعب المصري بالدماء ورفضوا الحوار واستهدفوا الآخرين وكادوا يسبقون بالقضاء عليهم, لولا مفاجأة المصريين شعبا ودولة لهم في30 يونيو الماضي! من جانب آخر قرأ البعض الآخر مسألة فوز السبسي من مدخل أسي, فتحدث البعض ساخرا أنه ولد قبل الحرب العالمية الثانية, وأنه فلول وأنه وأنه! كما طالب منافسه المرزوقي بتقرير عن حالته الصحية قبل إجراء الانتخابات بأيام! ولكن لم يصح ما زيفوه عن اتهامات له بفساد أو غير ذلك, فالرجل سياسي محنك به روح شباب تجيد التحرك والإصرار والتفاوض وتعرف أهدافها وتجيد تحقيقها! وبكي ورثي هؤلاء حال شباب الثورات العربية وكيف أتت ثوراتهم بالأجداد دون الأحفاد, كما كتب الصديق والأستاذ حازم صاغية في جريدة الحياة اللندنية بتاريخ27 ديسمبر الماضي, وذكر فيه أن القمع عطل الحراك الجيلي وأنشأ نوعا من توحيد للزمن لا انحناءات فيه و لا تضاعيف أو زوايا. ولكن نظن أن من الأسباب التي أدت لهامشية دور الشباب في الثورات الشبابية, رغم أنها ضمت شيوخا وكهولا من مختلف الأجيال كذلك, يعود لذاتية وفردانية سلبية حشت وحركت كثيرا من قادتهم, فتنازعوا أمروا وشوهوا بعضهم, وبلغ الطموح بكثير منهم حد الانفراد والتسلط ليكون رأسا لثورات بلا رأس! وتبخر الشباب فجأة كما ظهروا فجأة.. وبعد الموجة الثانية بات الطلب علي الدولة والاستقرار وهنا عادت بعض الوجوه المقبولة من عهد ما قبل الثورات..نجح بوتفليفة, نجح بوتفليفة جسر امن للجزائر من الفوضي وعدم الاستقرار بعد خبرة العشرية السوداء مع الإرهاب, وكانت الاستثناء لذلك من ثورات الربيع العربي, ونجح السبسي من إرث البورقيبية منفتحا مدنيا جسورا لا يجيد الهروب ولا يخاف المنافسة شأن بن علي!