يوم الاثنين الماضي ودعت مصر شابين من أطهر شباب الوطن استشهدا في أحداث ما بعد الإعلان الدستوري المكمل الذي صدر يوم الخميس الماضي, وهما الشهيدان جابر صلاح الشهير ب جيكا من أعضاء جماعة6 أبريل, وإسلام مسعود أحد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين, وقد شيعت الجنازتان في توقيت واحد تقريبا, وان اختلفت الأماكن. حيث تم تشييع جثمان الأول من ميدان التحرير في قلب القاهرة, والثاني من ميدان الساعة في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة. هما من أطهر الشباب ويجب عدم التفرقة بينهما لمجرد الاختلاف السياسي, كما أن الاختلاف السياسي لا يمكن أن تكون نهايته الموت وفقد الأرواح, وإلا ما قيمة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة؟ ألف باء الديمقراطية هو الاختلاف وعدم قهر الآخر أو إيذائه ماديا ومعنويا, وللأسف فانه منذ ثورة أحمد عرابي فان الشعب المصري يجاهد من أجل الديمقراطية التي لم تتحقق بعد محاولات الاستقطاب الحادة التي يموج بها الشارع السياسي في مصر, وتقسيمه إلي فريقين قد تكون في أحد جوانبها شيئا إيجابيا, لأن الاختلاف والتنوع هما السمة الأساسية للدول الديمقراطية, لكن المشكلة أن حالة الاستقطاب الحادة تحولت إلي مكارثية جديدة وتفتيش في الضمائر والنوايا, ورفض الآخر بشكل مطلق, بل واتهامه بأبشع الاتهامات, وسبه بافظع الألفاظ, بل وتطور الأمر إلي اشتباك بالأيدي والأسلحة وإزهاق الأرواح البريئة الطاهرة, كما حدث في حالتي جابر صلاح وإسلام مسعود. أعتقد أن قرار الإخوان والسلفيين بإلغاء مظاهرة الثلاثاء التي كان من المقرر إقامتها أمام جامعة القاهرة لتواجه مظاهرة القوي المدنية في ميدان التحرير, كان قرارا صائبا ويصب في خانة التعقل والتهدئة فلا يجب تقسيم مصر إلي موالاة ومعارضة, ولكننا نريد دولة ديمقراطية عصرية بها حزب حاكم وأحزاب أخري معارضة, يحترم كل منها الآخر, ولا يلصق به اتهامات التخوين أو التكفير, فالاستبداد دائما له نهاية وإن طال أمده, وقد سقطت كل الأنظمة المستبدة في التاريخ القديم أو الحديث سواء تدثرت بعباءة الدين أو الايديولوجية بدءا بالامبراطوريات المسيحية, ومرورا بالخلافة العثمانية المتدثرة بعباءة الإسلام, وانتهاء بالدول الشيوعية والنازية والفاشية والدول المتخلفة التي انتهجت الديكتاتورية كما كان الحال في مصر وليبيا ودول الربيع العربية وإفريقيا وغيرها. لم تصمد تلك الدول وانهارت علي رؤوس حكامها وشعوبها, وقد نجحت الدول التي استوعبت دروس التاريخ وأقامت ديمقراطيات عصرية حديثة, كما حدث في دول أوروبا وأمريكا والهند وماليزيا والكثير من دول العالم المتقدم الآن, وليس أمامنا خيار سوي السير في هذا الطريق من أجل اقامة حلم الدولة الديمقراطية الذي ناضل من أجله أحمد عرابي ومصطفي كامل ومحمد فريد وسعد زغلول حتي قامت ثورة يوليو ووقعت في خديعة الشعارات, واهتمت بالعدالة الاجتماعية علي حساب الحريات, وكان عام1954 هو الأسوأ حينما ألغي قادة الثورة الأحزاب, ومزقوا دستور السنهوري, ووقع حادث المنشية الذي تم اتخاذه ذريعة للتنكيل بالإخوان وإعدام ستة من قادتهم وأبرزهم الشهيد عبدالقادر عودة الذي قال كلمته الشهيرة وهو علي منصة الاعدام عام1954: أشكر الله الذي منحني الشهادة.. إن دمي سينفجر علي الثورة, وسيكون لعنة عليها. هنا يظهر الفارق جليا بين القضاء الطبيعي والمحاكمات الاستثنائية التي نرفض العودة إليها, يجب ألا تقرها جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة التي كانت أكبر المتضررين من المحاكمات والقوانين الاستثنائية. لا بديل عن الهدوء والتعقل ومراجعة بعض بنود الإعلان الدستوري الأخير, خاصة ما يتعلق بالمادة الثانية التي حصنت القرارات والقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية وعدم الطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة, أو التعرض لها بوقف التنفيذ والالغاء, وكذلك احترام القضاء واحكامه وعدم التدخل في شئونه, وذلك في إطار حوار جاد مع القوي السياسية للتوصل إلي صيغة مقبولة لكل الأطراف فلا مهزوم أو فائز في المصلحة العامة, فالالتزام بدولة القانون رغم صعوبته لا بديل عنه, طالما ارتضينا مبدأ الدولة الديمقراطية العصرية الحديثة بعيدا عن أجواء الخمسينيات وما صاحبها من قرارات ثبت فشلها. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة