في اليوم العالمي للصيادلة.. نائب محافظ سوهاج ووكيل وزارة الصحة يكرمان قيادات مديرية الصحة والمتفوقين من أبناء الصيادلة    إعلام فلسطينى: طيران الاحتلال يشن عدة غارات على مناطق مختلفة من مدينة غزة    انهيار جزئي لأحد المنازل القديمة أثناء تنفيذ قرار الإزالة بشارع مولد النبي بالزقازيق .. والمحافظ ينتقل للموقع    مقررات امتحانات أكتوبر 2025 للمرحلة الابتدائية.. التفاصيل كاملة    اسعار اللحوم اليوم الأحد 5 اكتوبر 2025 بمحلات الجزارة فى المنيا    أسعار الحديد فى الشرقية اليوم الأحد 5102025    «تهدد حياة الملايين».. عباس شراقي: سد النهضة «قنبلة نووية» مائية على وشك الانفجار    حماس: إسرائيل قتلت 70 شخصا رغم زعمها تقليص العمليات العسكرية    عاجل- ترامب: وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ فور موافقة حماس على خط الانسحاب الأولي.. وتبادل الأسرى بالتزامن مع سريانه    بعد 12 عامًا من الهروب.. ما تفاصيل تسليم فضل شاكر نفسه للجيش اللبناني؟    إعلام إسرائيلى يكشف أعضاء فريق التفاوض    ألونسو يكشف حالة مبابي وماستانتونو    أحمد شوبير يكشف مفاجات مهمة عن انتخابات الأهلي.. الكيميا بتاعت حسام غالي مظبطتش مع الخطيب    خسارة المغرب تقلص حظوظ مصر في التأهل لثمن نهائي كأس العالم للشباب    نجم الأهلي السابق: أؤيد استمرار عماد النحاس.. ودفاع «الأحمر» سيئ    وليد صلاح الدين: ملف المدير الفنى الجديد تحت الدراسة.. ولا توجد ترضيات للاعبين    مصر تشارك بفريق ناشئين متميز في بطولة العالم للشطرنج 2025 بألبانيا    9 أيام إجازة في شهر أكتوبر 2025 للطلاب والقطاعين العام والخاص.. موعد اَخر عطلة رسمية في العام    اسعار الذهب فى الشرقية اليوم الأحد 5102025    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو «اعتداء ضابط على بائع متجول» بالإسكندرية    جنازة مهيبة لتشييع جثامين 4 شباب ضحايا حادث الأوسطي لمثواهم الأخير ببني سويف    لسرقة قرطها الذهبى.. «الداخلية» تكشف حقيقة محاولة اختطاف طفلة بالقليوبية    أبواب جديدة ستفتح لك.. حظ برج الدلو اليوم 5 أكتوبر    نجل فضل شاكر ينشر صورة لوالده بعد الكشف عن تسليم نفسه    تكريمات وذكريات النجوم في مهرجان الإسكندرية السينمائي    الكشف برومو وموعد عرض مسلسل "المرسى" في 15 أكتوبر    اعرف تردد مشاهدة "قيامة عثمان" بجودة HD عبر هذه القناة العربية    مهرجان روتردام للفيلم العربى يقاطع إسرائيل ثقافيا تضامنا مع فلسطين    الفيلم المصرى ضى يفوز بالجائزة الكبرى فى مهرجان الفيلم المغاربى فى وجدة    مواقيت الصلاة اليوم الأحد 5-10-2025 في محافظة الشرقية    رمضان 2026.. تعرف على موعد حلول الشهر الكريم وعدد أيامه    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الاحد 5102025    لعلاج نزلات البرد.. حلول طبيعية من مكونات متوفرة في مطبخك    أعراض متحور كورونا «نيمبوس» بعد تحذير وزارة الصحة: انتشاره سريع ويسبب آلامًا في الحلق أشبه ب«موس الحلاقة»    بمكونين بس.. مشروب واحد قبل النوم يزيد حرق الدهون ويحسن جودة النوم    لا مزيد من الروائح الكريهة.. خطوات تنظيف البط من الريش والدهون    ردّات الفعل الدولية تتوالى على ردّ المقاومة.. ترحيب واسع ودعوات لإيقاف المعاناة الإنسانية في غزة    ضربة جديدة لحرية الرأي والبحث العلمي ..دلالات الحكم على الخبير الاقتصادى عبد الخالق فاروق    المؤتمر: اتحاد الأحزاب تحت راية واحدة قوة جديدة للجمهورية الجديدة    بدر عبد العاطي وحديث ودي حول وقف الحرب في غزة وانتخابات اليونسكو    مصرع طفل وإصابة شخصين في حادث دراجة نارية بالفرافرة    دراسة حديثة: القهوة درع واق ومُرمم لصحة الكبد    صادر له قرار هدم منذ 53 عامًا.. انهيار جزئي لعقار في جمرك الإسكندرية دون خسائر بشرية    مصرع 3 عناصر إجرامية شديدة الخطورة خلال مداهمة وكرهم ببني سويف    تعرف على برجك اليوم 2025/10/5.. «الأسد»: تبدأ اليوم بطاقة عاطفية.. و«الحمل»: روح المغامرة داخلك مشتعلة    «الهيئة الوطنية» تُعلن موعد انتخابات النواب 2025 (الخريطة كاملة)    دوري أبطال أفريقيا.. قائمة بيراميدز في مواجهة الجيش الرواندي    بشير التابعى: مجلس الزمالك ليس صاحب قرار تعيين إدوارد ..و10 لاعبين لا يصلحون للفريق    لأول مرة فى تاريخها.. اليابان تختار سيدة رئيسة للحكومة    هل التسامح يعني التفريط في الحقوق؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    بداية فصل جديد.. كيف تساعدك البنوك في إدارة حياتك بعد الستين؟    شريف فتحي يشارك في اجتماع غرفة المنشآت الفندقية بالأقصر    ضحايا فيضان المنوفية: ندفع 10 آلاف جنيه إيجارًا للفدان.. ولسنا مخالفين    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025    أخبار × 24 ساعة.. قافلة إغاثية لمتضرري ارتفاع منسوب نهر النيل في المنوفية    محافظ سوهاج يعتمد المرحلة الثالثة لقبول الطلاب بالصف الأول الثانوي للعام الدراسي الجديد    حزب السادات يدعو لإحياء ذكرى نصر أكتوبر أمام ضريح بطل الحرب والسلام بالمنصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"معركة عقيمة" بين البورقيبية والإخوانية والماركسية.. التونسيون "ممزقون"
نشر في الفجر يوم 04 - 09 - 2014

أظهر التوزيع الجغرافي للقائمات الانتخابية أنّ التنافس على مقاعد البرلمان خلال الانتخابات التونسية القادمة يكاد ينحصر بين ثلاثة أحزاب كبرى تستند إلى مرجعيات أيديولوجية مختلفة حدّ التناقض وهي؛ حزب نداء تونس، ذو المرجعية البورقيبية، وحركة النهضة، ذات المرجعية الإخوانية، والجبهة الشعبية، ذات المرجعية الماركسية اللينينة.

في ظل غياب برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، يمكن أن تدور على أساسها منافسة مشروعة، تبدو الانتخابات القادمة في تونس “معركة أيديولوجية عقيمة” لا تخلو من “تصفية حسابات” بين تيار بورقيبي علماني، يؤمن بالدولة المدنية والمشروع الوطني، وتيار إخواني يؤمن بالدولة الإسلامية وبمشروع “الأسلمة”، وتيار يساري مازال متشبثا بالأيديولوجيا الماركسية اللينينة وبديكتاتورية البروليتاريا.

وبحسب تقرير مطول لجريدة العرب اللندنية، ترشح كل من حزب نداء تونس وحركة النهضة والجبهة الشعبية في 33 دائرة انتخابية ليغطوا مختلف جهات البلاد، وهذه أول مرة في تاريخ تونس، المشدودة للبورقيبية العلمانية، يزاحم فيها “الإخوان”الإسلاميون و”الرفاق” اليساريون بهذا الزخم وهذه الكيفية، قائمات حملة مشروع “الزعيم بورقيبة”، ما بدا مؤشرا على أن الخارطة الانتخابية تتجاذبها ثلاث تيارات أيديولوجية أكثر منها أحزاب سياسية تخوض الانتخابات على أساس برامج تستجيب لتطلعات التونسيين السياسية والتنموية.

على مسافة شهرين من الانتخابات زجت القائمات الانتخابية للأحزاب الثلاث الكبرى بالتونسيين في حالة تمزق فكري وسياسي بين هذه الأيديولوجيات، حتى أنّ الناخب وجد نفسه “ضحية” خلافات أيديولوجية تعصف بها عدائية لا تعنيه في شيء، طالما أن تلك الأحزاب لم تقدم له برامج انتخابية تعالج مشاغله الحقيقة وفي مقدمتها التنمية والشغل.

المفارقة أن تلك الأحزاب تعلم جيدا أن هذه الانتخابات تعدّ لحظة مفصلية في مسار “الثورة”، لأنها أول انتخابات يفترض أن ترسي سلطات تنفيذية وتشريعية دائمة، من المفترض أن تستمد شرعيتها من إرادة الناخبين على أساس برامج انتخابية لا على أساس معارك أيديولوجية عقيمة.

إزاء هذا الوضع الذي فرضته الأحزاب على الرأي العام، يجد الناخب التونسي نفسه مجبرا على أن يكون طرفا “أيديولوجيا” ليختار بين النداء البورقيبي والنهضة الإخوانية والشعبية الماركسية في وقت يتطلع فيه إلى أن يمنح صوته إلى قائمات الحزب الأكثر قدرة على التفاعل مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وينتخب برلمانا ممثلا لمختلف الجهات والفئات يعكس إرادة التونسيين الذين يتوقون إلى الحرية ودولة قانون والمؤسسات وتنمية تنقذ الجهات المحرومة من البؤس والتهميش.


مفترق طرق

لم يكن الصراع الأيديولوجي جديدا على تضاريس المشهد السياسي التونسي، فهو صراع يعود إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي مع ظهور حركة الاتجاه الإسلامي، (النهضة حاليا)، حين دخلت تونس في “فتنة” لم تخلو من العنف بين مشروع الإسلاميين ومشروع اليساريين، لما أعلن كل من “الإسلاميون” و”الرفاق” العداء للبورقيبية الّتي تفتخر بمكاسب دولة الاستقلال وفي مقدمتها النظام الجمهوري، وبدولة قوية مهابة وحرية المرأة ونشر للتعليم وإشاعة مقومات التنمية.

لكن هذه هي المرة الأولى (على اعتبار أن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 لم تفرز هياكل دائمة ولم تشهد تشكلا سياسيا واضحا مثل الذي نشهده اليوم) التي ينتقل فيها الصراع الأيديولوجي من فضاءات المجتمع مثل الجامعات والمقاهي ودور الثقافة والمنظمات النقابية إلى فضاء القائمات الانتخابية المتنافسة، الأمر الذي جعل تونس اليوم أمام مفترق للطرق.

على الرغم من أن التيارات الثلاثة لم تكشف بعد عن برامجها السياسية والتنموية، التي تخوض على أساسها الحملة الانتخابية وتحشد الأنصار، إلاّ أن التونسيين “المسيسين بطبعهم” لا يحتاجون إلى عناء حتى يقتنعوا أنّ الانتخابات هي “معركة” بين مشاريع ثلاثة؛ أحدها يعبر عنه النداء والثاني منوط بالجبهة الشعبية والثالث تقدمه النهضة، فيما تبقى الأحزاب الأخرى على هامش تلك المعركة وغير ذات تأثير كبير.

في هذا السياق، إذا تمسكت تلك الأحزاب بمرجعياتها الأيديولوجية والعقائدية وخاضت حملاتها الانتخابية على أساسها وحشدت الأنصار والمتعاطفين من خلال تأجيج مشاعر الولاء الأيديولوجي العقيم والخطير، فإنها قد تسقط من حيث تدري أو لا تدري في تزوير عقول الناخبين الذين سيجدون أنفسهم أمام عملية اقتراع غير ديمقراطية وغير شفافة.


نداء تونس وإحياء البورقيبية

من عايش المجتمع التونسي بوعي وحس مرهفين، سيكتشف أن البورقيبية لم تمت بموت زعيمها. حيث مازال صوته يصدح في الآذان لدى الشيوخ والكهول ولدى الشباب أيضا، وهو أمر لافت حقا. فقد نجح بورقيبة في نحت ملامح دولة ومجتمع تونسيّين، وحقق عددا من المكاسب التي بقيت مفخرة للتونسيين.

على الرغم طبعا من كلّ المؤاخذات المشروعة الموجهة إليه، من قبيل أنه ولّى شطر وجهه إلى الغرب وهمش تونس وحاول إبعادها عن محيطها العربي الإسلامي، وحكم بنفسه ولنفسه، متجاهلا حق التونسيين في الديمقراطية والتعددية الحزبية.

أيضا لم يكن المشروع الوطني التونسي مشروعا بورقيبيا، بل كان مشروع الحركة الإصلاحية التونسية منذ منتصف القرن التاسع عشر بقيادة خير الدين التونسي ونخبة من الفقهاء المستنيرين، لكن بورقيبة ورجال دولة الاستقلال نقلوا ذلك المشروع من مستوى الحلم إلى مستوى الواقع.

من أبرز ملامح هذا المشروع الوطني بناء دولة ذات مؤسسات مهابة ومجتمع ينعم بعائدات خيرات التنمية، أساسه نشر التعليم ودعم حرية المرأة، وهو مشروع حقق الكثير للتونسيين، خاصة في مجال التعليم، ويكفي أن نشير هنا إلى أن القيادات السياسية التي تعارض بورقيبة الآن، نشأت وتعلمت في مؤسسات التعليم التي انتشرت في كامل أنحاء البلاد التونسية بعد الستقلالها.

لذلك لم يتفاجأ التونسيون لما تزعّم الباجي قائد السبسي، رجل بورقيبة القوي، حركة نداء تونس، ورأوا فيها حزبا سياسيا قادرا على إعادة التوازن إلى المشهد السياسي من خلال حشد أنصار الفكر الوطني في إطار حركة تؤمن بأهداف الثورة وتتفاعل مع مشاغل التونسيين.

فلم يكن تأسيس النداء، حسب مراقبين، صدفة ولا تعسفا على الواقع التونسي، بل بالعكس فقد كان استجابة لتطلعات قطاعات واسعة من التونسيين المتوجسين من مشروع النهضة.

ومنذ البداية خاض النداء معارك ضد النهضة وحملها المسؤولية في تراجع أداء مؤسسات الدولة ولم يتردد في اتهام الحركة الإسلامية بالعودة بتونس إلى عصور الظلام، مشددا على أنّ الطريق السليم هو استكمال المشروع الوطني ولكن بروح ديمقراطية تؤمن بحق الاختلاف.

لكن، يرى مراقبون، أن مشكلة النداء تكمن في نخبويته، حيث يفتقد للعمق الشعبي،فرغم أنّ أغلب كوادره الفاعلة يتمتعون بكفاءة وخبرة عالية اكتسبوها على مدى سنوات طوال، إلاّ أنّ قاعدة الشعبية مازالت محدودة،الأمر الذي قد يقلل من حظوظ فوزه في الانتخابات القادمة.


النهضة والأيديولوجيا الإخوانية

لا يختلف مشروع النهضة كثيرا عن مشروع جماعات الإخوان في بلدان المشرق العربي، فهي سليلة “التنظيم الأم”. مشروع النهضة تحكمه أيديولوجيا إسلاموية لا تؤمن إلا ب”دولة الخلافة” وتطبيق الشريعة، وهو مشروع لا يقف عند الحدود التونسية وإنما هو يحلم بغزو المجتمعات العربية وحتى غير العربية، مقدما بذلك مفهوم “الدعوة الدينية” على العمل السياسي والالتزام بشروطه.

في هذا الإطار فقد مزقت الخلفية الأيديولوجية المشحونة بالمرجعية العقائدية التي تحملها النهضة التونسيين إلى “مؤمنين” و”علمانيين”، في أخطر عملية عمّقت الشرخ بين مكونات النسيج الاجتماعي والثقافي التونسي. وهكذا فرضت على الناخبين التصويت “للتقاة” حملة راية الإسلام.

بيد أن هذا التصنيف لن تجني منه النهضة الكثير خلال الانتخابات القادمة، حسب خبراء، فقد خبرها التونسيون خلال فترة حكمها الفاشل. إضافة إلى أن الناخبين على قدر عميق من الوعي، ما يجعلهم يميزون بين التوظيف الديني والعمل السياسي، وهم لا يترددون في القول بأنهم سينتخبون ممثليهم في البرلمان لا “أئمة مساجد”.

وتبدو مشكلة حركة النهضة منذ نشأتها في العام 1981، حين أسس راشد الغنوشي رفقة عدد من رفاقه “حركة الاتجاه الإسلامي” لتبشر كما تتضمن التسمية، بمشروع إسلامي في مجتمع مسلم بطبعه، ما جعل فئات عديد من المجتمع تتوجس منها، ناهيك عن الأحزاب العلمانية ونظامي بورقيبة وبن علي من بعده.

وبعد الثورة وجدت النهضة نفسها وجها لوجه مع خصومها اليساريين والعلمانيين، كما وجدت نفسها تخاطب شباب نشأ على قيم حديثة وممارسات جديدة، شباب لا يرى ترابطا بين التدين والتحزب، أغلبه يؤدي فرائضه الدينية غير مبال لا بالنهضة ولا بغيرها.

وقد فازت النهضة في انتخابات 2011، لكن فوزها كان نسبيا إذ لم يتجاوز 30 بالمئة من أصوات الناخبين. وكان يمكن أن تلتقط النهضة هذا المؤشر وتشكل حكومة وحدة وطنية، ولكنها فضلت التحالف فقط مع حزبين علمانيين صغيرين وشكلت حكومة “الترويكا” بقيادتها، غير مبالية بمواقف خصومها، مما ساهم في إبعادها عن سدة الحكم غداة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

ميدانيا اليوم، لا تراهن النهضة على إقناع الناس ببرامج سياسية وتنموية بقدر ما تراهن على الشحن الأيديولوجي لاستقطاب الناس، ولعل هذا ما يفسر أنّ الحركة نجحت في استمالة الفئات الهشة، حيث تعشش الأمية والبؤس، فيما فشلت في استمالة بقية الفئات.


الجبهة الشعبية

ما لا يعرفه البعض أو يتجاهله، أن اليسار التونسي بدأ نشاطه منذ عشرينات القرن الماضي،حتى قبل نشأة الحزب الدستوري عام 1932 لكن المفارقة؛ أنّ إشعاع اليسار حاليا في المجتمع لا يتناسب مع عراقة نضالهم الطويل والمرير، الأمر الذي جعل من الأحزاب اليسارية الناشطة اليوم تعيد النظر في تاريخها ورؤيتها للعمل السياسي.

ودون أن نخوض في التنظيمات التي قادها “الرفاق”، ابتداء من “مجموعة آفاق” في ستينات القرن الماضي وصولا إلى “حزب العمال الشيوعي التونسي” في الثمانينات، يحسب لليسار التونسي أنه أول تيار جاهر برفضه للحكم الفردي في عهد الزعيم بورقيبة، وبذلك فهو أول تيار فتح هامشا لمعارضة نظام الحزب الواحد ليمهد الطريق لاحقا لظهور تعددية جنينية بدأت تتشكل مع منتصف فترة السبعينات من القرن الماضي.

ولم يستوعب بورقيبة أن يعاديه شباب تعرف على الشيوعية ودرسها في مدارس ومعاهد وكليات دشنها بيديه، ولذلك كاد يبيد اليسار.

منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، اجتاحت المشهد السياسي التونسي موجة اليساريين الجدد الذين تعلموا من تاريخ الرفاق المؤسسين وانخرطوا في نشاط سياسي بعضه علني وأكثره سري، لكن في كل الحالات بدا الرفاق الجدد أكثر براغماتية والتصاقا بمشاغل التونسيين، ما جعلهم يتموقعون في النقابات والإدارات والمؤسسات الصناعية وفي الجامعات.

منذ تلك الفترة نجحت التيارات اليسارية في اكتساح الفضاءات الحيوية في الدولة والمجتمع، وكانت الأقرب في الدفاع عن حقوق العمال والأجراء في وقت ساد فيه الاقتصاد المتوحش.

بعد “الثورة”، التي لم ترفع شعارا أيديولوجيا واحدا، لا شيوعيا ولا ليبراليا ولا إسلاميا، اكتشفت التيارات اليسارية أنّ المحرك الأساسي لنضال الشعوب يتلخص في “الحياة الكريمة والحرية”، كما تراها الشعوب لا كما دوّنها الماركسيون.

وسواء تعلق الأمر بنداء تونس أو بالنهضة أو باليسار فإن أولويات التونسيين لا هي العودة إلى البورقيبية ولا بناء دولة إسلامية ولا دولة بروليتارية، فأولويتهم اليوم التي ستحسم إلى حدّ كبير نتائج الانتخابات المقبلة، تتمثل في بناء دولة مواطنة تستمد شرعيتها من إرادة التونسيين وتستجيب إلى تطعاتهم في التنمية والتشغيل، دولة لا تسطو فيها فردانية بورقيبة على سيادة الشعب ولا تسطو فيها الدعوة الدينية على مكاسب الحداثة ولا تسطو فيها البروليتاريا على حق الجميع في الديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.