تعد الانتخابات البرلمانية المقبلة بمصر مرحلة فارقة لها أثرها الظاهر وبشدة علي مسرح الأحداث المصرية, ليس فقط في الوقت الراهن, لكن في المستقبل أيضا...حيث لا يخفي علي أحد أن البرلمان القادم سيكون ملك يمينه صلاحيات لا حدود لها لكي يتداخل بشكل حقيقي, مثل أعرق الدول البرلمانية, في إدارة الشأن المجتمعي والسياسي, وذلك علي حساب سلطات الرئيس, كرأس للسلطة التنفيذية, خلافا لما كان عليه الوضع في توزيع السلطات في دستور...1971 ومشكلة هذه الحقيقة, أنها ستضع معظم القرارات المصيرية في الشأن السياسي والتنفيذي, رهن إرادة البرلمان... وهذا من حيث المبدأ لا تثريب علينا في إقراره منهجا لنا للإدارة..ولكن المشكل هنا هو غياب فلسفة التقييم الواقعي للحياة السياسية, وعلي رأسها ملكات الاختيار من المواطن العادي لنواب البرلمان, عن أفق واضعي الدستور, فنقلوا لنا ثوابت رائعة ديمقراطية من دول برلمانية عريقة لها في الشأن الديموقراطي باع طويل... ومن اللافت للنظر هنا, وعلي الرغم من وجود مخاوف معلنة- ولها مبررها العقلاني والمنطقي, من الكثيرين من الوطنيين والقوي الشعبية والسياسية المعتدلة, بشأن احتمالية أن يتلون هذا البرلمان بلونين, أصبحا بغيضين للغالبية من المصريين, هما اللون السياسي الملتحف بعباءة التدين, أو اللون الوطني الديموقراطي المباركي, الملتحف بعباءة المال والمصالح, وهما لونان تقليديان, كان أحدها أهم أسباب مظاهر الفساد والغضب الذي شكل أساسا لقيام ثورة25 يناير, وهو الحزب الوطني, وكان الآخر, وهو تيار السياسة المتدثرة بالدين, للإخوان وشركائهم, هو وقود ثورة30 يونيو... والمعضلة هنا علي ما تقدم, فالبرلمان القادم سيشكل ردة للأسوأين...فماذا فعل المجتمع المصري لكي ينجو من فخ هذين اللونين؟ للأسف الشديد لم يفعل الكثير.... بالعكس...الأمور الرسمية تسير بوتيرة هادئة, ربما لا تدرك حجم المخاطر من سيطرة هذين اللونين, وأقل تلك المخاطر, تنامي الحنق والغضب الجماهيري, من عودة الوجوه البغيضة التي كانت السبب في الثورتين السابقتين, وأعلاها شأنا هو أن تقوم ثورة ثالثة, لا قدر الله, حيث يشكل عودة هؤلاء الطغمة للسياسة والتشريع, استهانة بكل قيمة أو مكتسب للثورة أو للغضب الشعبي... وكذلك فالإعلام سواء الرسمي أو الخاص, لم يفرد بعد المساحات اللازمة لتغطية موضوع الاختيارات لأعضاء البرلمان..واكتفي البعض بالصراخ والمعارضة لقانون تقسيم الدوائر الانتخابية..وتناسي الجميع إرادة الناخب.. المواطن المصري..الرجل العادي والمرأة العادية بالشارع المصري.. وهما قوام اجتياز أخطر المراحل في مسار الديموقراطية المصرية التي يحلم بها المجتمع... أليس ذلك خطيرا وملفتا للنظر ومثيرا للقلق؟ نعم..وقطعا... هناك خطورة حقيقية من عودة أي من التيارين... ولكن هل نترك الأمر يسير هكذا..وكأننا نرضي بالمصير المحتوم, وكأنهما قضاء الله وقدره أن يجثما علي ظهر وعقل مصر, ويقفا عثرة في سبيل انطلاقتها للأمام ؟ ونقطة الضوء التي علينا التشبث بها في الفترة القادمة, وألا نضيع فرصة إمكانية التأثير غيها وشحذ حماستها, هي حقيقة غابت كثيرا عن المهتمين بالشأن السياسي تحليليا ورقميا, وأن يتم ذلك علي الصعيد الرسمي والسياسي عامة والإعلامي وغيره..وهو أن الغالبية العظمي من قاعدة الوطن التصويتية, نحو55 مليون مصري ومصرية, لم يسبق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية السابقة... وهذا يعني أن العامل المرجح الأهم في تقرير من يفوز بتمثيل الشعب المصري في برلمانه, لم يعمل له أحد حساب حتي الآن... أليس في ذلك خطيئة في حق الوطن؟ علي القوي السياسية مدعومة بالإعلام الوطني وخلفهما الدولة ومؤسساتها, أن ينشطوا في حشد الناخب غير المهتم أن يدلي بصوته, لأنه الأمانة الغالية التي ستعصم مصر من الوقوع في فخ العبث بالدين أو سلطان الفساد في نظام مبارك.. وكلاهما شر.. ندعو الله ألا تقع فيه مصر مرة ثانية..ولكن الدعاء لا يكفي...إنما سيحدث ذلك عندما ندرك خطورة المرحلة, وأن يعلم المواطن المصري أهمية أن يذهب للتصويت, وكيفية اختياره لنواب البرلمان... [email protected] [email protected]