لا شك أن الانتخابات الرئاسية التونسية التى انتهت بفوز السبسي، على المرزوقى المدعوم بحزب النهضة الإخوانى التونسى والذى يرأسه راشد الغنوشى أحد العناصر فى التنظيم الدولى العالمى للجماعات الإرهابية الإخوانية، تمثل صفعة انتخابية جديدة، من خلال ماكينة الشعب التونسى الرائع الذى خرج فى كل المحافظاتالتونسية ليعلن رفضه لطيور الظلام الذين يريدون اختطاف الدولة التونسية العالمية إلى المجهول السياسى والثقافى والاجتماعي، تحت تداعيات الإصلاح الديمقراطية، ولأن الإخوان سواء فى مصر أو تونس أو ليبيا لايمتلكون الخيال السياسى والنضج الديمقراطى وضحوا بالديمقرطية وحقوق الإبداع واحترام ثقافة الآخر وحرية الاعتقاد والمواطنة بمفهومها الشامل، مقابل شهوة الوصول إلى السلطة والحكم حتى لو كان المقابل بيع الوطن والمواطن العربى من أجل الاستمرار فى الحكم، فهم على استعداد للتحالف مع الأمريكان واليهود للرجوع للحكم والسلطة حتى لو اتفقوا مع الشيطان أيضا، ولذلك حتى الآن أردوغان يحلم برجوع مرسى وبالمشروع الإخوانى لإقامة الدولة الإسلامية وقاعدتها إسطنبول حتى يكون هذا الطاغية التركى الاستبدادى الذى يدعى أردوغان هو من مهد لعودة الخلافة الإسلامية على الطريقة الأردوغانية، فلذلك كان حزب النهضة التونسى الإخوانى يخطط لخطف الدولة التونسية والسيطرة على الحكم من خلال ميليشيات النهضة وسلفييهم أيضا، الذين بعثوا لدى المواطن التونسى خوفا ورعبا من خلال عمليات القتل للمناضلين والمفكرين والسياسيين، بالإضافة إلى نشر الفكر الظلامى فى الجامعات التونسية، ورفض كل الأنشطة الطلابية، والمسرح، والسينما. كل ذلك أدى إلى إصابة المجتمع التونسى بالذعر والاضطراب، ناهيك عن رفضهم لدور المرأة التونسية التنويرى والحركى ورفض وصولها لأعلى المناصب فى كل الوظائف، فجاء راشد الغنوشي، هذا الرجل الزاعم بأنه أحد مؤسسى الديمقراطية واحترام الرأى الآخر فى العالم العربى ظاهريا، وفى الخفاء هو نفسه مرشح لأن يكون المرشد العام للتنظيم الدولى للإخوان، لأنه يؤمن بالفكر القطبي، وأن الاغتيال والقتل هو أقصر طريق للوصول إلى الحكم، وأن السمع والطاعة هما منهج لا يحتمل النقاش لأنها عقيدة لا يمكن الاقتراب منها. هذا الغنوشى الذى اختفى خلف المشهد الانتخابى الرئاسي، وأعلن دعمه هو وعشيرته للمرزوقى المختلف معه أيديولوجيا وسياسيا، فهو أقصى اليسار الفكرى وهم يمثلون أقصى اليمين الرجعى المتطرف، الذى يستخدم ورقة الدين والحاجة الاقتصادية للوصول إلى السلطة.. فبالرغم من اختلاف الأيديولوجيات الفكرية والعقائدية، إلا أنها لعبة المصالح والصفقات السياسية التى يجيدها الإخوان بشكل تكتيكى حتى يصلوا إسترتيجيا إلى هدفهم، فهؤلاء الذين دعموا المرزوقى لا مانع لديهم من تصفية المرزوقى وأى مرزوقى آخر فى تونس يقف أمام تحقيق هدفهم.. فلذلك كانت ماكينة الشعب التونسى التى وعت الدرس والتجربة واستفادت من المشهد المصرى الذى نجح فى إحداث أكبر ضربة استباقية ليس لمكتب الإرشاد فى مصر وحسب، ولكنه قصم ظهر التنظيم الدولى للإخوان فى أكثر من 70 دولة، لأن ثقل الإخوان والمرشد كان فى القاهرة وقيام الشعب المصري، فى كل ميادين التحرير المصرية فى 30 يونيو 2013 مرددا "يسقط يسقط حكم المرشد" وليس "الحاكم مرسي" كان رسالة قوية زلزلت وهزت التنظيم الدولى وأسقطته بلا رجعة، بل كانت ضربة استباقية خطيرة لأجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية والتركية والإسرائيلية الذين لم يتوقعوا هذا الزلزال المصرى بقوة 100ريختر لتعلن سقوط دولة الإخوان للأبد وليس فى مصر وحدها، بل فى تونس أيضا التى لحقت بها أول أمس، وستلحق بهم قريبا ليبيا ثم عالمنا العربى كله.. لم يدرك الإخوان فى تونس أو مصر جينات الشعوب وجذورها وهويتها الثقافية، فتعاملوا مع الشعوب على أنها جزء من التراث الإخوانى الذى لا يمتلك إلا السمع والطاعة فعملوا على إقصاء الجميع من المشهد السياسى فى مصر وتونس متوهمين أنهم بهذا الفعل الفاضح والجرم الأخلاقى سيتمكنون من فرض سيطرتهم ومرجعيتهم وأفكارهم وميليشياتهم على الناس، فسقطوا فى أول مواجهة مع ماكينة الشعب التونسى والمصري، وتم حرقهم إلى يوم الساعة. قبل حزب نداء تونس ورئيسه السبسى رغم كبر سنه- التحدي، وكان الشعب التونسى من جانبه على قدر هذا التحدي، واختاروا السبسى للرئاسة، لأنه سيعيد تونس الخضراء إلى أهلها وثقافتها وتاريخها وخصائصها، بمعنى أنه سيعيد "تونس الخضراء"، بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من "تونس النهضة" أو "تونس الغنوشي"، وبعد أن كانت النهضة تعد عدتها لتقدم تونس هدية إلى مرشدهم الأعلى القابع فى السجون المصرية، لتقول له بلسان الحال "لقد ثأرنا لهزيمتكم فى قاهرة المعز، وهاهو اليوم يأتى لنرد إليكم كرامتكم ومرشدكم ومكتب إرشادكم"، فهذا كان حلم الغنوشى ورفاقه، ولكنه أفاق فى الجولة الثانية للانتخابات التونسية على صوت أبونواس الذى يؤذن فى عاصمة الثقافة ليهيب بالشعب التونسى الدفاع عن شعرائه ومفكريه ومناضليه، وعن التجربة البورقيبية، التى لها ما لها، وعليها ماعليها.. وأتذكر هنا قول بورقيبة للقذافى "يجب أن يتعلم الشعب الليبي"، فأجاب القذافى "أخشى عليك يا أخ بورقيبة أن ينقلب الشعب التونسى المتعلم على حكمك" فأجاب بورقيبة "أن يثور عليك شعب متعلم أفضل من أن يثور عليك شعب جاهل يأكل الأخضر واليابس"، وهذا هو الفرق بين ليبيا وتونس، وهو نفسه القاسم المشترك بين تونس ومصر، فرموز التنوير والفكر والمبدعون، كانوا هم القاسم المشترك بين الشعب التونسى والمصري، فاليوم بعد نجاح إرادة الشعب التونسى فى تحقيق التجربة الثانية بعد مصر لإسقاط إخوان النهضة والمرزوقى فى مستنقع التاريخ، ستعلم الأجيال التونسية القادمة على من كان يراهن الغنوشى وعشيرته، وسيعلم الجميع أن الغنوشى كان يراهن على عودة تونس إلى عصور الظلام والسمع والطاعة والمرشد العام، ولكن كان الخلاص من خلال حزب نداء تونس، والذى هب الشعب إلى صناديق الاقتراع لمساعدته، وليضع إخوان النهضة والمرزوقى خلف قضبان الوطن والأيام.. وعجبي.