إن أحلك الظلمات التي نعيشها اليوم في المنطقة العربية هي ظلمات النفس والعقل معا... عندما تغيب عنا رؤية واقعنا ولا نشغل بالنا بأن نقارنه بواقع غيرنا... ثم مانلبث أن نغرق في وحل الخلافات بين الطوائف والأفكار, وتطاحن علي السلطة, بين القوي السياسية المهترئة القدر والقدرة, ثم لا يمر وقت طويل حتي ندلف للغوص في ظلمة الإساءة للعقيدة والدين, فنلبس أفعال سفهائنا ثوب الدين, وتتباري جماعاتهم, الكثيرة كثرة الأرانب, في تقديم المسلك الإقصائي الممجوج تحت شعارات براقة يقع في فخاخها البسطاء لأنها ببساطة تمتطي الدين وتصنع منه أرجوحة بالغة التأثير, يأخذونها في أي اتجاه يحقق لهم مصالحهم الضيقة, ومعها مصالح أعداء العرب من كل النواحي, فتتفق المصالح العظمي الخبيثة مع المصالح التافهة للبلهاء و الجهال لتلتهم مصالح مجتمعات السذج.... ونحن نكتفي بالتحسر وتجرع آلام التهاوي المتدرج... في الوقت الذي تتسارع فيه عجلة التطور والعلم في الدول الأخري, وكأننا نريد أن نثبت للعالم أجمع أن سبب تراجعنا في المنطقة العربية يكمن في تمسكنا بالدين الإسلامي..والأمر كذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة.. لأن الدين في أمتنا قد هجر جوهرا ونبذ موضوعيا.. فغابت عن مجتمعاتنا أهم ما يمكن للدين أن يقدمه من إيجابيات في حياة البشرية, بينما تعاظم شكليا و سطحيا... وطفا علي سطح الأحداث في كل عنيف ودموي.. وهم في الغرب قد أفلحوا في استخلاص جوهر الدين, وعلي قمته الجدية والإخلاص والعلم والعدالة والشفافية والمساواة والإبداع والنظافة... وكلها قيم تشكل جوهر إسلامنا ولكننا لم نستفد منها بدرهم ولا دينار... فهجرنا ديننا بمضمونه, لأننا ببساطة لا نحترم العلم..ولا نقدر الإخلاص... ولا نلتفت للعمل الجاد.. والشفافية بينها وبيننا خصام... أما النظافة فحدث ولا حرج.. وتجولوا في شوارع أعرق المدن العربية وأقدمها وأكثرها عمقا في التاريخ والحضارة وستصدمون من كم القمامة وغيبة النظافة... حتي اعتادتها أعين الناس, فكانت أقبح الخصال, أن نعتاد علي قبح الشكل وغياب الجمال, ونمر عليه مرا هينا..فلا يسبب لنا ألما ولا وخزا في ضميرنا... وعلي حكوماتنا أن تجتهد بتقديم منهج صالح لمؤسساتها, يقدم منجزات حقيقية في شأن العدالة والإصلاح بكافة نواحيه العملية والاجتماعية والثقافية والصحية وغيرها... بشكل يلمسه المواطن العادي في الشارع..في الوقت الذي يدرك فيه الفرد العربي أن دوره في الحياة أكبر بكثير من الأكل والشرب وإنجاب الذرية.... إذ يصبح اقتصاره علي تلك الأدوار البدائية مسخا لقيمة العقل و الإنسانية فينا, حيث إنها أدوار ليس فيها ما يميز البشر عن سواهم من مخلوقات الله التي تتناسل من غير عبقرية ولا براعة تذكر... أما بشأن الدين... فلا فلاح لنا حتي نعتنق الإسلام من جديد.... إسلام النبي الخاتم محمدا... الذي بني علي العمل الجاد والإخلاص والعلم والخلق والتسامح والقبول بالآخر مهما اختلفنا معه, وخاصة علي تقديم الرحمة والحكمة والموعظة الحسنة... وليس علي داعش والإخوان والجهاد وغيرها من مظاهر التشرذم وتفكيك أوصال الدين الواحد... هناك أزمة حقيقية في منطقة العرب... عندما نأخذ من الغرب السلاح الذي نقتل به أنفسنا... والأجهزة والعلاج والموضة وقصات الشعر والسيارات الفارهة... ولا نأخذ منه أي قيمة حقيقية من التي أبدعت هذه المظاهر المادية, مثل قيم العمل والجد وروح الفريق والتفاهم وسلمية الحوار و رقي الاختلاف والحرية المسئولة واحترام الآخر.. والبحث العلمي... فننقل منهم ما لا يجب أن ننقله, ونترك لهم ما يجب علينا أن نجتهد ونخلص في تلقيه منهم... أفيقوا يا عرب قبل أن تعودوا إلي قرون الظلام وحياة الجاهلية, في رحلة السقوط إلي قاع التاريخ, التي بدأت بالفعل في الصومال والعراق وليبيا وسوريا واليمن..وكلها مجتمعات إسلامية.. عندما تتفكك أوصال دولكم وتتهاوي مجتمعاتكم بأيدي أبنائكم وليس بأيدي أعدائكم...اللهم الطف بنا من شرور سفهائنا وخبث أعدائنا... [email protected] [email protected]