بعد لقاء رئيس الجمهورية بشباب الصحفيين والإعلاميين عرفنا جميعا بشأن اعتزام الدولة إصدار تشريعات تخول تجريم كل من يتعدي، أو يشوه ثورتى 25 يناير و30 يونيو، كذلك سمعنا تصريحات سيادته بأن مصر لن تعود إلى الوراء مطلقا، وبعدها بأيام قلائل عرفنا بإحالة النائب العام السابق طلعت عبد الله وعدد آخر من أعضاء الهيئة القضائية إلى المعاش وهو القرار الذى صدق عليه رئيس الجمهورية بعد أن بت فيه سلفا المجلس الأعلى للقضاء حسب ما تواتر من أنباء، وقد تزامنت كل تلك القرارات الوطنية مع صدور الحكم القضائى ببراءة الرئيس الأسبق ووزير داخليته وجميع مساعديه فى القضية الموسومة إعلاميا بقضية القرن. وهو القرار الذى حاول البعض توظيفه لتشويه النظام الحالى عن طريق استخدامه فى إثارة جزء من الرأى العام عن طريق الإيحاء بفكرة المؤامرة، والتى صُور فيها النظام الحالى زورا وبهتانا على أنه متواطئ مع نظام مبارك، فخرجت بعض المسيرات التى تندد بالحكم استغلها البعض للتنفيس عن أفكارهم التى طالما كانت غريبة على العقل والوجدان المصرى فرددوا خلالها شعارات مناوئة للجيش المصرى، وشاهدنا جميعا على الفضائيات المصرية والأوروبية بعضا من أحداث الشد والجذب التى تصدى لها رجال الجيش والشرطة المصرية بحرفية ومهارة يشهد لها الجميع حيث كان كلاهما قادرا على استيعاب غضب البعض من الحكم القضائى. - ولما فاجأتنا مؤسسة الرئاسة جميعا بفكرة قانون تجريم كل من يتجرأ على تشويه ثورتى 25 يناير و30 يونيو، أدركت أن الأمور قد وصلت إلى ذروتها وأنه لابد وأن تتخذ القيادة هذا القرار الذى كان له مفعول السحر لدى جماهير عريضة من أبناء الشعب المصرى سواء من ثوار 25 أو من ثوار 30 يونيو، فهذا القرار قد وضع حدا لذلك الصراع الذى بدا متناميا حول ملكية الثورتين ودور كل منهما وفى تحليلى المتواضع فإن هذا القرار إنما ينم عن رغبة جادة فى المؤاخاة بين الثورتين على أساس أن كليهما كان يهدف إلى شىء واحد وهو انتشال البلاد مما وصلت اليه من حالة متردية. وعلى الرغم من محاولات البعض للتشكيك فى نجاح ثورة 25 يناير "على وجه التحديد" توظيفا لقرار المحكمة بالبراءة فى قضية القرن، إلا أن الرئيس خرج لينتصر لها علنا، وهو أمر غير جديد، وليس بمستغرب. فلو أزاح الكثيرون من على أعينهم تلك الغشاوة، لتذكروا أن الجيش المصرى كان هو أول من ساند ثورة 25 يناير وآمن بها وحماها، وها هو رئيس الدولة المنتخب يعترف بها فى قانون رسمى فكيف بعد ذلك لأحد أن يشكك فيها أو يتجرأ عليها؟ وكيف لأحد بعد ذلك أن يزايد عليها وعلى نجاحها. - وعلى الرغم من أن ثورة 30 يونيو معروف أعداؤها إلا أنها بما أفضت إليه من منجزات - باتت محسوسة على أرض الواقع - أصبحت قادرة على مجابهة كل عدو أو مناهض لها، وهكذا يتضح للرأى العام بما لا يدع مجالا للشك أن كلتا الثورتين مكملة للأخرى، وبالتالى لا يمكن أن يتنافس معها أو حتى أن تفكر فى محاولة الانتصار عليها بقدر ما قد يفكر فى الانتصار لأجله حتى تدور العجلة دورتها الصحيحة وتعود مصرنا الغالية إلى مكانتها، التى يحاول الرئيس بكل ما أوتى من قوة وصلاحيات أن يستعيدها خارجيا. وها هو أيضا يحاول على الصعيد الداخلى أن يُعيد المصريين إلى وحدتهم من جديد عن طريق تجفيف منابع الفرقة والتشييع، فكلنا مصريون وكلنا وطنيون و من ثاروا لأجل مصر فى 25 ليسوا بأكثر وطنية من أقرانهم الذين هبوا فى 30 يونيو والعكس صحيح، وفى الواقع فكما أرى أن تلك الخطوة موجهة إلى تحقيق الوئام الداخلى أرى أيضا أنها موجهة بشكل ما إلى جانب من الإعلام الذى أخذ من الثورتين ذريعة لتحقيق مكاسب زائفة فراح بعض الإعلاميين يشعلون نار الكراهية والفتنة بين أبناء الشعب الواحد من أنصار كل ثورة على حدة، وهو الأمر الذى كانت مؤسسة الرئاسة متيقظة له منذ البداية. وحقيقة فإن مؤسسة الرئاسة قد أدارت تلك الأزمة بقدر كبير من الحرفية والوطنية الواضحة التى لاتهدف إلا لإصلاح ذات بين المصريين على اختلاف أطيافهم وتنوع توجهاتهم، وهو الإصلاح الذى لابد أن سيكون له مردوده المستقبلى على السلام الاجتماعى المصرى، وهى المرحلة التى ننشدها جميعا حتى نصل بوطننا الغالى إلى بر الأمان.