ما من شك في حاجتنا الماسة والملحة الآن إلي مشروع قومي يلتف حوله المصريون بعد سنوات من التشتت والتشرذم والاحساس بالغربة في الوطن بسبب ما خلفه نظام مبارك من هوان ومهانه علي مدار العقدين الأخيرين كان البقاء فيها للأقوي والأكثر نفوذا, واكتملت الطامة واتسعت الفرقة مع اعتلاء الاخوان سدنة الحكم نتيجة ممارسات الاقصاء لصالح الأهل والعشرية التي اتبعتها الجماعة.. ومن المؤسف والمؤلم ان نعترف بان آفة معظم ابناء الجيل الجديد لاتتمثل فقط في كونهم لايقدرون قيمة ومعني مصر الوطن بل لكونهم باتوا يملكون ميولا عدوانية تجاهها.. تجلت بوضوح في أعمال الشغب والإرهاب التي عمت معظم الجامعات والمعاهد لاسيما الأزهرية منها في الموسم المنصرم.. لدرجة أن الأزهر يدرس الأن وبشكل جدي تأجيل بدء الدراسة بالجامعة في الموسم الجديد لحين تأمين الحرم بطريقة تحول دون تكرار نفس الاحداث المؤسفة مجددا. ورغم ان مشروع حفر قناة السويس الجديدة نجح إلي حد بعيد في بث الأمل في النفوس بأن الغد من الممكن ان يكون افضل إلا المشروع الأهم من وجهة نظري يبقي اخلاقيا صرفا فنحن بالفعل في مسيس الحاجة لمشروع اخلاقي يواجه حالة الانفلات المجتمعي المؤسفة التي تشهدها حاليا ويضع شريطا لاصقا علي الافواه التي تصرخ بالفتنة فوق المنابر وعبر الفضائيات وتصدر اليأس للنفوس. وكلنا يدرك ان القيم الأخلافية جزءا لا يتجزأ من النظام الاجتماعي, تشكلت عبر الزمن, ورغم ذلك فهي ليست قيما ثابتة وانما يطالها التحديث والتشذيب بمرور الوقت, وبالتالي فما كان سائدا من قيم اخلاقية في وقت ما ليس بالضرورة أن يكون مناسبا لوقت آخر, لأن القيم الاخلاقية باختصار هي نتاج للعلاقات الاجتماعية المختلفة, اقتصادية بيئية, دينية, في زمن معين وعلينا ان ندرك ان هذه النقطة تحديدا ونحن نتوجه لترسيخ مشروعنا الاخلاقي.. ونتأمل بشأن مقولة الفيلسوف الالماني, هيجل حيث يعتقد ان الفضيلة تتويج لصراع محتدم مع الرذيلة, واننا لكي نصل للفضيلة يجب علينا اولا ان نكافح الرذيلة ونجفف منابعها.. وما أكثرها في زمننا المعاصر.. والامام علي كرم الله وجهه يقول: من كرمت عليه نفسه هاتت عليه شهواته. ان القيم بمعناها الاصطلاحي الشامل تعني مجموعة معايير تتكون لدي الفرد تمكنه من تحقيق هدفه في الحياة وقيل هي مجموعة المبادئ والقواعد والمثل العليا التي يتخذ منها الناس ميزانا يزنون بها اعمالهم, ويحكمون بها علي تصرفاتهم المادية والمعنوية. فمثلا لا جدوي من العبادات إلا إذا استندت إلي مكارم الاخلاق, وما فتح اجدادنا الكرام العظام اقطار الدنيا إلا بمكارم اخلاقهم, وما جوهر الدين إلا مكارم الاخلاق, فالقيم الأخلافية تعد من اهم مجالات القيم, لما لها من دور بارز في تحديد معالم الشخصية كيف لا وقدوتنا في ذلك سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الاخلاق الأول القائل انما بعثت لاتتم مكارم الاخلاق وقد اثني عليه ربه بقوله سبحانه وانك لعلي خلق عظيم. ان اكثر ما يعاني منه المجتمع المسلم صغارا وكبارا, الآن هو الانفلات والكذب, كذب في البيع والشراء, كذب في القاء الافكار, كذب في مدح الأخرين فالكذب ظاهرة تدمر المجتمعات, وما من فضيلة, وما من اساس لبناء اي مجتمع صحيح إلا ان يكون الصدق هو محور هذا المجتمع. ويقول ادم سميث استاذ علم الاخلاق ابرز النظريات الاقتصادية الرأسمالية في كتابه نظرية الوجدان الاخلاقي, ينبغي علي الرجل ان ينظر إلي نفسه علي أنه مواطن في هذا العالم وعضو في جمهورية الطبيعة وليس فردا مستقلا ومنفصلا عن العالم, ومن أجل مصلحة هذا العالم الكبير ينبغي عليه طوعا ان يضحي بمصلحته الشخصية الصغيرة في الأوقات, خلاصة القول أننا بحاجة ماسة لمشروع اخلاقي يعيد للمجتمع المصري قيمة وتماسكه من جديد.. فانما الامم الاخلاق ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا.. وللحديث بقية