حزب العدل والمساواة يعقد اجتماعًا لاستطلاع الآراء بشأن الترشح الفردي لمجلس الشيوخ    جولد مان ساكس تتوقع قفزة هائلة بأسعار الذهب.. سيصل 4000 دولار للأونصة    النائب محمد سليمان: قانون ملكية الدولة ليس وسيلة للخصخصة بل تعظيم عوائد ثروات أملاكها    المشاط: 4 تريليونات دولار سنويا حجم الفجوة التمويلية اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    الحرس الثوري الإيراني يؤكد مقتل 7 من كبار قادة قوة الجوفضائية    صحيفة "إسرائيل هيوم": رئيس قبرص يقول إنه سينقل رسالة لنتنياهو من الرئيس الإيراني    محمد يوسف يطمئن على إمام عاشور في المستشفى    محافظ الشرقية يتابع سير امتحانات شهادة الثانوية الأزهرية بمعهد الزقازيق الديني    محافظ بورسعيد يتفقد غرفة عمليات الثانوية العامة لمتابعة انتظام الامتحانات في يومها الأول    وصول جثمان نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي لمسجد عمر مكرم    خمسة جوائز لقرية قرب الجنة من جوائز الفيلم النمساوي بڤيينا    شكوك حول مشاركة محمد فضل شاكر بحفل ختام مهرجان موازين.. أواخر يونيو    100 ألف جنيه مكافأة.. إطلاق موعد جوائز "للمبدعين الشباب" بمكتبة الإسكندرية    فوز طلاب فنون جميلة حلوان بالمركز الأول في مسابقة دولية مع جامعة ممفيس الأمريكية    محمد صلاح يحتفل بعيد ميلاده ال33 ب "تورتة صغيرة"    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    أسعار البيض اليوم الأحد بالأسواق (موقع رسمي)    رئيس مجلس النواب يحيل قرارات جمهورية ومشروعات قوانين للجان النوعية    الداخلية تضبط 6 ملايين جنيه من تجار العملة    رئيس النواب يفتتح الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة    اتحاد المهن الطبية يعلن صرف "معاش يونيو".. ودراسة زيادته    طهران تؤكد استمرار الهجمات على إسرائيل وتصفها ب"الرد المشروع"    قتل نائبة وأصاب ثانيا.. مسلح يستهدف نواب أمريكا وقائمة اغتيالات تثير المخاوف    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    المؤتمر السنوي لمعهد البحوث الطبية يناقش الحد من تزايد الولادة القيصرية    لأول مرة عالميًا.. استخدام تقنية جديدة للكشف عن فقر الدم المنجلي بطب القاهرة    ضبط 59804 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة في حملات مكثفة على الطرق والمحاور    حميد الشاعري يعود.. طرح برومو أغنيته المنتظرة «ده بجد ولا بيتهيألي»    «الزناتي» يفتتح أول دورة تدريبية في الأمن السيبراني للمعلمين    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    ضبط أكثر من 5 أطنان دقيق في حملات ضد التلاعب بأسعار الخبز    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    السجن المشدد 7 سنوات لمتهم بتعاطى المخدرات في قنا    الأنبا إيلاريون أسقفا لإيبارشية البحيرة وتوابعها    «أمي منعتني من الشارع وجابتلي أول جيتار».. هاني عادل يستعيد ذكريات الطفولة    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    اعتماد النظام الأساسى لاتحاد شركات التأمين المصرية    أشرف داري: الحظ حرمنا من الفوز على إنتر ميامي    معهد وايزمان جنوب تل أبيب: تضرر عدد من منشآتنا جراء قصف إيرانى ليلة أمس    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    تهديدات ترامب: سنرد بأقصى قوة إذا تعرضت مصالح أمريكا لهجوم من إيران    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    تعرف على أسعار الدواجن اليوم الأحد الموافق 15-6-2025 فى سوهاج    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    وكيل الأزهر يشكِّل لجنة عاجلة لفحص شكاوى طلاب العلمي من امتحان الفيزياء    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    لافتة أبو تريكة تظهر في مدرجات ملعب مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحيم علي يكتب‏:‏ نتائج انتخابات الجولة الأولي وتفاجؤ قوي المعارضة

تفاجؤ قوي المعارضة‏,‏ كان عنوان الجولة الأولي من انتخابات برلمان‏2010,‏ خاصة فيما يتعلق بموقف مرشحي الأحزاب الثلاثة الرئيسية‏,‏ وعدد من نجوم البرلمان السابق من المستقلين‏.‏
ولا يخفي بالطبع علي دارسي وأساتذة اللغة العربية الفرق بين التفاجؤ والمفاجأة‏,‏ فالمفاجأة تعبير عن رد فعل طبيعي‏,‏ لحدث غير متوقعة نتائجه‏,‏ أما التفاجؤ‏,‏ فهو تعبير عن رد فعل مصطنع‏,‏ علي حدث متوقعة نتائجه‏,‏ والحقيقة أن الأخير هو موقف قوي المعارضة في التعبير عن استقبالها لنتائج هذه الجولة من الإنتخابات البرلمانية‏.‏ نظرا لدغدغة مقولات الصفقات لعقول وقلوب معظم كوادر تلك القوي قبيل الدخول الي ساحة المعركة الإنتخابية‏,‏ حتي بتنا نسمع عن أرقام وتوقعات من قادة الأحزاب‏,‏ ما أنزل الله بها من سلطان‏,‏ وكأن هناك رسالة يريد البعض توصيلها الي النظام‏,‏ أنه لن يرضي من هذه الإنتخابات بأقل من كذا وكذا‏.‏
عمق من هذا الإحساس خروج عدد غير قليل من مدعي التحليل السياسي في مصرنا المحروسة‏,‏ للحديث عما أسموه بتوزيع حصة الإخوان‏(88‏ نائب‏)‏ علي الأحزاب الشرعية‏,‏ دون أي سند من أدلة أو شواهد ناهيك عن المعلومات‏.‏
وخرجت علينا صحف الأمس تتحدث عن حالة من الإحباط خيمت علي أحزاب المعارضة الرئيسية في مصر‏,‏ الوفد والتجمع والناصري‏,‏ عقب الإعلان عن النتائج الأولية لانتخابات مجلس الشعب‏2010,‏ حيث لم يتمكن مرشحو الأحزاب الثلاثة من الحصول علي أكثر من أربعة مقاعد‏,‏ في الوقت الذي يخوض فيه الإعادة ثلاثة عشر مرشحا سبعة للوفد وستة للتجمع
الجميع تحدث عن عمليات تزوير واسعة‏,‏ وتسويد للجان إنتخابية بكاملها‏,‏ بالإضافة الي ما وصفوه بالتدخل الأمني السافر والبلطجة‏.‏
وأصدر حزب الوفد بيانا رسميا صدر به عدد الأمس من جريدته الرسمية‏,‏ تحدث عن عمليات تزوير فاضحة‏,‏ واستخدام واسع للبلطجة في الإنتخابات‏.‏ ووصف الحزب علي لسان عضو هيئته العليا عصام شيحة النتائج بأنها‏'‏ محبطة للغاية‏',‏ مضيفا‏'‏ أنها بعثت برسائل سلبية للمواطن المصري‏'‏ مؤداها‏'‏ ألا يتعامل مع الأحزاب السياسية‏'.‏ لم يخرج حزب التجمع عن هذا الإطار‏,‏ إذ اعتبر رئيسه الدكتور رفعت السعيد‏,‏ انتخابات‏0102‏ بأنها الأسوأ في تاريخ الحياة النيابية‏,‏ مرجعا ذلك الي ما أسماه بشراء الأصوات والبلطجة وتقفيل الصناديق‏,‏ وترويع رؤساء اللجان‏.‏
بينما أكد أحمد حسن‏,‏ الأمين العام للحزب الناصري‏,‏ أن نتائج الجولة الأولي من الإنتخابات تسببت في حالة من الإحباط بالشارع المصري‏.‏
هذا في الوقت الذي أعلن فيه تنظيم الإخوان غير الشرعي أنهم يدرسون قرار الاستمرار أو الانسحاب من انتخابات مجلس الشعب الجارية‏,‏ بسبب ما وصفوه بأنه تجاوزات وتزوير حدث ضد مرشحيهم‏.‏ مشيرين علي لسان مرشد التنظيم الي أن‏'‏ الانتخابات باطلة في معظم الدوائر‏,‏ الأمر الذي يطعن في شرعية كل ما سيصدر عن مجلس الشعب المقبل‏'.‏
وإزاء هذا الغضب المكتوم الذي يرجع جميعه‏,‏ الي أسباب سنعرض لها في حينها في هذا المقال‏,‏ كان لا بد لنا من مناقشة هادئة‏,‏ لكل هذه المقولات‏,‏ تعتمد علي العقل وسيلة لقراءة المشهد السياسي والإنتخابي‏,‏ بعيدا عن العاطفة المشوبة بالحزن‏,‏ العائد الي الإخفاق في الوصول بالتمنيات الي واقع فعلي علي الأرض‏,‏ في هذه الإنتخابات‏,‏ الأشرس في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية‏.‏
أولا‏:‏
المعارضة والإنتخابات البرلمانية في ثلث القرن الأخير‏:‏
عادت التعددية السياسية الي مصر‏,‏ التي أممتها الثورة‏,‏ عام‏1976‏ علي يد الرئيس السادات الذي قرر انشاء ثلاثة منابر تمثل القوي السياسية في مصر‏,‏ منبر لليمين‏(‏ ومثله فيما بعد حزب الأحرار‏)‏ ومنبر لليسار‏(‏ ومثله فيما بعد حزب التجمع‏)‏ والأخير للوسط
‏(‏ ومثله فيما بعد الحزب الوطني‏)‏
وفي أول انتخابات نيابية تعددية جرت في عام‏1976‏ تكون البرلمان من‏352‏ مقعدا‏,‏ كان نصيب الوسط‏280‏ مقعدا‏,,‏ وحصل اليمين علي‏12,‏ بينما حصل جناح اليسار علي مقعدين‏,‏كما عين الرئيس عشرة من النواب بموجب القانون‏.‏
في عام‏1977‏ تم حل المنابر‏,‏ وشرعت الأحزاب السياسية‏,‏ وتحول جناح الوسط الي الي الحزب الوطني‏,‏ وجرت انتخابات نيابية جديدة في عام‏1979‏ تحت قواعد وقوانين برلمانية جديدة‏,‏ كانت نتيجتها فوز الحزب الوطني ب‏347‏ مقعد‏,‏ وحزب العمل علي ثلاثين مقعدا‏,‏ والأحرار مقعدين‏,‏ ولم يحصل حزب التجمع علي اي مقعد‏.‏ وفي حين تمكن المستقلون من الحصول علي‏13‏ مقعدا‏.‏
في انتخابات‏1984,‏ جرت الانتخابات بالقائمة النسبية‏,‏ وتحالف الوفد مع مع الاخوان المسلمين وأستطاعوا الفوز ب‏57‏ مقعد كان نصيب الاخوان منها‏7‏ مقاعد‏,‏ بينما حصل الحزب الوطني علي‏391‏ مقعدا‏,‏ فيما لم يتمكن أيا من الأحزاب الأخري من الفوز بأي مقعد‏.‏
عام‏1987‏ تم حل البرلمان واجراء انتخابات تشريعية جديدة جري فيها النزول بسقف التمثيل النسبي لإتاحة أكبر فرصة لتمثيل المعارضة‏,‏ الأمر الذي نتج عنه فوز المعارضة ب‏22%‏ من المقاعد التي كانت كالتالي‏:‏ التحالف الإسلامي‏(‏ حزب الأحرار وحزب العمل والإخوان المسلمون‏60‏ مقعد‏.‏
حزب الوفد‏35.‏
أما الحزب الوطني الديمقراطي فقد حصل علي‏348‏ مقعدا‏.‏
في عام‏1990‏ قاطعت أغلب الأحزاب السياسية الانتخابات‏,‏ بسبب العودة الي النظام الفردي‏,‏ وكانت النتيجة حصول الحزب الوطني علي‏386‏ مقعدا‏,‏ والمستقلون علي‏57‏ مقعدا وغياب تام للأحزاب‏.‏
نتيجة غياب الأحزاب عن برلمان‏1990,‏ جرت انتخابات عام‏1995‏ وسط ضعف عام للأحزاب وجاءت النتيجة كالتالي‏:‏
‏-‏ الحزب الوطني الديقراطي‏417‏
‏-‏ حزب الوفد‏6‏
‏-‏ حزب العمل‏1‏
‏-‏ حزب التجمع‏5‏
‏-‏ الحزب الناصري‏1‏
‏-‏ حزب الأحرار‏1‏
‏-‏ المستقلون‏12‏
في انتخابات‏2000‏ احتفظ الحزب الوطني بأغلبية‏388‏ مقعد‏,‏ بينما حزب الوفد علي‏7‏ مقاعد‏,‏ والتجمع‏6,‏ والناصري‏3,‏ والأحرار‏1,‏ بينما فاز المستقلون ب‏20‏ مقعدا‏.‏
في عام‏2005‏ جرت الانتخابات وسط اشراف قضائي كامل‏,‏ قاض لكل صندوق‏,‏ وحقق تنظيم الإخوان غير الشرعي مفاجأة كبيرة نتيجة التصويت الإحتجاجي بلغ‏88‏ مقعدا‏,‏ بينما تراجعت أغلب الأحزاب‏,‏ فحصل الوفد علي‏6‏ مقاعد‏,‏ والتجمع علي‏2,‏ بينما برز حزب الغد لأول مرة عقب تأسيسه بمقعدين أيضا وحصد المستقلون‏24‏ مقعدا‏.‏
وصفت هذه الإنتخابات‏(2005)‏ بأنها الأنزه في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية‏.‏
فبعد ماراثون طويل استمر لمدة شهرا‏,‏ خاض فيها‏5172‏ مرشحا بينهم‏444‏ مرشحا للحزب الوطني والباقي من المعارضة والمستقلين‏..‏ نجح الحزب الوطني في تحقيق الأغلبية بنسبة‏75%‏ بعد فوزه ب‏320‏ مقعدا‏(‏ بعد ضم المستقلين الذين نجحوا علي برنامجه‏)‏ وذلك من اصل‏432‏ مقعدا جرت عليها الانتخابات بعد وقف جولة الاعادة في‏6‏ دوائر بالمرحلتين الثانية والثالثة بها‏12‏ مقعدا وهي دوائر القناطر الخيرية واطسا والمنشية واجا ودسوق وقسم شرطة كفر الشيخ‏.‏
أما أحزاب المعارضة التي يتباكي البعض منها الآن ويتحدث عن تزوير وتسويد وبلطجة لا ننكر حدوثها ولكن بشكل فردي‏)‏ فقد حصلت مجتمعة آنذاك‏,‏ علي‏12‏ فصلناها في الفقرات السابقة‏,‏ كما فاز حزب الكرامة تحت التأسيس بمقعدين وإن كان مرشحاه قد تقدما للانتخابات كمستقلين‏.‏ إضافة الي ما حققه الإخوان‏.‏
كانت أهم ضمانات تلك الإنتخابات‏,‏ الاشراف القضائي الكامل حيث وفرت وزارة العدل عشرة آلاف قاضي‏,‏ بواقع قاضي لكل صندوق للمراحل الثلاث‏,‏ الحياد الايجابي للشرطة‏,‏ ومراقبة منظمات المجتمع المدني واستخدام الصناديق الشفافة والحبر الفوسفوري لأول مرة الذي يضمن عدم تكرار التصويت في اكثر من لجنة‏.‏ وهو ما عبرت عنه جميع منظمات المجتمع المدني‏,‏ والصحافة الغربية آنذاك‏.‏
وعلي الرغم من ذلك فقد شهدت تلك الإنتخابات النزيهة‏,‏ عبر مراحلها الثلاث العديد من اعمال الشغب والبلطجة والمشاجرات بين انصار المرشحين راح ضحيتها‏11‏ شخصا‏'1‏ في الاسكندرية و‏1‏ في كفر الشيخ و‏2‏ في الدقهلية و‏4‏ في دمياط و‏3‏ في الشرقية‏'‏ واصيب المئات في أحداث الشغب‏.‏
وضبطت الشرطة خلال هذه الاحداث‏223‏ متهما في جميع المحافظات التي شهدت أعمال
لكن ماذا حدث بين‏2005‏ و‏2010‏ ؟‏!‏
الإجابة عن هذا السؤال مهمة لكي نتعرف‏,‏ علي ما أوصل أحزاب المعارضة للنتائج التي عبروا عن تفاجؤهم بها‏.‏ فما حدث بين التاريخين‏,‏ علي صعيد خارطة الحياة السياسية‏,‏ بشكل عام والحزبية بشكل خاص جدير بالتأمل‏.‏ صحيح أن الحياة السياسية بدأت في النصف الأخير من‏2010‏ في التعافي وبخاصة ما يتعلق بالحياة الحزبية‏,‏ لكن الصحيح أيضا أن الأحزاب السياسية خاصة ما يطلق عليها‏(‏ الثلاثة الكبري‏)‏ ظلت منذ انتخابات‏2005‏ وحتي النصف الأخير من‏2010,‏ علي هامش الفعل والحركة السياسية في المجتمع المصري بشكل عام‏.‏ فقد سحبت حركات الإحتجاج السياسي والمطلبي‏,‏ خاصة حركة كفاية وأخواتها‏,‏ البساط من تحت أقدامها ولفترة طويلة من الزمن‏,‏ وسط تحذيرات عديدة أطلقها عدد من المخلصين‏,‏ بعدم السماح لتلك الحركات بالحلول محل الأحزاب وأستعارة دورها‏,‏ الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة علي هذه الأحزاب بشكل عام‏.‏
ولكن أحدا من قادة تلك الأحزاب لم يعط آذانا صاغية لتلك النداءات‏,‏ حتي حدث ما كان متوقعا ودخلت هذه الأحزاب في بيات شتوي حرمها ولمدة أربع سنوات علي الأقل من الفعل السياسي علي الأرض‏.‏
الأمر الذي أدي في النهاية الي اختفائها تماما من ساحة المشهد‏,‏ لصالح تلك الحركات الاحتجاجية‏.‏
وجاءت انتخابات‏2010,‏ وراح الوفد يدخلها بفريق الأحلام‏,‏ عدد من الذين دخلوا الحزب لأول مرة‏,‏ رغبة في كيد السلطة أو اعجابا بتجربة انتخابية‏,‏ دون أن يكون لهم أي سابقة في العمل السياسي‏,‏ بل أن بعضهم يتقاطع فكريا مع الحزب‏.‏
وخاض التجمع الانتخابات بعد خلافات عميقة كادت تعصف بالحزب العريق‏,‏ لولا بقية من عقل لدي عدد من ألمع قياداته‏,‏ عبرت به الأزمة‏,‏ لكنها لم تستطع حمايته من تأثيراتها‏,‏ وقل نفس الكلام علي حزب الغد الذي تفتت قطعا‏.‏ هذا في الوقت الذي خاض فيه الوطني الإنتخابات معتمدا علي العائلات الكبري في الصعيد وبحري‏,‏ أمثال أباظة‏,‏ ونصار‏,‏ وعثمان‏,‏ وسحلي‏,‏ ومكادي‏,‏ وعامر‏,‏ والباسل‏,‏ ستيت‏,‏ بالإضافة الي نجومه من الوزراء والنواب المخضرمين‏.‏
ومع ذلك فقد اسفرت الجولة الأولي من الإنتخابات عن فوز ستة من قادة تلك الأحزاب‏,‏ والإعادة علي ثلاثة عشر مقعدا‏.‏ وهو رقم لم يختلف كثيرا عن متوسط ما حصلت عليه تلك الأحزاب طوال ثلث قرن علي التحديد من عمر التجربة البرلمانية التعددية‏,‏ كما أوردنا في صدر المقال‏,‏ فلماذا التفاجؤ إذن ؟‏!.‏
المستقلون‏:‏
الأمر لا يختلف كثيرا علي صعيد المستقلين‏,‏ نجوم البرلمان السابق‏,‏ الذي تفرغ العدد الأكبر منهم للظهور علي شاشات الفضائيات في مبارزات لا علاقة لها بمصالح الناخب في دوائرهم‏,‏ كالقروي الذي بهرته أضواء المدينة فنسي أهله وناسه‏,‏ وتاه في شوارعها المضيئة‏,‏ هذا ما حدث نصا لعدد من نجوم البرلمان السابق‏,‏ الذي صرح أحدهم لأهالي دائرته‏,‏ الذين لم يروه منذ خمس سنوات‏,‏ أنه ليس من مهامه أن يجد عملا لمواطن‏,‏ أو يحميه من تعسف ما لحق به‏,‏ وإنما وظيفته التشريع تحت قبة البرلمان‏,‏ صحيح أن ما قاله عين العقل‏,‏ ولكنه لا يمكن أن يقنع الناخب البسيط الذي ذهب ليصوت لمنافسه علي الفور‏,‏ فلما سقط أخذ يتحدث عن التزوير والبلطجة والتسويد‏,‏ ولم يسأل نفسه هل لإجابته عن السؤال السابق‏,‏ وطريقته في التعامل مع مشاكل أبناء دائرته علاقة بما حدث من عدمه‏.‏ بالطبع هناك أسباب أخري لعدم توفيق الجزء الأكبر من نجوم البرلمان من المستقلين‏.‏
أهمها خطة الوطني‏,‏ لترشيح مرشحين أقوياء في هذه الدوائر‏,‏ وهو ما سنفرد له قسطا من المقال عندما نتحدث عن خطط الوطني في هذه الإنتخابات وعلاقتها بما حدث من نتائج‏.‏
تنظيم الإخوان غير الشرعي‏:‏
لم يكن تنظيم الإخوان غير الشرعي أكثر حصافة من الآخرين‏,‏ فقد أستغل التنظيم الحصانة البرلمانية التي منحت لنوابه‏,‏ لصالح جماعته غير الشرعية‏,‏ نسي أن هناك ناخبين منحوهم ثقتهم‏,‏ ونسوا الطريق الي هذه الدوائر طوال خمس سنوات‏,‏ هي العمر الفاصل بين الدورتين‏,‏ حتي أن بعضهم تم استقباله بالطوب والحجارة من قبل الناخبين عند زيارتهم لأول مرة للدعاية لبرنامج التنظيم في هذه الإنتخابات‏,‏ ولماذا نذهب بعيدا ففي تقرير لموقع سويس إنفو‏swissinfo.ch‏ الإخباري‏,‏ أخذ عدد من الخبراء في الشأن المصري علي أغلب نواب الإخوان في برلمان‏2005,‏ أنهم كانوا‏:'‏ بلا أجندة واضحة‏',‏ وليست لديهم‏'‏ قدرة علي المناورة السياسية‏',‏ فضلا عن كونهم يفكرون‏'‏ بعقلية الفصيل‏',‏ ويقدمون‏'‏ مصلحة الجماعة‏'‏ علي‏'‏ المصلحة العامة‏',‏ ويفتقدون‏'‏ للخبرة السياسية الكافية‏',‏ إضافة إلي‏'‏ ضعف الوعي السياسي والمعرفي‏'‏ وهو ما صرف عنهم الناس في هذه الإنتخابات‏,‏ وعلي الرغم من ذلك فقد استطاعوا من خلال الشعارات الدينية التي خدعوا بها البعض من الوصول الي مرحلة الإعادة بستة وعشرين مقعدا‏,‏ ولو كان التزوير سيد الموقف كما قال بذلك عدد من زعماء المعارضة‏,‏ لكان الأولي منع أي مرشح لتنظيم الإخوان غير الشرعي من الوصول الي مرحلة الإعادة‏,‏ وليس التصدي لمرشحي الأحزاب المدنية‏.‏
خطة الوطني في انتخابات‏2010:‏
لقد قام الحزب الوطني بدراسة موقفه في انتخابات‏2005,‏ بشكل علمي دقيق‏,‏ ومن ثم وضع خطته لإنتخابات‏2010‏ التي تضمنت عدة محاور أساسية‏:‏
الأول‏:‏ فيما يتعلق بمواجهته لتنظيم الإخوان غير الشرعي‏:‏
اعتمد الحزب علي إرباك التنظيم‏,‏ من خلال تقديم البلاغ الذي يتهم مرشحيه قبل الإنتخابات بثماني وأربعين ساعة بخرق القانون والدستور‏,‏ الأمر الذي أربك صفوف الجماعة بالكامل حول تحليل مغزي البلاغ ومداه‏,‏ وطرق التصدي له‏.‏
كما أعتمد الحزب علي الدفع بعدد من أقوي عناصره‏(‏ خاصة من الوزراء والنواب المخضرمين‏)‏ في الدوائر التي رشح التنظيم غير المشروع بها مرشحين أقوياء‏,‏ وهو الأمر الذي فاجأ التنظيم غير المشروع وأربك كل حساباته‏.‏
أيضا تأثير الدعاية الإعلامية التي سبقت الإنتخابات بفترة‏,‏ والتي صاحبتها‏,‏ علي موقف الجماعة غير القانوي والشرعي‏,‏ والذي فضح أيضا مخططاتها‏,‏ الهادفة الي الفوضي‏,‏ والإضرار بمصالح البلاد‏,‏ كان له أثر كبير لدي الرأي العام في تراجع مرشحي الجماعة في دوائر عديدة‏.‏ التعامل مع المستقلين‏:‏
قصد الحزب الوطني عمدا انتزاع عدد من المقاعد‏,‏ ممن كان يطلق عليهم‏,‏ نجوم البرلمان وهذا حقه باستخدام المنافسة الشريفة‏,‏ عبر الدفع بأفضل العناصر لخوض المعركة أمامهم في تلك الدوائر‏.‏
الي الحد الذي دفع ببعضهم الي الاعتراف بالهزيمة قبل بدء الإنتخابات‏,‏ وسأعطي هنا مثالين‏:‏
دائرتي النائب مصطفي بكري والنائب حمدين صباحي‏,‏ إذ تم تعديل دائرة حلوان لتتسع للوزير سيد مشعل في مواجهة بكري الذي أيقن منذ اللحظة الأولي أن هذا التعديل موجه إليه شخصيا بقصد اسقاطه نظرا لقوة منافسه الذي يصوت له عمال المصانع الحربية بكامل هيئتهم‏,‏ وهو ما دعا بكري الي الإعتصام والتظاهر أمام مجلس الشعب لعدة أيام منددا بهذا الإجراء ومتهما المهندس أحمد عز بأنه وراء القرار بقصد أسقاطه‏.‏ كان بكري إذن‏-‏ يعلم هذا المصير منذ اللحظة الأولي‏,‏ ولا علاقة لما حدث بتزوير أو تسويد أو سوء فرز أو خلافه‏.‏
وفيما يتعلق بالنائب حمدين صباحي‏,‏ قام الحزب الوطني بعملية تغيير متعمدة لصفة المرشح العمالي القوي أبن دائرة الحامول‏,‏ عصام عبد الغفار‏,‏ ومن المعروف أن دائرة الحامول والبرلس تنقسم الي قسمين كما مسماها الحامول وكتلتها التصويتية تفوق البرلس ب‏14%‏ وهي الكتلة التصويتية للنائب عصام عبد الغفار والبرلس وهي كتلة حمدين صباحي التصويتية‏.‏ وبذلك فقد كان معروفا قبل بدء الإنتخابات وهو ما تأكد منذ الساعات الأولي لبدء عمليات التصويت أن حمدين يحتاج الي معجزة ليدخل مرحلة الإعادة‏,‏ بحكم الكتل التصويتية التي لا تصب في صالحه بعيدا عن التسويد‏,‏ والتزوير‏,‏ والبلطجة‏.‏
لماذا هذه الضجة إذن؟
هذا هو السؤال الأكثر إلحاحا‏,‏ في هذه المرحلة وقبل الولوج لمرحلة الإعادة‏,‏ وسأجيب عنه بصراحة مطلقة‏,‏ قد تغضب البعض وجلهم من أصدقائي‏?‏ إذ للأسف الشديد شرع البعض من قادة وكوادر أحزاب المعارضة‏,‏ في تصديق ما رددته عدد من الصحف التي تستقي معلوماتها من بائعي البطاطا‏(‏ وفق تعبير الكاتب الصحفي الأستاذ صلاح عيسي‏)‏ حول الصفقات‏,‏ وراحت تمني نفسها بما جاء في هذه المقالات التي مصدرها الأساسي مقاهي وسط البلد‏.‏
وعندما راح قادة الحزب الحاكم يكذبون هذه التقارير‏,‏ الواحد تلو الآخر‏,‏ معلنين علي لسان الأمين العام للحزب السيد صفوت الشريف وأمين السياسات السيد جمال مبارك‏,‏ وأمين التنظيم المهندس أحمد عز‏,‏ أنهم سيخوضون هذه الانتخابات علي جميع المقاعد‏,‏ وسيخوضونها بشراسة بهدف الحصول علي أغلبها‏,‏ أعتبرها البعض‏-‏ وسمعت هذا الكلام بأم أذني من سياسيين كبار‏-‏ ذرا للرماد في العيون وتمويها علي نية مؤداها توزيع حصة التنظيم غير المشروع علي الأحزاب الشرعية دعما للحياة الحزبية وتقويتها‏,‏ علي حساب الحركات الهامشية التي تعيش وتتعيش علي هامش الحياة السياسية‏.‏
كان البعض يشير بوضوح الي كوتة مثل كوتة المرأة‏,‏ وهو ما شجع بعض الصحف التي تستكتب
‏(‏ بائعي البطاطا‏)‏ في التمادي في اوهامها حول الصفقة‏,‏ حتي أفاق الجميع من الوهم علي دقات طبول الحقيقة فأخذوا يصرخون
‏(‏ تزوير‏..‏ تسويد‏..‏ بلطجة‏)‏ ونسوا أو تناسوا‏,‏ أنهم لم يغادروا مواقعهم‏,‏ وأحجامهم السياسية منذ انتخابات‏2005.‏ تلك التي جرت في جو من النزاهة أشرف عليها عشرة آلاف قاضي عبر ثلاث جولات‏,‏ أي ثلاثون ألف قاضي بواقع قاضي لكل صندوق‏.‏
تلك هي المعضلة الحقيقة‏,‏ والحل في نظري‏-‏ يكمن في ان تستغل الأحزاب السياسية رغبة النظام في تقوية النظام الحزبي‏,‏ في النزول الي الشارع والإلتحام بمصالح الناس وانتزاع الشعبية استعدادا‏,‏ لانتخابات‏2015,‏ بدلا من البكاء علي أوهام لم تتحقق بحكم الواقع وطبيعة الأشياء‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.