في الحياة البرلمانية الحديثة القائمة علي التعددية السياسية منتصف السبعينات شكل المستقلون رقما مهما في المعادلة البرلمانية, والسياسية علي السواء, وباستثناء برلمان1984 الذي حدده القانون الانتخابي بقوائم حزبية نسبية, لم يغب المستقلون عن البرلمانات المصرية المتعاقبة متذ عام1976 وحتي برلمان2010 أي ثمانية برلمانات تراوح فيها تمثيل المستقلين من حيث العدد وقوة التأثير, وإن ظل حضورهم ملموسا ومؤثرا طوال الوقت, ولو بدرجات مختلفة. ولأن الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب جاءت بنحو420 نائبا للحزب الوطني من بين503 نواب تم انتخابهم, وبعد خصم مقعد نائب التجمع عبد العزيز شعبان الذي وافته المنية قبل بدء جلسات البرلمان لا تحظي المعارضة سوي بنحو15 نائبا يمثلون ستة أحزاب هي الوفد والتجمع والغد والجيل والسلام والعدالة, مقابل68 نائبا مستقلا, منهم نحو44 نائبا هم في الأساس أعضاء في الحزب الوطني, خاضوا الانتخابات بعيدا عن الإلتزام الحزبي, ويؤكد الحزب الوطني أنه لن يضمهم لصفوفه, و24 نائبا لم يسبق لهم عضوية أية أحزاب, مما يعني أن المستقلين يمثلون ثاني كتلة سياسية من حيث العدد في البرلمان. ولأن الوطني حاز أغلبية كاسحة تصل إلي83% من عدد نواب البرلمان, ولأن المعارضة الحزبية في حدود2% تقريبا, فإن البعض يأمل في أن يتحرك النواب المستقلون ليشكلون معارضة مهمة وفاعلة في البرلمان, كما حدث في دورات سابقة, وخاصة في برلمان1990 حينما قاطعت احزاب المعارضة الانتخابات احتجاجا علي إلغاء القوائم الحزبية والعودة إلي نظام الانتخاب الفردي. وأدت هذه الانتخابات إلي بروز عدد غير قليل من النواب المستقلين الذين كانوا نجوما لثلاث دورات برلمانية, وشكلوا كتلة نيابية, لها رئيس ومتحدث باسمها, وكان رئيس مجلس الشعب الدكتور أحمد فتحي سرور يمنح ممثل الكتلة الحق في الكلام والتعقيب مثل ممثلي الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان. قد يكوين هذا الحضور المستقل في البرلمان علامة علي تواضع التجربة الحزبية, وقد يكون الرهان علي تكون كتلة نيابية مستقلة ومتجانسة سابقا لأوانه, وقد يكون أيضا تحولها إلي قوة معارضة مؤثرة وفاعلة في البرلمان أمر صعب المنال.. لكن لأنه لا توجد بدائل أخري فإنه لا يبقي أمامنا سوي بعض الأمل, في أن ينهض هؤلاء النواب المستقلون بدور أكبر في التصدي للأغلبية الكاسحة للحزب الوطني, خاصة وأن الرهان علي تعدد الرؤي والتباينات داخل الحزب وإن كان موجودا فإنه وفقا للتقاليد البرلمانية ليس مسموحا به تحت قبة البرلمان. والحقيقة الماثلة أمامنا أننا أمام مجلس شعب لا تتوافر فيه مساحات كبيرة للاختلاف, ولا تتنوع فيه القوي والكتل والألوان السياسية بشكل كبير, وحتي وإن تنوعت فإن تمثيلها المحدود لن يؤدي إلي فاعلية كبيرة في القيام بالأدوار المنوط بها لنواب البرلمان وهي التشريع والرقابة علي الحكومة. وهذا يعني حسب رأي الكثيرين وجود برلمان منزوع المعارضة, ويري آخرون أن دوره سيقتصر علي تأييد السياسات الحكومية دون معارضتها بشكل كبير ومؤثر.. لكن ليس في أيدينا تغيير هذا المجلس بين ليلة وضحاها, مما يعني أن علينا التعايش مع هذا المجلس حتي ينهي دورته, أو يجري تغييره في ظروف مغايرة كأن يقرر الرئيس مثلا تغيير النظام الانتخابي والعودة إلي نظام القوائم الحزبية, ومن ثم يحل البرلمان لإجراء انتخابات جديدة, لكن حتي هذا التمني ليس مطروحا الآن, وربما لعامين قادمين. وفي ضوء كل هذه المعطيات فإن الحد الأقصي للتوقعات ينصب علي حدود الدور الذي يمكن أن يلعبه المستقلون, وقدرتهم علي تشكيل معارضة متجانسة سياسيا أولا, ثم الاتفاق علي الحد الدني الذي يجمع بين أطياف المستقلين الغالب علي معظمهم الانتماء فكريا للحزب الوطني, وهو أمر لا يمكن الحكم عليه من الجلسات الولي للبرلمان, وربما علينا الانتظار لمتابعة كيف سيتعامل الحزب الوطني مع مستقليه؟.. وهل سيعيدهم إليه؟.. أم أن الاستمرار في رفضهم سيؤدي بهم إلي الذهاب بعيدا.. وهذا ما نتمناه.